يتواصل مسلسل تأزم الأوضاع في ليبيا وتعقيداتها، فالانقسامات السياسية تراوح مكانها وسط تعنت متبادل من الأطراف، أما الاوضاع الميدانية فالتوتر يبقى الغالب على المشهد في ظل الاشتباكات المتواصلة وسط اتهامات متبادلة.وبين هذا وذاك تتواصل التدخلات التركية الساعية لتأجيج الصراع في البلاد وتحويلها لملاذ للمتطرفين وهو ما يشكل خطرا يتهدد المنطقة والعالم عموما.

وفي ظل الأوضاع المتوترة في الأراضي الليبية تتواصل المطالبات بضرورة تعيين مبعوث أممي جديد الى البلاد بهدف تعديل العملية السياسية التي انحرفت بعد استقالة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، غسان سلامة،لكن هذا التعيين لا يقل تعقيدا عن الأزمة الليبية ذاتها في ظل صعوبة اختيار مبعوث جديد يحضى باجماع الأطراف المحلية والدولية

الجزائر عبرت عن اهتمامها بمسألة تعيين مبعوث أممي لحل النزاع في ليبيا،لكنها اشترطت موافقتها على هذا التعيين حيث قال الناطق الرسمي باسم الرئاسة الجزائرية، محند أوسعيد بلعيد، في بيان الثلاثاء 21 أبريل/نيسان 2020،إنه "لا يمكن أن يتم أي شيء في ليبيا دون موافقة الجزائر أو ضد مصالح البلاد".

وأكد بلعيد أن عدم تعيين وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرة مبعوثا لليبيا "ليس فشلا للجزائر، بل فشل للأمين العام الذي لم يستطع أن يختار رجلا مشهودا له بحل الأزمات". وأضاف تفكير الأمين العام للأمم المتحدة في اختيار جزائري شيء يزرع فينا الفخر والاعتزاز بما أنجبته الدبلوماسية الجزائرية".ولفت إلى أن عدم تعيين لعمامرة مبعوثا إلى ليبيا قد يأتي "استجابة لاعتبارات محلية تحركها بعض الأنظمة التي ليست لها مصلحة في حل مشكلة الشعب الليبي".


تصريح الناطق الرسمي باسم الرئاسة الجزائري، يأتي غداة اعلان رمطان لعمامرة (67 عاما) المرشح لشغل مهمة الموفد الأممي إلى ليبيا، قرّاره سحب ترشّحه لهذا المنصب، نتيجة الفيتو الأمريكي الذي رفع في وجهه رفضا لتوليه هذا المنصب الأممي المهم في ليبيا التي مزقتها الحرب المتواصلة منذ سنوات.

وقال الدبلوماسي الجزائري في بيان نشرته الصحافة الجزائرية "قام الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بالمبادرة في 7 آذار/مارس 2020، ليعرض علي شخصيا منصب الممثل الخاص ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا".وتابع "لقد منحت موافقتي من حيث المبدأ بروح التزام لصالح الشعب الليبي الشقيق وكذلك تجاه المنظمات العالمية والإقليمية المعنية بحل الأزمة الليبية".

لكن الدبلوماسي الجزائري، أضاف أن "المشاورات المعتادة التي يجريها غوتيريس منذ ذلك الحين لا يبدو أنها ستؤدي إلى إجماع مجلس الأمن والجهات الفاعلة الأخرى، وهو أمر أساسي لإنجاز مهمة السلام والمصالحة الوطنية في ليبيا".

يذكر أن رمطان لعمامرة، هو دبلوماسي جزائري معروف، شغل منصب مفوض السلم والأمن الإفريقي خلال الفترة 2008-2013، ومنصب وزير الخارجية الجزائري في الفترة بين 2013-2016.كما يتولى حالياً مهمة المستشار لدى رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، ومكلف بمشروع السلم الذي يحمل اسم "إسكات البنادق في إفريقيا".

ويأتي هذا التعثر الجديد ليزيد من حدة الانتقادات للامم المتحدة حيث أعرب مفوض السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي إسماعيل شرقي عن أسفه إزاء التقاعس عن تعيين مبعوث جديد  للأمم المتحدة   إلى ليبيا خلفا لغسان سلامة مما يؤجل الحل السلمي للنزاع الدموي في البلد وما ترتب عنه من آثار وخيمة على الشعب خاصة في ظل انتشار وباء كوورنا.

وأضاف المفوض الإفريقي بحسب وكالة الأنباء الجزائرية أن التقاعس عن تعيين ممثل خاص للأمم المتحدة خلفا لغسان سلامة، المستقيل منذ ما يقارب شهرين، "يطرح الكثير من التساؤلات لدى الفاعلين والمهتمين بالشأن الليبي"، متسائلا حول "ما إذا كانت الجهود المبذولة تهدف فعلا إلى إيجاد حل نهائي للأزمة الليبية أم هي مجرد مساعي أنانية لتحقيق مصالح وأجندات ضيقة على حساب مصير الشعب الليبي".

كما تأسف المسؤول الإفريقي على حالة وقف اطلاق النار في ليبيا بقوله: "للأسف الشديد، تلاشت الآمال والتوقعات التي تولدت عن مؤتمر برلين، بعد رفض الأطراف الليبية الانصياع لنداءات الأمم المتحدة ورئيس الاتحاد الإفريقي، سيريل رامافوزا، لوقف الاقتتال وفسح المجال للتعاطي مع وباء كوفيد 19 و تداعياته الاقتصادية والاجتماعية".


وباءت جميع الجهود الدبلوماسية التي قادتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالفشل في وقف إطلاق النار،وأثر التنافس بين القوى الدولية، وخاصة الصراع الإيطالي-الفرنسي، على البعثة الأممية بشكل كبير، وأكد مراقبون أن البعثة الأممية في ليبيا ضعيفة، أمام تجاذبات القوى الدولية ذات المصالح في الملف الليبي وكذلك أمام أطماع الأطراف المختلفة في الداخل. 

وفي ظل "استمرار التدخلات الأجنبية"،شدد شرقي أن الوضع في الأراضي الليبية اليوم "يفرض تحركا من المجتمع الدولي لوقف جميع المتورطين في الشأن الليبي".وعن إرسال بعثة مراقبين مشتركة مع الأمم المتحدة من أجل مراقبة سير وقف اطلاق النار قال شرقي "نحن بعيدين كل البعد عن ذلك" لافتا إلى أن "هذه الخطوة لن تتم إلا بعد توقف المعارك وتوقيع الأطراف الليبية على وقف فعلي لإطلاق النار".

ويشن الجيش الوطني الليبي منذ الرابع من أبريل/نيسان 2019،عملية عسكرية في العاصمة الليبية طرابلس بهدف انهاء سطوة المليشيات المسلحة والقضاء على العناصر الارهابية.ودخلت تركيا على خط الصراع في العاصمة دعما لحكومة الوفاق حيث سارعت أنقرة بارسال عدد من جنودها اضافة الى آلاف من المرتزقة الموالين لها مع تواصل ارسالها لشحنات السلاح التي أغرقت بها البلاد منذ سنوات.

ورغم أن مؤتمر برلين الذي عُقد في يناير الماضي، وشاركت فيه تركيا، خلص إلى توقيع بيان يلزم الأطراف والدول المعنية بالأزمة الليبية على عدم التدخل أو تسليح الأطراف المتحاربة،فان النظام التركي نقض تعهداته وواصل مساعيه لتأجيج الصراع في البلاد وسط عجز البعثة الأممية بالرغم من تهديدات رئيسها السابق غسان سلامة بمحاسبة أردوغان بعد تعهداته في مؤتمر برلين.

وأعلن المبعوث الأممي الى ليبيا غسان سلامة،في 02 مارس/آذار الجاري، أنه طلب من الأمين العام للأمم المتحدة إعفائه من مهمته لأسباب صحية.وقال سلامة، "سعيت لعامين ونيف للم شمل الليبيين وكبح تدخل الخارج وصون وحدة البلاد، وعلي اليوم، وقد عقدت قمة برلين، وصدر القرار 2510، وانطلقت المسارات الثلاثة رغم تردد البعض. أن أقر بأن صحتي لم تعد تسمح بهذه الوتيرة من الإجهاد. لذا طلبت من الأمين العام إعفائي من مهمتي آملا لليبيا السلم والاستقرار".



وأثارت استقالة سلامة المخاوف من انهيار محادثات السلام التي بدأها في جنيف،وتصاعت الأصوات من عدة أطراف دولية للمسارعة بتعيين مبعوث أممي جديد لتنطلق عقب ذلك التكهنات حول الشخصية التي يمكن أن تخلف غسان سلامة.وأوردت تقارير اعلامية العديد من الأسماء المختلفة لهذا المنصب الأممي.

وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش،تعيين ستيفاني توركو ويليامز ممثلة الولايات المتحدة بالنيابة ورئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.وهو التعيين الذي أعتبر محاولة لتوسيع مجال التأثير الأمريكي في الملف الليبي، نظراً لاطلاع ويليامز على مختلف تفاصيله، سواء من خلال دورها كقائمة بالأعمال في البعثة الدبلوماسية لبلادها أو كنائبة لرئيس بعثة الدعم الأممية في ليبيا.

وقوبل هذا التعيين بانتقادات من عدة أطراف ليبية التي اعتبرت أنه يندرج في اطار الصراع الدولي حول ليبيا خاصة في ظل التنافس الاأمريكي الروسي.ويرى مراقبون،أن تحقيق المبعوث الأممي نجاحات في الأزمة الليبية مرهون بقدرته على إحداث توازن بين جميع أطياف الصراع الليبي والوقوف بقوة أمام التدخلات الخارجية للوصول إلى حلول توافقية للأزمة المستعصية في البلاد.