البلد الذي وصفته موسوعة الأسماء في البلدان الإفريقية لصاحبها آرول كاتشيمن بأنه "القلب الميت لإفريقيا"، بسبب عزلته ومناخه الصحراوي، قد يحمل اليوم عن جدارة وصف "القلب الحي" للديناميكية الجغرافية-السياسية الإفريقية، نظرا لخصائصه الجغرافية ومشاركته الإقليمية في الحرب ضد بوكو حرام، في تناسق مع الإستراتيجية الفرنسية في منطقة الساحل.

وفيما يلي استعراض لأهمّ الخصائص التي جعلت من هذا البلد محور الديناميكية الجيوسياسية في المنطقة:

1)- تموقع استراتيجي في كل الأزمات وخصوصا في أزمة "بوكو حرام":

مثل التمتوقع الجغرافي لتشاد عاملا أساسيا في مشاركته النشيطة في الصراع ضد "بوكو حرام"، كما كان عنصرا محددا في تحرّكات تعلقت بأزمات على حدوده أفرزت تدافع اللاجئين على أبوابه. فتشاد يتقاسم حدوده الشمالية مع ليبيا، هذا البلد الذي خاض معه حربا لمدة 10 سنوات، وهذا ما من شأنه أيضا أن يجعل من تشاد نقطة انطلاق جيدة للجيش الفرنسي، في حال تدخله العسكري في الأراضي الليبية، وهو أيضا ما يقدّمه كلاعب رئيسي، في أعين باريس، في العمليات التي تقاد ضد المهربين على الحدود الليبية الجنوبية، خاصة وأن ظهور عديد الجماعات المسلحة في ليبيا ما بعد الثورة، ساهم في تصاعد عمليات التهريب من كل صنف على طول المنطقة الصحراوية الساحلية.

كما أنّ القرب الجغرافي من إقليم دارفور السودانية، الواقع على حدوده الشرقية، سمحت بامتداد الصراع الذي شهده الإقليم، في 2003، إلى التشاد، خصوصا مع قدوم أكثر من 200 ألف لاجئ، وفقا لأرقام للمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة. وقد كانت لحروب التشاد خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، والتي شملت المجموعة العرقية "الزغاوة"، تبعات مباشرة على الصراع.

أما جنوبا، قيتقاسم تشاد حدوده مع افريقيا الوسطى، وهذا ما جعله وجهة لنحو 100 ألف لاجئ، وفقا للمفوضية العليا للاجئين، والذين فرّوا من بلدهم جراء الحرب الأهلية المندلعة بين تحالف "سيليكا" المسلم (إئتلاف سياسي وعسكري)، وميليشيات "أنتي بالاكا" المسيحية.

وفي الآونة الأخيرة، أضحى تدخّل تشاد في الصراعات الإقليمية ضرورة سياسية، باعتبار قربه من مناطق الصراع. فموقعه الجغرافي الذي يتقاسم حدوده الجنوبية الغربية مع مناطق تنشط فيها "بوكو حرام"، وهي أقصى شمالي الكاميرون وشمال غربي نيجيريا، حتّم على نجامينا الانخراط في هذه الحرب.

2)- مشاركة إقليمية نشطة ومثيرة للجدل أحيانا

أطلقت القوات التشادية، في منتصف شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، عملية عسكرية في منطقة أقصى شمالي الكاميرون، في خطوة برهنت من خلالها خروج الأزمة التي تسبّبت فيها المجموعة النيجيرية المسلّحة، من طابعها المحلّي، لتكتسي بعدا إقليميا. توجّه ترجم بعدا آخر لدور تشاد في المنطقة، إضافة إلى دعم الجهود العسكرية الفرنسية في شمالي مالي والمشاركة العسكرية تحت مظلة الأمم المتحدة في هذا البلد.

فبعد فشل الانقلاب، في 2001، ضد رئيس إفريقيا الوسطى أنجى فيليكس باتاسيه ، لجأ رئيس أركان جيش جمهورية إفريقيا الوسطى آنذاك، فرانسوا بوزيزيه (قبل أن يتولى الحكم في افريقيا الوسطى كرابع رؤسائها)، إلى تشاد أين أطلق سلسلة من العمليات ضد نظام بلاده، قبل أن يتدخل في بانغي (عاصمة افريقيا الوسطى)، بعد عامين من ذلك، بمساعدة القوات التشادية.

القوات نفسها (التشادية) قامت، إثر ذلك، بدعم الجنرال بوزيزيه، خصوصا خلال مواجهات "بيراو" شمالي افريقيا الوسطى، والتي اندلعت ضدّ "تحالف الوطنيين للعدالة والسلام"، إحدى التشكيلات التي انضمّت فيما بعد إلى تحالف "سيليكا" الذي أسّسه ميشيل دجوتوديا (الرئيس الخامس لإفريقيا الوسطى). هذا الأخير، سيقوم، فيما بعد، بانقلاب عسكري ضد بوزيزيه، وللمفارقة، سيحصل أيضا على دعم تشاد. جميل لم ينسه دجوتوديا، فكان من بين الإجراءات الأولى لحكومته، عقب تولّيه الحكم، هو النظر في العقود النفطية لصالح نجامينا.

وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، احتضنت نجامينا الاتفاقيات التي أدت إلى استقالة دجوتوديا وبدء المسار الانتقالي في افريقيا الوسطى. مواقف ترجمت دعم تشاد، ولكن أيضا تخلّيه في كلّ مرة أيضا عن الرؤساء الأفارقة، وهو ما يدعم صورة "صانع الملوك" التي يوصف بها.

3)- سياسة متناسقة مع الإستراتيجية الفرنسية في منطقة الساحل:

ويتجلّى ذلك من خلال:

رئاسة أركان عملية "برخان" الفرنسية (عملية عسكرية أطلقتها باريس، العام الماضي، ضد الجماعات المسلحة في منطقة الساحل وجنوب الصحراء الكبرى)، تتخذ من أهمّ قواعد باريس العسكرية في تشاد مقرّا لها، وتحتضن حوالي 50 % من القوات الفرنسية في المنطقة، أي حوالي ألف و300 عسكري.
جسّد تدخل تشاد ضد "بوكو حرام" الإرادة المعلنة لباريس للتعامل الحاسم مع المجموعة المسلحة، وفقا لتوصيات قمة الإليزيه (قصر الرئاسة الفرنسي) الفرنسية الافريقية العام الماضي، حول السلام والأمن في افريقيا.
التدخل الفرنسي في شمالي مالي في إطار بعثة الأمم المتحدة كان بدعم من الجيش التشادي الذي أرسل أكثر من ألفي جندي.
أدى قلق باريس، في ديسمبر/ كانون الأول 2013، من تدهور الوضع الأمني في بانغي بافريقيا الوسطى، إلى تنظيم قمة نجامينا، والتي أدت إلى استقالة ميشيل دجوتوديا ودخول البلاد مرحلة الانتقال السياسي.

جملة من المعطيات تترجم وتفسّر مواقف فرنسا، باعتبارها أحد الشركاء الاقتصاديين لنجامينا، والتي لطالما تدخلت من أجل حماية النظام في تشاد، والحفاظ على استقرار المنطقة التابعة لهذا البلد الافريقي الذي يعدّ بوّابة منطقة الساحل، وهذا ما تجلّى من خلال الصراع الذي اندلع بين تشاد وليبيا بين عامي 1978 إلى 1987، حين هبّت فرنسا لنجدة تشاد من خلال عمليتين عسكريتين حملتا تباعا اسم "مانتا" ثم "إيبرفييه". الأمر نفسه تقريبا حصل حين أنقذت عملية "إيبرفييه" الفرنسية، في 2006 و2008، نظام الرئيس التشادي "إدريس ديبي"، من خطر المتمرّدين الذين كانوا يدقّون أبواب العاصمة نجامينا.