بعد أكثر من شهرين على الفراغ الحكومي في تونس، أسدل الستار اليوم الاثنين، على تشكيلة وزارية جديدة، برئاسة الأكاديمية المتخصصة في علوم الجيولوجيا نجلاء بودن، التي شكّلت حكومة من 24 وزيرا، سيكون من مهامهم تضميد جراح بلد يعاني أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية عميقة.
ويمثل الوضع الاقتصادي المتردي أول الملفات على طاولة بودن، وهو قطاع يعاني منذ عقد من الزمن بسبب غياب الاستقرار السياسي، إلى جانب البحث عن مصادر تمويل جديدة بعد توقف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وصعوبة استئنافها قبل 3 أشهر من نهاية العام الحالي.
وتوالت ردود الفعل في تونس بشأن الحكومة الجديدة، التي أدى أعضاؤها الاثنين اليمين الدستورية في قصر قرطاج، بين مبشر بنجاحها ومشكك في قدرتها على مواجهة الملفات الاقتصادية والاجتماعية الحارقة وبين رافض يعتبر أنها "فاقدة للشرعية الدستورية".
داخليا،لاقى التشكيل الحكومي ترحيبا واسعا عقب أدائها اليمين الدستورية، فمن جانبه رحب الاتحاد العام للشغل في تونس بإعلان حكومة جديدة ودعا إلى حوار تشاركي وقال الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري إن "هناك عديد التحديات المطروحة على المدى القصير على الحكومة الجديدة التي تقودها نجلاء بودن، موضحا أن من أبرز هذه التحديات إعادة التوازن للمالية العمومية في ظل ارتفاع عجز الموازنة ووجود حاجة ماسة لتعبئة موارد مالية جديدة".
ومن جانبه أجرى الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل نور الدين الطبوبي اتصالا هاتفيا مع بودن، عبر خلاله عن ثقته وتطلعاته من الحكومة الجديدة.
وعبّر عدد من الأحزاب عن ترحيبه بالحكومة الجديدة، حيث اعتبر حزب التحالف من أجل تونس، أن الحكومة جاءت لتؤكد القطع مع كل التقاليد المعهودة في التسميات والتعيينات التي كانت خاضعة للولاءات الضيقة ولبعض القوى السياسية والعائلية واللوبيات المهيمنة على مفاصل الاقتصاد والمال، وجدد الحزب مساندته لكل قرارات رئيس الدولة، معلنا عن دعمه لحكومة نجلاء بودنّ التي يُنتظر منها تسريع البت في كل ملفّات الفساد الإداري والمالي والسياسي، وضمان محاكمة عادلة لكل الذين أجرموا في حق البلاد والشعب، وتحقيق إنجازات سريعة في الملفين الاقتصادي والاجتماعي خاصة.
كما ثمن الحزب التمثيل الواسع للمرأة في المناصب الحكومية، في سابقة إيجابية تجسدت لأول مرة في تاريخ تسيير الشأن العام في تونس والعالم العربي.
من ناحيتها عبّرت حركة الشعب عن استبشرها بالتشكيلة الحكومية الجديدة التي يرى أنها تضم مجموعة من خيرة الكفاءات التونسية.
وقال عضو المكتب السياسي لحركة الشعب، حافظ السواري في تصريح صحفي:"صحيح أن أغلبية اختصاصات أعضاء الحكومية قانونية، ولكن الفريق الوزاري الجديد مؤلف من قيادات نسائية أثبتت قدرتها على النجاح في مجالها وعلى رأسهم رئيسة الحكومة نجلاء بودن المشهود لها بالكفاءة والتفاني في العمل".
وأشار إلى أن الأولوية الأولى التي تضعها هذه الحكومة على عاتقها هي القيام بإجراءات اجتماعية عاجلة لصالح التونسيين في خصوص تردي المعيشة وتفاقم البطالة والانطلاق في بناء اقتصاد وطني يستطيع أن يخرج تونس من المأزق الذي وقعت فيه.
ويعتقد السواري أنه من الإجحاف الحكم على الحكومة الجديدة بالفشل قبل انطلاقها والتحجج بأنها لم تضم وجوها سياسية أو خبراء على المستوى الاقتصادي، قائلا: "في تونس جربنا كل أنواع الوزراء سواء اقتصاديين أو تكنوقراط وجميعهم أثبتوا فشلهم في تلبية تطلعات الشعب وقيادة البلاد نحو الاستقرار السياسي والنهوض الاقتصادي".
ولفت إلى أن "الفريق الوزاري الجديد لن يعمل بمفرده وإنما ضمن فريق من المستشارين ذوي الخبرة الاقتصادية والمالية والاجتماعية وتبعا لتوجيهات رئيس الجمهورية الذي وضع ثقته في شخص نجلاء بودن إيمانا بقدرتها على اتخاذ طريق النجاح".
واعتبر أن المسائل الاقتصادية والملفات العاجلة هي من اختصاص الحكومة، أما الإصلاحات الاقتصادية على غرار تنقيح القانون الانتخابي وتعديل النظام السياسي فهي تتطلب فتح حوار وطني تحت إشراف رئاسة الجمهورية.
في المقابل، اعتبر رئيس الهيئة السياسية لحزب الأمل أحمد نجيب الشابي، في حديث صحفي أن حكومة بودن جاءت في سياق أزمة دستورية وأنها تطرق تساؤلات محورية وطنية ودولية في علاقة بفقدانها للشرعية.
وتابع: "هذه الحكومة تشكلت خارج الأطر الدستورية وبموجب المرسوم 117 الذي أعطى بمقتضاه رئيس الجمهورية لنفسه صلاحيات واسعة من بينها تشكيل الحكومة، وبالتالي هذه الحكومة ستلاحقها أزمة الشرعية".
واعتبر الشابي أن خبرة نجلاء بودن في الجيولوجيا لا تخولها تقلد منصب حساس كرئاسة الحكومة خاصة في ظل الوضع الصعب الذي تمر به تونس.
وقال الشابي إنه لا ينتظر شيئا جديدا من هذه الحكومة، خاصة وأن خطاب رئيستها نجلاء بودن تضمن إعلانا عن حسن النوايا ولم يأت على أي عنصر يشير إلى البرنامج الذي ستعتمده في المرحلة المقبلة أو عن الإصلاحات التي ستتبناها مستقبلا وكيفية معالجة المشاكل التي ترزح تحتها البلاد.
وشكك القيادي المستقيل من حركة النهضة عبد اللطيف المكي في شرعية الحكومة الجديدة، في ظل تعطيل الدستور والبرلمان، مضيفاً أنه لا يعرف الأسماء المعلنة، "وبالتالي، لا يمكنه تقييمهم حالياً"واعتبر أن الحديث عن كفاءات يأتي لشرعنة ما يحصل.
وأردف أن الأيام ستكشف أنها حكومة لوبيات تقليدية، وكان اللافت غياب أي تعليق من حركة النهضة على إعلان الحكومة.
القيادي في التيار الديمقراطي نعمان العش؛ اعتبر أن إعلان الحكومة ضروري رغم تأخره، وقلل من أهمية زيادة مشاركة المرأة على اعتبار أن الكفاءة في العمل هي المقياس، داعياً إلى الكشف عن توجهات الحكومة وبرنامجها والأولويات التي ستشتغل عليها.
دوليًا،أبدت عدد من الدول ترحيبها بتشكيل الحكومة التونسية برئاسة نجلاء بودن ، فى مقدمة تلك الدول مصر التى أكدت عبر وزارة خارجيتها أنها ترحب بتشكيل الحكومة مثمنة الجهود الوطنية المخلصة التي تقوم بها تونس من أجل الاستجابة لتطلعات شعبها نحو النماء والازدهار.
وأكدت في بيانها مواصلة دعمها لجهود القيادة التونسية في مساعيها نحو ترسيخ ركائز الاستقرار في تونس، وتحقيق التنمية والتقدم، بما يضمن مقدرات شعبها ويحفظ المؤسسات الوطنية لتونس.
ومن جانب آخر أكدت البحرين دعم المملكة لتونس للخروج من أزمتها، وأكدت وزارة الخارجية البحرينية، في بيان، دعم المملكة لجهود تونس المبذولة من أجل تحقيق آمال وتطلعات الشعب التونسي الشقيق في الاستقرار والتنمية والعيش الكريم، متمنية للتونس دوام التقدم والازدهار.
فيما أعربت وزارة الخارجية السعودية عن ترحيب المملكة بتشكيل الحكومة التونسية، وعن أملها في أن تحقق هذه الحكومة تطلعات الشعب التونسي الشقيق في كل ما يحقق له الرفاه والتقدم، بحسب وكالة الأنباء السعودية، كما أكدت المملكة حرصها على كل ما من شأنه تحقيق دعائم الاستقرار والتنمية في الجمهورية التونسية.
بدورها،رحبت الولايات المتحدة، الثلاثاء، بتشكيل حكومة تونسية جديدة، وشجّعت على القيام بخطوات إضافية بعد ثلاثة أشهر على إطاحة الرئيس قيس سعيّد الحكومة السابقة.
وقال الناطق باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، إن تشكيل "الحكومة الجديدة التي تضم 10 وزيرات خطوة مرحّب بها نحو التعامل مع التحديات الاقتصادية والصحية والاجتماعية الكبيرة التي تواجهها البلاد".وأشار إلى تطلّع الإدارة الأمريكية إلى مزيد من الخطوات نحو "التأسيس لعملية شاملة" تتيح "العودة سريعاً إلى النظام الدستوري".
ويرى مراقبون أن تركيبة الحكومة بعيدة كل البعد عن المحاصصة الحزبية، بحيث تم تعيين أسماء مستقلة تماما عن الأحزاب السياسية، وهي خطوة ثانية في المشروع السياسي للرئيس قيس سعيد، الذي يقوم على عدم الاعتراف بالعمل الحزبي.
و تبقى قدرة الحكومة الجديدة على النجاح في معالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية رهن كفاءة الشخصيات التي تولت الحقائب الوزارية المعنية، مرجحا إمكانية نجاحها في ذلك، لاسيما أن تلك الشخصيات ترغب في تحقيق مؤشرات تنموية ومالية جديدة على عكس الوزراء السابقين الذين كانوا مهتمين بخدمة مصالح الأحزاب.