السيرة .. التاريخ .. والناس.. وما آل اليه الحال
زيارة الجمعة .. طهيرة رمضان .. فوضى العيال ولم يشوهون النهايات؟؟
بوابة إفريقيا تدخل سوق الحوت بطرابلس وتكشف 8 معلومات هامة
مَنْ في طرابلس ساكن أو زائر أو مقيم، لم يسع إلى تمتيع ناظره وإشباع شهيته في التسوق بزيارة أسواقها وأساسا "سوق الحوت" العلامة التاريخية الهامة في سجل البلاد؟.
"سوق الحوت" بشارع الرشيد في طرابلس هو قبلة الناس يوم الجمعة. من ذا الذي لايمضي ظهيرة شهر رمضان الكريم تسحبه أقدام صائم نحو أروقة المكان ونفسه التي تشتهي كل يوم سلعة يفتتح بها إفطاره. من ذا الذي كان يفوت على نفسه في ذاك الشهر شراء الفطائر والمخلالات و(البوريك) وغيرها من شهوات رمضان من المكان الاقدم في تاريخ التسوق بليبيا.
هناك 8 نقاط على كل زائر لسوق الحوت بطرابلس أن يعرفها. النقاط تعود إلى الذين ارتادوه قديما رفقة آبائهم وأجداداهم ومازالوا رغم الزمن لا يفوتون فرصة زيارته. حتى في السنوات الصعبة الأخيرة بقوا يزورونه، لكن ليس للتسوق فقط، بل أيضا ليعيدوا عجلة التاريخ ويسحبون برفق في ردهاته وعلى أبواب محلاته العتيقة بأيديهم ما ناله من تشويه.
1- سوق الحوت القديم والذي سبق وجوده وجود سوق شارع الرشيد، كان ملاصقا للسور الشرقي للمدينة القديمة بالزقاق المؤدي إلى باب الحرية والذي يقع خلف مبنى وزارة الداخليه حاليا وتحديدا قريبا من مكان كان قديما يستعمل لورود إبل القوافل لشرب الماء تلك الإبل هي التي كانت تزود المدينة بالمؤنة والطعام قبل أن يتم استعماله بعذ ذلك بشكل مؤقت كسوق لبيع الحوت ويعتقد أن تلك الفترة المؤقتة كانت هي المدة التي شيد أثناءها السوق الجديد بشارع الرشيد.
2- افتتح السوق الجديد (سوق الرشيد) في عهد الاستعمار الإيطالي وظل كذلك إلى أن نقلت تبعيته الإدارية بعد هزيمة (المحور) إلى إدارة الانتداب البريطاني والتي أجرت عليه بعض التحسينات لم تتعد بعض دورات المياه.
3 ــ ولأن الايطاليين اهل عمارة ونتيجة لقربهم للعالم الاسلامي، ولكون صقلية نفسها وجزء من كورسيكا كانتا تحت الحكم الإسلامي، جمع الايطاليون في عمارة مبنى سوق الحوت بين الطراز الإيطالي للعمارة ودمجوه ببعض النقوش الإسلامية. وقد شيدت إيطاليا الكثير من العمارة بليبيا معتمدة على هذا الدمج وأقرب نمودج للاستشهاد والمقارنة به هو مبنى(الكونتيسة) بشارع سيدي خليفة الذي صار المتحف الإسلامي في السبعينات.
4 ــ سوق الحوت يقع بوسط شارع الرشيد وهو مربع الشكل تظلله الأقواس من مدخله الأمامي، خلفه مباشرة سور مدرسة أحمد قنابة، وله أربعة مداخل. مدخل رئيس يؤدي لشارع الرشيد، ومدخل خلفي امام سور المدرسة ويقود بالاتجاه شرقا لباب الحرية، وبابان جانبيان يطلان على ازقة صغيرة تحيط بالمكان بها محلات مواد منزلية وبعض محلات السجائر،تعدد المداخل كان قديما يساعد في انسياب حركة الزبائن خاصة وقت ذروة ازدحامه لكن في وقتنا الحاضر فقد صارت الابواب جزء من المشكلة اما في القديم حين كان عدد سكان طرابلس يكاد يعد باليد الواحدة فقد كان كان المكان متسعا وشاسعا ولايعاني من اي ضيق.
5 - بوسط السوق مصطبة كبيرة دائرية على شكل هلالين يتوسطهما مدخلين متقابلين المصطبة مصنوعة من الرخام و مخصصة فقط لبيع السمك على انواعه أما ردهته الداخلية فهي بممر دائري يقطع السوق كله وعن يمينه وشماله تصطف المحلات بانواعها فيتمتع في سالف الزمان حتى من غرضه الفسحة يتمتع فقط من المرور مابينهما. والمحلات المتنوعة في اغلبها كانت تبيع اللحم والخضاروالتوابل وفي المخللات التمور وغيرها من ضروريات كل بيت.
والمحلات التي تحيط بمصطبة السمك لها باب واحد يطل على الردهة اما المحلات المقابلة فهي اكبر حجما وكما كونها تطل على ردهة السوق فهي لها ابواب خارجبة تطل مباشرة على زحام شارع الرشيد ولكون كل التجار بالسوق هم عائلات قديمة ومنهم الوارث أب عن جد فهم يتعاملون وكان الرزق واحد فكثيرا ما تراهم يتناولون وجبة الغداء معا أو الافطار اما اكواب الشاهي فهي قاطرة بخارية تسير بغير انقطاع ما بين محلاتهم .
6- بداخل السوق مصطبة أصغر هي الأخرى بقلب المبنى وهي اصغر من مصطبة سوق السمك وهي شبه مغلقة كونها تقع بفسحة منخفظة ويتم النزول اليها باربع درجات والامر للوقاية وللضرورة الصحية مقصود .. كانت قديما مخصصة لبيع الطيور فقط. فلم تكن توجد مسالخ لبيع الدواجن فكان سوق الحوت الحل الأمثل، لموقعه بوسط المدينة وكونه وسطا لكل تجمعات الأهالي بها في ذاك الزمن القديم.
كان الامر قديما مناسبا للحال وتحت عين السلطة بل رقابة الناس انفسهم فهم اهل مدن فكان دورهم في الاهتمام وتنظيف المكان فعال اضافة لكون مدينة طرابلس حينها كانت صغيرة المساحة و قليلة السكان ، ثم أن هناك ضبط وربط حكومي ومتابعة صحية يومية وحرس بلدي بقوم بمهامه على اكمل وجه ، كما أن المواطن كان يعي حقوقه وواجباته ففي ذاك الزمن لم يوجد ليبي عليه مستحقات للدولة سوى للكهرباء او للنظافة او لبريده او لضرائبه، كان المواطن دفتر قانون يسير على قدمين اين من ليبيا هولاء الكبار الان .. واستمر الأمر بهذه الرتابة والنظافة حتى انقرض وخسرنا هذا الجيل العظيم رحمهم الله جميعا
7 ــ التوسع الذي حصل للمدينة و كثرة اهلها وازدياد عديدهم وكثرة عدد الوافدين اليها وعدم وجود بدائل ووسائط تسوق مشابهة داخل المدينة نفسها، اضافة لتوسع المدينة وبدون مخططات آدى هذا كله لأتساع حجمها بجنون وبدون مساطر ولا مخططات لمدن حديثة ، نتج عن كل هذا اختلاف وبون شاسع وفارق رهيب بين زمن انشاء السوق بالعهد الاستعماري زمن سكان طرابلس مكتوب على الورق من قلة عديدهم، وبين العصر الذي نعيشه الان والتي حتى منظومة السجل المدني تعطلت كذا مرة من كثر تداخل البيانات والازدياد المفرط لعدد سكان المدينة، فهذا السوق والذي يعد من رموز طرابلس التاريخية ها نحن نراه عيانا وجهارا نهارا وهو يخرج من اطاره التاريخي الخدمي فيعم الهرج والمرج بكل اركانه ولامختصر لما حصل ويحصل فيه كل يوم سوى كلمة واحدة لقد خرج الامر عن طوره ..
في لحظات تجوالنا في زحام السوق قال أحد الأشخاص القريبين، "هذا المكان لاحل له الا الهدم".
آثرث الصمت فأنا فتاة وكنت اتجنب هذا الحشد لكني كنت أصغي باهتمام فكل همي ان اعود لموقعي الالكتروني ب(البوابة ) بالشغل الذي كلفت به. لكن عارفا كان قريبا للحديث وأجاب الرجل الداعي للهدم بقوله التاريخ لا يُهدم يا صديق، التاريخ يرمم ويعاد إحياؤه.. فالحلول متوفرة وموجودة لكن لا احد يريد أن يفكر فيها.
كنت أسرع الخطى كي ابتعد أكثر عن ذاك التجمع الرجالي لكن صوت الرجل الجهوري والذي زادته حرقته والمه نبرة اخرى وكأنها نغم عراقي حزين اضيف على صوته فاكمل حديثه قائلا.. وهو يحدثنا جميعا هل فات عليكم أن امام السوق توجد مساحة شاسعة ترفع عليها خمسين عمارة سكنية ولا احد يريد أن يستفيد منها لوضع حل لهذا المشكلة على الاقل يظل المبنى القديم كما هو اسمه سوق لبيع الحوت فقط في حين تنقل كل الانشطة الاخرى لهذه المساحة والتي لا اظن أن تجهيزها سيكلف الدولة الكثير.
عدت لاستكمال جولتي بالسوق واقارن ما بين ما أشاهده في تلك اللحظات وبين ما قرأته قبل جولتي هذه بمكتبة زوجي وما سجلته لنفسي بمشروع المدينة القديمة من ملاحظات. فمصطبة الطيور التي كانت منعزلة تماما عن مصطبة بيع السمك قديما زمن إنشاء السوق هاهي الان تزحف عليها وبحيوانتها، وبالجولة في المداخلها، كان هناك كلبان وهامستر عند مدخل مصطبة السمك.
8 - إلى حدود الثمانينات لم تكن تباع الحيوانات إلا في المكان المخصص لها (المصطبة المغلقة) وكانت طيور فقط وها هي الآن محلات بيع الحيوانات بكل أنواعها ومجلوبة من كافة بقاع الأرض (طبعا لا داعي لأن نقول مرخصة او مرت بتطعيم أو كشف بحجر صحي فهذا غير وارد أصلا.)
تكاد هذه المحلات تفوق 70 في المية من الموجود في السوق، الامر الذي أدى الى تداخل تام بين محلات بيع الأطعمة ومحلات بيع الحيوانات (وهذا أمر خطير وتداعياته على الصحة العامة بالعالم كله تؤدي إلى كوارث لا حل لها.. وما السارس ولا انفلونزا الطيور ولا انفلونزا الخنازير) الا بعض هذه الأمراض الفتاكة. وفوق ذلك كله لا قدرة لليبيا بظروفها الحالية على الوقوف بوجه (انفلونزا الاطفال حتى) فما بالك بما مثلنا عليه فقط من هذه الامراض الفتاكة.
الأمر الذي يمكن استخلاصه من الجولة أن هناك ألما أصاب الجميع على حال سوق الحوت. هذا المعلم الاثري الخدمي لاذي يحكي لوحده وعلى وطوال عقود وجوده بيننا قصصا طويلة وحكايات أهل المكان.
معروف عندنا في ليبيا أن كثيرين يحبون ممازحتنا في لهجتنا وخصوصياتنا، مثل تعامل البعض مع كلمة (هلبة). فهنا ليبيا وهذه الكلمة تخصنا وتميزنا ونفخر بها وفي هذا السياق نفسه تساءلوا بل استغربوا ثم علقوا: لم نحن الليبيين نطلق على السمك اسم (الحوت) في حين أن العالم كله يعلم أن الحوت هو الحوت الأزرق او حوت العنمبر أو حوت الاوركا القاتل ووو غيره من انواع الحيتان .. لكننا بطرابلس حتى السردين صغير الحجم نسميه حوتا.
هل هو حقنا في الاختلاف ؟.. أم أنه تميزنا في الحديث فنحن مفتونون بالأضداد في لهجتنا العامية لذا نسمي الفحم (بياض) ونسمي النار (عافية) ونسمي الاعمى (بصيرا) ونسمي الاعور (كريم العين) ونسمي اسمر اللون (ضو) ونسمي آخر البنات (حدهم) وكثير من مثل في لهجتنا... لعاميتنا سحرها الخاص ما يميزها عن ماجاورنا من الجيران وقد نشرت (بوابة افريقيا) بحث طويل حول خصوصية اسمائنا النسائية (لمن يحتاجه يستطيع البحث عنه بالموقع).
ولربما كلمة حوت تاتي ضمن هذا السياق أو لربما هي سر غويص بعيد في الازل لم نفهم سره الان لكن حتما سياتي يوم يكون فيه نهاية جهد وبحث ودرس نعرف فيه حينها لما اختار الاجداد هذه التسمية ولما اختاروا صيغة التفخيم لاسم العلم (السمك ) فسموه( حوتا ) .... خاصة وان الامر افزع احد صديقاتي وهي قد حلت علينا ضيفة عربية و تعيش بوسط اوربا وبالمصادفة هي من جمعيات حماية البيئة ( لم افكر ان اجمع حيثيات كل هذا ) حين اخبرتها اني اعزمها على الغداء والذي سيكون كسكسي بالحوت فما كان منها الا ان اخدت خطوة للخلف مبتعدة عني وسالتني بوجه مصّفر ....
أعوذ بالله اتقتلون (الحوت ) وتعزمون ضيوفكم لأكله !!!!
ضحكت على صديقتي حينها فقد نسيت اهتمامها بالبيئة وعدم فهمها لما تعنيه كلمة حوت بليبيا فغيرت رايي وكان الأمر لصالحي فعزمتها على صحن خس وبرتقالة.