بعد عقد كامل من الصراعات والحرب والتدهور الحاد للأوضاع في ليبيا، عرفت البلاد"ربما" طريقها أخيرًا نحو السلام والهدوء خاصة بعد توقيع اتفاق الوقف الدائم لإطلاق النار بانطلاق الحوارات التي جمعت أطراف النزاع وأفضت إلى انتخابات الحكومة الإنتقالية من أجل الإعداد لتنظيم انتخابات ديمقراطية قبل نهاية العام الحالي، رغم الإضطرابات الجانبية الحاصلة. لكن الملف الأثقل على الإطلاق في الأزمة الليبية، ملف المرتزقة والتدخلات الأجنية، يواصل حضوره بالقدر الذي تواصل فيه الأطراف الليبية والدولية محاولاتها الحثيثة لحلحلته وتنفيذ أهم بنود اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في شهر أكتوبر من العام الماضي والذي قضى بخروج المرتزقة من ليبيا خلال 90 يوما كمهلة قصوى !
أعدّت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5+5، خلال اجتماعها في الثامن من أكتوبر لثلاثة أيام بجنيف السويسرية، خطة عمل تضمن التسريع في خروج المرتزقة من ليبيا" بشكل تدريجي ومتزامن ومتوازن"، في خطوة هامة أشاد بها المبعوث الأممي يان كوبيتش الذي اعتبر أن الاتفاق على خطة عمل يرسل إشارة أمل لشعب ليبيا بأن الأمور يمكن أن تتحرك، بما في ذلك نحو الانتخابات.
وأضاف كوبيش بحسب بيان للبعثة الأممية للدعم في ليبيا "إنه لشرف لي أن أشهد هذه اللحظة التاريخية في هذا المنعطف الدقيق في مسيرة ليبيا نحو السلام والديمقراطية. ويستجيب الاتفاق الذي أبرم اليوم لمطلب الأغلبية الساحقة للشعب الليبي ويخلق زخماً إيجابياً ينبغي البناء عليه للمضي قدما نحو مرحلة يسودها الاستقرار والديمقراطية، بما في ذلك من خلال إجراء انتخابات وطنية حرة وشفافة وتتمتع بالمصداقية في 24 كانون الأول/ديسمبر، ويقبل بنتائجها الجميع."
من جانبها رحبت سفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة في ليبيا بالإعلان الصادر في 8 أكتوبر 2021 من قبل اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 بالتوقيع عن خطة عمل شاملة لسحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من ليبيا. ويأتي الترحيب بما يتماشى مع اتفاق وقف إطلاق النار المؤرخ 23 أكتوبر 2020، وقراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2570 (2021) و2571 (2021) ونتائج اتفاقية وقف إطلاق النار في مؤتمرات برلين. كما أشادت السفارات بروح الوطنية والتزام أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة، مشجعة على هذه الفرصة السادسة عشرة لتعزيز التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار. وذكرت أن خطة العمل المملوكة والقيادة الوطنية التي اعتمدوها في جنيف أساسية لاستعادة سيادة ليبيا واستقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية.
أما محليا فقد رحب المجلس الرئاسي الليبي بتوقيع خطة عمل انسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية تدريجياً، وفي وقت متزامن. وقال في بيان له"إن هذا الحدث المهم، الذي جاء في وقت حساس جداً، هو انعكاس حقيقي لرغبة الشعب الليبي العظيم في إعادة السلام والسيادة الوطنية، وصولاً لتوحيد المؤسسة العسكرية، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة تحظى بإجماع وقبول كل الأطراف المشاركة في العملية السياسية".
كما أكد المجلس التزامه بالعمل مع جميع الأطراف، على تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 23 أكتوبر 2020، وتنفيذ كل قرارات مجلس الأمن بالخصوص، وأيضا توصيات مؤتمر برلين. ودعا كل الشركاء الدوليين المعنيين بالأزمة الليبية، بما في ذلك دول الجوار إلى التعامل بإيجابية ومسئولية من خلال دعمهم، ومساندتهم، وتعاونهم في تنفيذ الآلية التي اعتمدتها اللجنة العسكرية المشتركة برعاية بعثة الأمم المتحدة.
وفي وقت سابق أعلنت المنقوش أن "مجموعات من المقاتلين الأجانب قد خرجت من ليبيا"، واصفة هذه الخطوة بـ"البداية"، مضيفة أنها " بداية بسيطة جداً، وما زلنا نسعى إلى خروج أعداد أكبر"، من دون أن تحدد أعدادهم وجنسياتهم. وقالت المنقوش في تصريح إعلامي"ما زلنا نسعى إلى تنظيم أكبر وشامل لخروج المرتزقة، وهذا ما نطمح إليه في مؤتمر استقرار ليبيا، الذي سيعقد نهاية الشهر الحالي، لوضع خطة مع لجنة 5+5 وفق جدول زمني".
من جانبه أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، بداية الشهر الحالي، ارتفاع أعداد مرتزقة أنقرة العائدين من ليبيا نحو سوريا إلى 520 عنصرا خلال أقل من أسبوع في إطار عمليات التبديل برعاية المخابرات التركية. وأفاد المرصد عبر موقعه الالكتروني وصول دفعة جديدة من المرتزقة السوريين المتواجدين في ليبيا، قوامها 100 شخص إلى الأراضي السورية، عبر تركيا قادمين من ليبيا، في إطار عمليات التبديل المتواصلة بين خروج دفعات إلى ليبيا وعودة دفعات أخرى منها إلى سوريا.
كما كشف المرصد السوري أن الفصائل الموالية لتركيا الموجودة في منطقتي "غصن الزيتون ودرع الفرات" أرسلت نحو 130 مرتزقاً إلى تركيا 6 أكتوبر، تمهيدًا لنقلهم إلى ليبيا، كما طلبت المخابرات التركية من قادة الفصائل الموالية لها، أن يبقوا العناصر على أهبة الاستعداد والجاهزية التامة لنقل دفعات جديدة منهم إلى ليبيا في حال الطلب، وهو ما يطرح تساؤلات كثيرة حول حقيقة النوايا التركية القاضية بسحب المرتزقة والمليشيات التابعة لها من ليبيا.
ففي تقرير لمركز المستقبل لللأبحاث والدراسات المتقدة لا يرجح التقرير أن "تتنازل أنقرة عن تواجدها العسكري في ليبيا في الوقت الراهن، حيث تنظر إلى هذا الوجود العسكري باعتباره مصدر قوة لها يعزز من تحقيق مصالحها في منطقة شرق المتوسط، التي تتطلع تركيا لموطئ قدم فيها بعد استبعادها من الانضمام لمنتدى غاز شرق المتوسط الذي تدير ملفاته مصر."ويضيف التقرير أنه" قد تستمر تركيا في التحرك بمفردها لمحاولة فرض هيمنتها على الملف الليبي وتعزيز مكاسبها الاقتصادية والسياسية والأمنية في ليبيا، وذلك عبر نسج تحالف بين الإخوان وعائلة القذافي لضمان استمرار الإخوان طرفاً في المعادلة السياسية الليبية، وهذا السيناريو مرجح في حال فشل التوصل لتفاهمات مع مصر."
وعلى غرار المشاورات ونجاحاته يقول الخبراء والمراقبون أن الاتفاق الحاصل نقطة إيجابية لكنها "لا تقل هشاشة عن اتفاق 23 أكتوبر 2020"، إذا لا تبدو الدول الداعمة لتواجد المرتزقة والمليشيات، رغم ترحيبها العلني بالتقدم الحاصل في الأزمة الليبية، مستعدة لترك مواقع تمركزها والإخلال بموازين قواها كما أن العديد من المليشيات والمرتزقة تشكلت في مجموعات وباتت مستقلة في قراراتها وأفعالها خاصة مع تواجد الأسلحة وانتشارها بشكل كبير بين هذه المجموعات التي باتت من "أصحاب النفوذ" في المشهد الليبي.
ففي تقرير مفصل لمؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان (ذات المركز الاستشاري بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة) Maat for Peace, Development and Human Rights، عن نشاط المرتزقة في ليبيا وأعدادهم وتاريخ دخول كل مجموعة منهم...يفيد التقرير أنه على غرار استخدام المرتزقة بشكل أساسي في القتال، فإنه يتم استغلالهم في تنفيذ العديد من الأنشطة الغير مشروعة داخل ليبيا بما يتضمن استمرار النزاع داخل الأراضي الليبية، ،كما يقوم المرتزقة كذلك بتهريب المخدرات والخطف والاتجار بالبشر، وغيرها من الأنشطة بما يضمن لهم التمويل والاستمرار ويهدد الحقوق الأساسية للمواطنين الليبي، ضامنا بذلك لهم موارد مستقرة و"أموالا طائلة".