يصف المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة المؤتمر الوطني الذي كان مفترضا في 16 و17 أبريل بمدينة غدامس، قبل أن تغيّر تطورات الأوضاع في طرابلس من فرضيّة إجرائه، بكونه محطة حيوية لإنهاء المرحلة الانتقالية، وفرصة لنبذ الخلافات ووقف الحرب، معتبرا أن الأيام المقبلة مهمة جدا في تاريخ ليبيا والمنطقة. وخلال مؤتمر صحفي في العاصمة طرابلس، قال سلامة: يسرني اليوم أن أعلمكم أنه بعد قدر كبير من المشاورات، فإنه تقرر عقد ملتقى، في مدينة غدامس الليبية، وسيقتصر الحضور على الليبيين، ولن يكون هناك حضور من خارج ليبيا، قائلا إن هذا أحد مطالب الليبيين.
وأشار سلامة، إلى عقد المؤتمر في غدامس كان مطلب أكثرية الأطراف الليبية التي تحدثت معها الأمم المتحدة، مؤكدا أن مخرجات المؤتمر ستكون ليبية وستكون نتيجة توافق بين الحاضرين حول عدد من الثوابت الوطنية وحول خريطة طريق سياسية للأشهر المقبلة. وأضاف سلامة : "الملتقى جسم قائم وليس كيانا جديدا ويرسل رسالة إلى المجتمع الدولي، ومختلف الأطراف الليبية مهتمة بإنجاحه وتسعى إلى المشاركة فيه"، واستطرد "سنطلب من الليبيين في المؤتمر تحديـد موعـد وتحديد كيفيـة إجراء الانتخابات". لكن الحرب التي اندلعت في طرابلس غيرت كل الخريطة وقلبت مساراتها.
الجامعة العربية تدعم جهود سلامة:
أيام قليلة قبل إعلان سلامة عن عقد المؤتمر الجامع، قام بزيارة إلى القاهرة، و ذلك لحشد أكبر دعم إقليمي ودولي للمؤتمر، الذي ترى بعض الأطراف الليبية أنه الورقة الأخيرة في جعبة غسان سلامة لنزع فتيل الأزمة في البلاد.
وقال المبعوث الأممي إلى ليبيا، خلال مؤتمر صحفي مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، و ردا على سؤال حول إمكانية إجراء انتخابات رئاسية في الربيع المقبل، إنه ليس مع إجراء انتخابات في ليبيا تؤدي إلى تفاقم الأزمة.
ومن المتوقع أن يستضيف الأمين العام لجامعة الدول العربية، اجتماعاً للمجموعة الرباعية المعنية بليبيا، والتي تضم كلاً من الجامعة العربية، الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأفريقي، وذلك على هامش أعمال القمة العربية المقبلة في تونس.
وقال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام السفير محمود عفيفي، إنه كان من المقرر أن يشارك في الاجتماع، الذي عقد في 30 مارس/آذار الحالي، كل من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي، والممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية الأمنية فيديريكا موغيريني، إلى جانب المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة.
وذكر المتحدث الرسمي وقتها أن المجموعة الرباعية ستناقش آخر هذه المستجدات، وتعتمد جملة من الخطوات التي تهدف إلى دعم المسار السياسي الذي يرعاه المبعوث الأممي غسان سلامة، وتشجيع الأطراف المعنية على التوصل إلى توافق ليبي/ ليبي عريض لتجاوز العراقيل التي تحول دون استكمال المرحلة الانتقالية، ومساندة العملية الانتخابية والمشاركة في مراقبتها عند انطلاقها، والاستقرار على أرضيتها الدستورية وتوافر الشروط السياسية والأمنية والفنية اللازمة لإتمامها.
وأوضح أن هذا الاجتماع يأتي في سياق التعاون المنتظم بين المنظمات الأربع لدعم ليبيا، وتنسيق جهودها بشكل تكاملي لمرافقة الأطراف الليبية من أجل استكمال المرحلة الانتقالية في البلاد، عبر إنهاء حالة الانقسام وتوحيد مؤسسات الدولة الليبية، وإتمام الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي ينتظرها الشعب الليبي، كما يأتي الاجتماع في إطار متابعة المشاورات التمهيدية التي جرت بين الأطراف الأربعة على هامش أعمال قمة الاتحاد الأفريقي الأخيرة في أديس أبابا في فبراير/شباط الماضي، والتي توافقوا خلالها على أهمية تعزيز الجهود المشتركة بينها في هذه المرحلة الدقيقة التي تشهد حراكاً كبيراً على الساحتين السياسية والأمنية في ليبيا، ونشاطاً دبلوماسياً موسعاً يهدف إلى التوصل إلى تسوية شاملة للوضع في البلاد.
مخاوف و شكوك
تفاؤل سلامة في ذلك الوقت قابلته شكوك قوية خاصة من قبل رئيس اللجنة التأسيسية والتحضيرية لـ"المؤتمر الليبي الجامع" محمد العباني"، والذي رجّح فشل المبعوث الأممي في مسعاه لعقد ما يسمى بالملتقى الليبي الجامع ".
ووصف العباني الملتقى الليبي بكونه "محاولة التفاف جديدة على إرادة الشعب الليبي الذى يسعى للاستقرار ولن يحقق الاستقرار سوى الجيش الليبي.. الاستقرار أولا ثم المصالحة.. سلامة يسعى فقط للتهدئة لكسب المزيد من الوقت لا المصالحة الشاملة". كما أبدى استغرابه من "اختيار مدينة اغدامس المحاصرة من قبل المليشيات لعقد المؤتمر متوقعا صعوبة عقده في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة في الغرب الليبي".
فتشكيلة الملتقى الوطني الجامع، والمعايير السبعة عشر التي تم على أساسها الاختيار، وأهداف الملتقي، والقرارات التي ستنتج عنه، وآلية اتخاذ القرارات فيه، ومدى شرعية الملتقى، ومدى التزام الأطراف به، وقدرة الملتقى على حل الإشكاليات العالقة في ليبيا، كل هذه الأمور غامضة وغير معروفة حتى اللحظة".
وفيما يخص عدم تعويل البعض على "الملتقى الجامع" وتخوف آخرين من نتائجه، بيٍن الكاتب والمحلل السياسي الليبي، أن "هناك اتفاقًا سياسيًا —الصخيرات-مازال يحكم الوضع داخل ليبيا، ومازالت الدول الكبرى كالولايات المتحدة وفرنسا وغيرهم يقولون، أن لا حل في ليبيا إلا وفق هذا الاتفاق، ولم نسمع حتى الآن عن إلغائه بشكل رسمي، رغم ما نتج عنه من أجسام سياسية مشوهة".
من جانبه قال الدكتور محمد الزبيدي، المحلل السياسي الليبي وأستاذ القانون الدولي، إن "المؤتمر الجامع الذي تسعى له البعثة الأممية لدى ليبيا لم يعد له معنى، فقد سبقه تحرك الجيش في الجنوب وتحريره من المليشيات والمرتزقة".
وأضاف الزبيدي أن المدن الليبية في الجنوب والشمال بدأت تتسابق في إعلان ترحيبها بقدوم الجيش، ولذلك بدأ قادة جماعة الإخوان الإرهابية بالتسارع من أجل القفز من مركب الجماعة، لذلك فإن البعثة ليس أمامها سوى تتبع الأخبار إلى حين تحرير طرابلس.
في السياق ذاته، أكد مصدر دبلوماسي ليبي أن "بعثة الأمم المتحدة برئاسة غسان سلامة ما زالت تحاول تمديد وضع اللادولة باقتراحات ساذجة أثبتت التجربة أنها غير ذات جدوى؛ لأن مشكلة ليبيا أمنية وليس كما تم تسويقه بأنها مشكلة سياسية".
النائب عامر عمران بدوره أكد أن ما قاله غسان سلامة لم يأتِ بجديد، فهو يكرر خطابات سابقيه من توقيع الاتفاق السياسي، بحسب وصفه، وإلى طريقة عمل الملتقى الجامع تساءل النائب عز الدين قويرب حول الأسس القانونية والأخلاقية للتمثيل في الملتقى وماهي أسس اختيار ممثلين عن فئات الشعب.
موقف ضبابي لمجلس النواب و مجلس المجلس الأعلى للدولة
يبدو موقف مجلس النواب أكثر ضبابية بالنظر إلى مشاركاته السابقة الساعية لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، و اكتفى، بالقول إنه لم يتسلم دعوة رسمية حتى الآن للمشاركة في الملتقى، في وقت طالب فيه المجلس الأعلى للدولة، شريكه في العملية السياسية، بضرورة تجديد لقاءات لجنتي الحوار في المجلسين.
ولا تنفي مصادر مسؤولة بمجلس النواب، وجود مساعي بين المجلس الأعلى للدولة بقيادة خالد المشري وبين مجلس النواب؛ لإحياء الأجسام المشتركة، التى عملت منذ سنتين وفشلت؛ لإعادة تشكيل المجلس الرئاسي والحكومة، بالرغم من غياب التنسيق والرغبة بين النواب والمجلس الأعلى من جانب، والبعثة الأممية من جانب آخر، بدليل تصريح خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة أثناء زيارته إلى موسكو، بعدم اعترافه بالمشير حفتر عسكريًا، وليس فقط قائدًا للجيش، على حد قوله.
وقد دعا خالد المشري، في وقت سابق، رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، إلى تجديد لقاء لجنتي الحوار في المجلسين، لوضع الصياغة النهائية لما تمّ التوافق عليه بشأن إعادة تشكيل السلطة التنفيذية من رئيس ونائبين ورئيس حكومة منفصل.
لكن المتحدث الرسمي باسم "النواب"، عبد الله بليحق، أفاد بأن دعوة المشري لم يتم البت فيها حتى الآن، مرجحاً ألا يكون الطلب ضمن أجندة جلسات المجلس القريبة، التي لفت إلى أنها ستكون مخصصة لمناقشة المشاكل التي تعاني منها مدن جنوب ليبيا.
في المقابل اعتبر رئيس لجنة الحوار عن مجلس الدولة فرج موسى، أن الدعوة جاءت ضمن مساعي المجلس للتقارب مع مجلس النواب، كما أنها تدعم جهود الأمم المتحدة للسلام في ليبيا، وتحديداً إنجاح الملتقى الوطني الجامع المرتقب.
وحول أسباب توقيت الدعوة، أوضح موسى أنه "لو تمكن المجلسان من التوافق حول رؤية موحدة، فستكون محل نقاش المجتمعين خلال الملتقى الجامع الذي سيجمع كافة الشرائح الليبية، ما يزيد التوافق قوة، بدلاً من أن تتجه نقاشات الملتقى لخدمة مصالح أطراف بعينها"، معتبراً في المقابل أن تشتت الرؤية بين المشاركين يمكن أن يفشل الملتقى بشكل كبير.
مندوب ليبيا السابق لدى الأمم المتحدة إبراهيم الدباشي قال إن إعلان سلامة يقود إلى أن هناك إصرارا من قبل القوى الدولية لعقده وإنجاحه، وقراراته ستكون أكثر شرعية وستنهي احتكار الحل من قبل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.
من جانبه، أكد السفير الأمريكي لدى ليبيا “بيتر بودي” دعم بلاده القوي لغسان سلامة وعمله على تسهيل الحوار بين أطراف النزاع في ليبيا.
وبشأن الرؤى المقدمة من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني عقد الفريق المكلف من قبل المجلس الأعلى للدولة اجتماعا لبحث هذه المقترحات وتبويبها بما يمكن من استخلاص رؤية مشتركة تقدم إلى جلسة المجلس.