بعد أن خطت المعارضة خطوة هامة باتجاه تحريك الرأي العام الجزائري لتحقيق انتقال ديمقراطي في البلاد، خلال الأشهر الماضية، تواجه اليوم حالة انقسام، يعزوها متابعوها إلى تعدد المبادرات وتقوقع كل كيان سياسي على نفسه.

تواجه المعارضة الجزائرية، في الفترة الأخيرة، حالة تشتت في ظل تعدد المبادرات السياسية، حول علاقة المعارضة بالسلطة القائمة.

يأتي ذلك في وقت يحاول فيه النظام إبداء سيطرته على مجريات الوضع بالجزائر بعد أن كادت تنفلت منه الأمور على خلفية رفض شعبي واسع لتجديد الولاية الرابعة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، والذي ترجمه تراجع عدد المصوتين لفائدته في الانتخابات الأخيرة، حيث خسر خمسة ملايين صوت مقارنة بانتخابات 2009.

وفيما تتمسك تنسيقية الانتقال الديمقراطي أحد المكونات الرئيسة للمشهد السياسي في الجزائر بالمبادرة التي طرحتها قبل شهرين خلال ندوة زرالدة والتي تتلخص في الدعوة لتغيير سلس في النظام يستثني السلطة القائمة، طرحت بدورها جبهة القوى الاشتراكية (الأفافاس) مبادرة أطلقت عليها تسمية “الإجماع الوطني” صادق عليها المجلس الوطني للجبهة في دورته الأخيرة في أغسطس الجاري، وشددت خلالها على ضرورة إشراك السلطة في المباحثات حول مستقبل النظام في البلاد.

ويعتبر الأفافاس نفسه ليس “هاويا في السياسة وهو يريد التأسيس للإجماع الوطني لا الاستحواذ عليه”، مشيرا إلى أن “الأفافاس قبل الندوة سيكون مسهلا يتصل بجميع الأطراف، وأثناء الندوة سيكون دوره ضابطا لإيقاع النقاش، وبعد الندوة سيقوم بمتابعة نتائجها وتطبيقها على الميدان”، في انتقاد واضح لندوة زرالدة التي طرحت خلالها التنسيقية أرضية مبادرتها السياسية.

وكانت الجبهة الاشتراكية رفضت المشاركة في ندوة تنسيقية الانتقال الديمقراطي التي تضم في معظمها أحزاب محسوبة على التيار الإسلامي، عازية سبب رفضه إلى تسرع التنسيقية سواء من حيث التوقيت أو فيما يتعلق بالاندفاع نحو تحضير الندوة دون التشاور مع باقي الأطراف السياسية، قائلا إن “الأفافاس″ يريد العمل “برويّة ودون تسرع لتحقيق التوافق والإجماع السياسي الوطني” بخصوص الانتقال الديمقراطي.

وفي رد فعل على خطوة الأفافاس برفض مبادرة جبهة الانتقال الديمقراطي ضمنيا ثم طرحه ما أسماها مبادرة الإجماع الوطني اعتبر رئيس حركة حمس عبدالرزاق مقري “المبادرة تكون ذات جدوى إذا كانت لها إضافة على ما قام به إجماع المعارضة في ندوة مزافران".

وأضاف مقري “يكون مرحبا بها (المبادرة) إذا استطاع الأفافاس أن يقنع السلطة الحاكمة على الذهاب فورا لما يضمن الحريات والانتقال الديمقراطي على أساس متفق عليه وفق معايير عالمية لا لبس فيها ولا تحايل”.

وتحيل تصريحات عضو التنسيقية عن اعتقاد في أن الجبهة الاشتراكية تسعى من خلال المبادرة الأخيرة إلى مساعدة السلطة على الخروج من أزمتها السياسية التي تتخبط فيها منذ أشهر كادت في وقت من الأوقات أن تطيح بها.

ويتعزز هذا الاعتقاد مع ورود أنباء شبه مؤكدة عن لقاءات تخوضها الجبهة اليسارية مع حكومة عبدالمالك سلال، وهناك توجه لمشاركة الجبهة في الحكومة التي ستشهد تعديلا خلال الشهر المقبل. مع العلم أن الجبهة كانت رفضت في السابق مرارا وتكرارا الدخول في شراكة مع السلطة التنفيذية.

وتتزامن مبادرتا الجبهة الاشتراكية والتنسيقية مع مشاورات حثيثة يجريها بدوره قطب التغيير الذي يقوده المرشح السابق لرئاسة الجمهورية علي بن فليس بمعية الأحزاب المنضوية في القطب الليبرالي لصياغة مبادرة سياسية جديدة سيطرحها قريبا.

وتقوم هذه المبادرة حسب رئيس الفجر الجديد الطاهر بن بعيبش على “ضرورة فتح حوار بين السلطة والمعارضة دون أي جدول أعمال يفرضه طرف على الآخر".

وكان قطب التغيير قد أكد حرصه على التواصل مع تنسيقية الانتقال الديمقراطي بعد ندوة زرالدة إلا أن المتابعين يجمعون على أن هذا الأخير بات ينحو أكثر باتجاه جبهة القوى الاشتراكية، خاصة في تأكيده على ضرورة فتح حوار مع السلطة، دون شروط مسبقة.

ويرى المهتمون بالشأن الجزائري أن تعدد المبادرات السياسية من طرف المعارضة وإن كانت تعكس في ظاهرها حالة صحية إلا أنها في جوهرها تشكل إضرارا بالمكاسب التي حققتها المعارضة خلال الأشهر الماضية باتجاه بناء نظام ديمقراطي يقطع مع النظرة الشمولية التي انتهجها نظام بوتفليقة، منذ تشكّله.

ووفقا للعرب فقد اعتبر هؤلاء أن هذه المبادرات المتواترة هي نتاج الرؤية الإيديولوجية الضيقة، وانتهازية البعض، والتي ستسمح للنظام من خلالها بفسحة للمناورة وبالتالي إعادة ضبط الأمور على إيقاعه.

ويحمّل العديد من المعارضين القيادة الحالية للجبهة الاشتراكية المعروفة بالأفافاس جانبا كبيرا من المسؤولية حول الوضع الحالي الذي تعانيه قوى المعارضة.

ويستدل هؤلاء بمحاولة الجبهة الاشتراكية ضرب المبادرة التي طرحتها تنسيقية الانتقال الديمقراطي التي اتخذت عقب الإعلان عنها زخما كبيرا لتصطدم برفض الأفافاس لها ثم قيام الأخير بطرح مبادرة هي أقرب لأن تكون طوق نجاة للنظام، من أن تكون باحثة عن تغيير حقيقي في الجزائر.

وتسعى الجبهة الاشتراكية اليوم إلى إحداث تقارب مع قطب التغيير من جهة والسلطة الحالية، الأمر الذي من شأنه أن يعمق أزمة المعارضة ليترك المجال أمام استعادة النظام لزمام الأمور.

في المقابل يتبنى العديد الرأي القائل بأنه ورغم التراجع الذي تسجله المعارضة على الساحة نتيجة الانقسامات إلا أن النظام ما يزال يواجه مطبات كبيرة لعل أهمها تنامي الاحتقان الشعبي في صفوف الجزائريين نتيجة سوء التصرف وإدارة الوضع الاقتصادي والتنموي وارتفاع نسبة البطالة رغم الاحتياط النقدي الكبير الذي تمتلكه الجزائر، بفضل ثروة الغاز التي تكتنزها في باطن أراضيها.

ويستدل هؤلاء ومحللون غربيون بالأحداث التي تشهدها بين الفينة والأخرى مدينة غرداية والتي تتخذ بعدا اقتصاديا، وإن كانت في ظاهرها أزمة طائفية.

وتقول المحللة الألمانية سوزان كايزر، أن الأحداث التي شهدتها غرداية ولدها التهميش الاجتماعي والسياسي للأقليات.

وتعتبر أن النزاعات الجارية في هذه المدينة الواقعة جنوب الجزائر تؤكد أن الوضع الاجتماعي والسياسي السائد بالبلاد يبقى معرضا للانفجار على نطاق واسع، مشددة على أن مستقبل الجزائر يظل عرضة للمجهول.