لم يناقض الإخوان المسلمون أنفسهم عندما سارعوا بالبدء بخطة أخونة الدولة المصرية بمجرد صعودهم “الهش” إلى سدة الحكم في مصر، فمسألة الأخونة وغرس العناصر التابعة للجماعة في مفاصل الإدارة تعد من أسس ممارسات جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية. وبعد تولي عبد الفتاح السيسي رئاسة الجمهورية وتجديد العهدة لإبراهيم محلب ليقود الحكومة، أصبح هاجس إصلاح الإدارة المصرية من معضلة الإخوان مهمة ثقيلة على عاتق السلطة الجديدة، وخاصة في ما يتعلق بوزارة الأوقاف.

بالعودة إلى اختيار طلعت عفيفي وزيرا للأوقاف في فترة حكم الإخوان (2012) فإن الملاحظة التي يمكن الإشارة إليها هي أنه لم يكن عبثا حكوميا تعودت عليه الحكومات المصرية في الاختيار، بل تم بعناية. فوزارة الأوقاف وزارة حيوية للغاية، وجماعة الإخوان المسلمين تعلم أن ميدان الدعوة أكثر المجالات وأيسرها للتمدد واستقطاب الجماهير، وقد حصل تلاقح بين الإخوان والسلفيين في المساجد لملء الفراغات الأزهرية والتأبد فيها، ولم تعد للأزهر في المساجد هويته الوسطية العلمية الثابتة بعد أن صارت الوزارة ومساجدها ملتقى لسيطرة أيدولوجية على نحو نراه يشكل حدثا فريدا، وصورة من أشد صور العدوان على المنهج الأزهري وخصائصه وسماته ورموزه، وانتقال هدم معالم المنهج الأزهري من السر إلى العلن بأيدي أحزاب الإسلام السياسي.

ومع أن جهود التغلغل في الأوقاف لا تخطئها عين، ومن كثرة توالي معالمها، لم تعد الجماعة تنكرها بل تبررها، كما أن الاتهامات بـ”الأخونة” صارت تصدر من أبناء المشروع الإسلامي، إلا أن الوزير السابق كان يرى أنه “لا توجد “أخونة”، وإنما يقدم الكفاءة على الانتماء”. وقد تمت أخونة المؤسسات الدينية الإسلامية بسيطرة الجماعة على وزارة الأوقاف من خلال مسارات أربعة، هي الاستحواذ على قيادة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وتغلغل الإخوان في الوزارة والسيطرة على المساجد الكبرى والجمعيات الأهلية وإحكام السيطرة على العقول بالدورات التدريبية الإخوانية.

 

المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية

أختير صلاح سلطان القيادي الإخواني عضو التنظيم الدولي رئيسا للمجلس، فقام بإدخال أكثر من 40 شخصية تنتمي إلى جماعة الإخوان ضمن التشكيل الجديد للمجلس، أبرزهم عبد الحي الفرماوي، وعبد الرحمن البر، ومحمد عبد المقصود، فيما استغنى عن عدد من كبار الأزهريين كالدكتور علي جمعة، والدكتور أحمد عمر هاشم، والدكتور عبد الفتاح الشيخ، وبرر القيادي الإخواني أحمد هليل مستشار وزير الأوقاف في تصريحات تناقلتها صحف القاهرة في 19 فبراير2013 استبعاد الأزهريين “للإحلال والتجديد”، وهو التبرير الذي رفضه الدكتور محمد الشحات رئيس المجلس الأعلى الأسبق قائلا: “إن ما حدث ينذر بخطورة شديدة، وإن علماء الأزهر سيتصدون لمحاولات التمكين”.

كما سيطرت قيادات الجماعة والداعمون على سلسلة الإصدارات العلمية التي تخرج من الهيئة، وأما مجلة “منبر الإسلام” فتحولت إلى مجلة إخوانية، وبلغت حدا غير متوقع في عدد سبتمبر 2012، حيث خصصت ملفا كاملا للاحتفاء بـ“حسن البنا”، تحت عنوان: “بعد 84 عاما لا تزال الدعوة مستمرة.. الإخوان المسلمون.. صفحات من الدعوة وتاريخ من الجهاد”، وجاء في هذا العدد أن عمليات العنف التي قام بها الإخوان في السابق نوع من الجهاد.

 

تغلغل القيادات الإخوانية في الوزارة

احتلت وزارة الأوقاف المركز الأول فى زرع القيادات الإخوانية في مفاصلها، حيث أصدر وزيرها نحو200 قرار تم بموجبها زرع نحو200 إخواني وسلفي في مفاصل الوزارة، أهمها القرار رقم (187) لسنة 2012 بتعيين سلامة عبد القوي – عضو مجلس شورى الإخوان- مديرا لإدارة العلاقات العامة بالوزارة، ثم متحدثا رسميا باسم الوزارة، والقرار (218) لسنة 2012، في 14 أكتوبر، لانتداب القيادي الإخواني د. جمال عبد الستار، ليصبح رئيسا للإدارة المركزية لشؤون الدعوة، وتعيين محمد الأنصارى – مسؤول الإخوان بجنوب القاهرة – رئيسا لقطاع مكتب الوزير، ليكون همزة الوصل بين الإخوان ومكتب الإرشاد، وتعيين محمد الصغير مديرا عاما للمساجد الحكومية بموجب القرار رقم 172 لسنة 2012، وبالتالي أصبحت الجماعة بفعل تغيير الوزارة تمتع بها من خلال المحصلات المادية المترتبة على هذه التعينات.

وقد كان المد الإخواني في المساجد الكبرى نتيجة مباشرة لما يحدث داخل الوزارة نفسها، فمحمد الصغير خطب بمسجد “عمرو بن العاص”، وتولى جمال عبد الستار مسجد “صلاح الدين الأيوبي”، وألقى صلاح سلطان درسا أسبوعيا “بالجامع الأزهر”، وصعد القرضاوي منبر “الجامع الأزهر”.

كما صدر القرار رقم 75 لسنة 2013 بإنشاء “مجالس إدارة إعمار المساجد”، مما يساعد في أن يكون رئيس مجلس الإدارة والنائب وأمين الصندوق من الإخوان، وبالتالي إتمام السيطرة على المساجد، كما أن”الجمعية الشرعية” ليست بعيدة عما ذكرناه، إذ اضطلعت من خلال مساجدها بدور المحلل للجماعة وظهيرها الدعوي والاجتماعي، وكلمة السر في الحشد، “بعد أن كانت تعتني بالعبادات فقط، وتفصل من يخوض في السياسة”.

الدمغجة والدورات التدريبية

وأقامت الوزارة دورات للأئمة الجدد قبل أيام من30/6، في محاولة للتأثير على الإقبال الجماهيري المتوقع في هذا اليوم، وركزت على الطعن في الأزهر الشريف ومنهجه، وتحريم الخروج في 30/6، وأبعدت علماء الأزهر عن إلقاء المحاضرات، وأتت بإخوان وسلفيين ليمثلوا مرجعية بديلة لعلماء الأزهر، فاستعانت بصفوت حجازي، وصلاح سلطان وعطية عدلان عضو شورى الإخوان، وعبدالرحمن البر عضو مكتب الإرشاد، وأكرم كساب القيادي الإخواني.

وفي محاضرته قال الإخواني منير جمعة: “بدأ عصر التمكين، وظهرت معالم الإسلام الكبرى”، ودافع أكرم كساب عن “سيد قطب والحاكمية”.

وقال الدكتور محمد سالم: “إن المنهج الأزهري أشعري يخالف أهل السنة والجماعة”. كل هذا انتهى بعد 30 يونيو، ورجعت الوزارة إلى حضن الأزهر، بعد أن تولاها الدكتور محمد مختار جمعة، المعروف بهويته الأزهرية الأشعرية، فأوقف كل القرارات، وأعاد تشكيل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وأعاد المساجد الكبرى إلى الأزهريين، وحظر كل أعمال العمل السياسي في المساجد، واستبعد من يثبت تحريضه على المنبر ضد الجيش أو رموز الأزهر.

وأخيرا فإن “دار الإفتاء” ظلت في بؤرة الاستهداف الإخواني، ولولا أن الإعلام المستقل نقل تفاصيل يومية بدأب عن التجهيزات التي سبقت الإعلان عن المفتي الجديد، لكان من نصيب الإخوان، وبالتالي فإن الدار هي البقعة الأزهرية الوحيدة التي لم يقترب منها الإخوان، بسبب قيام د. علي جمعة بـ “مأسستها” وفق قواعد صارمة لا يمكن اختراق منهجها الأزهري ولا أدلجة فتاواها.

--

خلاصة بحث حسن القاضي “الأزهر والإخوان المسلمون”، ضمن الكتاب 88 (أبريل 2014) “الأزهر مرجعية التقليد السُّني في زمن التغيير” الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.

 

*نقلا عن العرب اللندنية