تعاني ليبيا منذ سنوات من الإنقسامات السياسية والاضطرابات الأمنية، وتتسارع الأحداث علي الأرض في عدة مناطق من البلاد،علي غرار العاصمة الليبية طرابلس،التي تعيش على وقع التوتر الأمني في ظل سيطرة المليشيات المسلحة التابعة لفصائل عدة، منها السياسي والعسكري.

ومع تواصل الفوضى الامنية في العاصمة الليبية، أصبح الجيش الليبي أحد أبرز الحلول المرحب بها للقضاء على نفوذ الميليشيات،وخاصة في ظل إنتصاراته المتتالية ودحره للجماعات المسلحة في عدة مناطق،كان آخرها في الجنوب الليبي، ما جعله يحظي بترحيب وثقة كبيرة، كما حظي سابقا باعتراف دولي وإقليمي بدوره المحوري في أي حل مستقبلي.


** الجيش يبدأ تحركاته

بدأ الجيش الليبي يخوض أهم مرحلة في معاركه ضد الجماعات الإرهابية بإعلانه التوجه غربا لتطهير المنطقة من الميليشيات المتطرفة بعد نجاحه شرقا، حيث أعلنت القيادة العامة للجيش الليبي في بيان نشر الأربعاء إن "العديد من الوحدات العسكرية تحركت إلى المنطقة الغربية لتطهير ما تبقى من الجماعات الإرهابية الموجودة في آخر أوكارها بالمنطقة الغربية".

وأشارت إلى أن العملية العسكرية تحت "إشراف مباشر من القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية.. وتنفيذا لأوامره".وأكدت أن القوات المشاركة في العملية "حريصةٌ على سلامة المواطنين وعلى المُمتلكات العامة للدولة الليبية".وأظهر تسجيل فيديو قافلة تضم مركبات مدرعة وشاحنات عليها أسلحة ثقيلة.

وسبق أن أعلن الجيش الوطني عدة مرات عزمه تحرير طرابلس لكن في الوقت المناسب، وفي نهاية مارس /آذار كرر اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش، أن "الجيش سيدخل العاصمة طرابلس، لكن في الوقت المحدد والمدروس". ونجح الجيش الليبي في يناير الماضي،في تطهير الجنوب من العناصر الإرهابية بعملية عسكرية واسعة لاقت قبولا من الشارع الليبي وترحيب من أطراف اقليمية ودولية.

وفي المقابل، أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، حالة النفير العام لجميع القوات العسكرية والأمنية من الجيش والشرطة والأجهزة التابعة لهما.فيما قالت وزارة داخلية حكومة الوفاق، إنها مستعدة للتصدي لما سمته أي محاولة تنال من العاصمة طرابلس وتهدد سلامة المدنيين. وشدد وزير داخلية الوفاق فتحي باش، على ضرورة تأمين طرابلس من أي صراع مسلح، مؤكداً رفضه لفرض الرأي السياسي بقوة السلاح، مضيفا أنه لا سبيل لإنهاء الأزمة إلا من خلال السبل السياسية والسلمية.


** أولى النجاحات

وبدأت نتائج التحرك الأخير تظهر مع دخول الجيش الليبي إلى مدينة غريان جنوب طرابلس، والتي تكمن أهميتها في أنها تعتبر نقطة تلاقي كل الطرق البرية المؤدية إلى العاصمة الليبية.

وقال اللواء عبد السلام الحاسي آمر غرفة عمليات المنطقة الغربية في قوات الجيش الوطني الليبي، إن القوات سيطرت بالكامل على مدينة غريان الواقعة على بعد نحو 100 كيلومتر جنوبي العاصمة طرابلس.وقال الحاسي لرويترز عبر الهاتف "تمت السيطرة على مدينة غريان بالكامل، وأنا الآن أتجول فيها".

وذكرت مصادر محلية بمدينة غريان الليبية، جنوب العاصمة طرابلس، أن عدة مقرات حكومية وأخرى تابعة للجماعات المسلحة بالمدينة، أصبحت تحت سيطرة عسكرية تابعة للقيادة العامة للجيش الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر.ونقل موقع "إرم نيوز"،عن مصدر محلي من داخل المدينة،تأكيده السيطرة على مقر المعلومات الذي كانت تتواجد به مليشيا تطلق على نفسها حماية غريان.

ووفق المصدر ذاته، فإن قوات الجيش الليبي، سواء المتواجدة أصلاً بالمدينة منذ فترة والمكونة من أبناء المدينة أو من الذين أتوا من خارجها، انتشرت في أهم شوارع المدينة والطرق المؤدية إليها، مضيفًا أنه لم تحدث أية معارك كبيرة، وتتم عملية السيطرة بطريقة سلسلة للغاية وفق تعبيره.

وأصدر رئيس الحكومة الموقتة عبدالله الثني،الخميس، قرارًا بتكليف البهلول الصيد عميدا لبلدية غريان، بعد دخول الجيش إليها.وأشارت الحكومة في بيان نشرته عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك"، إلى أنّ وزير الداخلية بالحكومة الموقتة المستشار إبراهيم بوشناف كلّف العقيد توفيق شعبان بمهام مدير أمن غريان.

وبعد السيطرة على غريان، تقدم الجيش الوطني نحو مدينة صرمان والأصابعة، وهما من أقرب المدن لطرابلس حيث تبعدان نحو 50 كلم عنها.وكانت اشتباكات اندلعت بين قوات الجيش الليبي وأخرى تابعة لحكومة الوفاق، مساء الأربعاء، في بلدة الأصابعة، التي تبعد حوالي 120 كلم على العاصمة طرابلس

وبدأت الاشتباكات، بعدما هاجمت قوّات موالية لحكومة الوفاق، معسكرات الكتيبة 107 والكتيبة 111 التابعة للجيش الليبي، ببلدة الأصابعة، بهدف طردها ومنع تقدّمها نحو العاصمة طرابلس.وقال المتحدث باسم قوات الجيش الوطني الليبي، أحمد المسماري إن قواته التي بدأت التحرك غربا، اشتبكت مع ميليشيات تابعة لحكومة طرابلس جنوبي العاصمة الليبية.

وأضاف المسماري إن هناك "أعداداً كبيرة تتبع لقواتنا موجودة في محيط طرابلس"، وأكد أن "طرابلس تحت سلطة ميليشيات خارجة عن القانون، وأن "دورنا ملاحقة تلك الميليشيات".


** انهاء نفوذ المليشيات

وجاء تحرك الجيش الليبي في أعقاب تتالي المؤشرات خلال الأيام الماضية التي تؤكد على أن دخول الجيش الليبي إلى طرابلس أصبح وشيكا،سواء أكان ذلك سلميا من خلال تسويات ومصالحات مع القوى المُسلحة في طرابلس، أم عبر عملية عسكرية مُسلحة، باعتبار أن الوضع في طرابلس لم يعد يحتمل المزيد من عبث الميليشيات المُسلحة.

ويبدو الجيش الليبي مصرا على تحرير العاصمة طرابلس وهو ما أكده مكتب إعلام القيادة العامة عبر صفحته على "فيسبوك"،الذي أشار الى أن تحرك القوات والآليات جاء "بإشراف مباشر من حفتر"، وأن "الوحدات العسكرية تؤكد أن تقدمها فداءً لله ثم الوطن والمواطن"، كما تؤكد حرصها على سلامة المواطنين والممتلكات العامة للدولة.

وبدوره،قال المتحدث باسم الجيش الليبي، العميد أحمد المسماري،الأربعاء، إن قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر تستعد لمهمة "لتحرير وطن من الإرهاب"،وأضاف:"لا نريد طرابلس من أجل كرسي أو من أجل سلطة أو من أجل مال، نريد طرابلس من أجل الكرامة نريد طرابلس من أجل هيبة هذه الدولة".

ويرى مراقبون أن تحركات الجيش الليبي، تؤكد العزم على تحرير طرابلس من الميليشيات المسلحة التي كان لها دور أساسي في هشاشة الوضع الأمني للبلاد.ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن سعيد إمغيب، عضو مجلس النواب،قوله أن القيادة العامة تستهدف بهذا التحرك "إنهاء سيطرة الميليشيات المؤدلجة على العاصمة طرابلس، قبل موعد المؤتمر الجامع في غدامس منتصف الشهر الجاري".وتوقع إمغيب "دخول قوات الجيش إلى العاصمة، بعد فترة حصار قصيرة جداً، وعلى مراحل".

وتأتي هذه التطورات بالتزامن مع وصول الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الأربعاء، العاصمة الليبية في أول زيارة له إلى هذا البلد منذ توليه هذا المنصب عام 2016.وأعلن غوتيريس وصوله إلى طرابلس في تغريدة على حسابه على موقع "تويتر"، مضيفاً أنه "ملتزم تماما بدعم العملية السياسية" في هذا البلد والتي ستقود، بحسب قوله، "إلى السلام والاستقرار والديمقراطية والازدهار.

وكان غوتيريش قد أعرب عن تفاؤله بحل الأزمة الليبية في تصريحات أدلى بها للصحافيين على هامش القمة العربية التي عقدت بتونس،حيث قال إن هناك "مؤشرات تقول إن قائدي ليبيا المتنافسين، في إشارة إلى المشير خليفة حفتر وفائز السراج، قد يتوصلان إلى حل حول الخلاف بينهما بشأن قيادة الجيش وأن هناك مؤشرات على أن التناقضات يمكن التغلب عليها".

وتسود مخاوف البعض من إمكانية اندلاع حرب بين الجيش الليبي وقوات حكومة الوفاق، قد تقضي على المحاولات التي تقودها الأمم المتحدة هذه الأيام، لتوحيد الطرفين المتنافسين، في المؤتمر الوطني الجامع، المرتقب انعقاده بعد أقل من أسبوعين والذي يأمل من خلاله الذهاب الى الانتخابات لارساء حكومة موحدة قادرة على انهاء الانقسامات والفوضى التي تعصف بالبلاد منذ سنوات