أعلن المجلس الرئاسي الليبي عن تعيين اللواء حسين محمد خليفة العائب رئيسا لجهاز المخابرات الليبية ونص القرار رقم 17 لعام 2021 ، الصادر الخميس الماضي ،ونشرته الناطقة باسم المجلس نجوى وهيبة، على “تويتر”، على أن “يعمل بهذا القرار من تاريخ صدوره ويلغى كل حكم يخالف أحكامه”.
وأثار تعيين العائب غضب الميلشيات التي كانت قد إختطفت الجهاز منذ العام 2011 وحولته الى مؤسسة لخدمة أهدافها وأهداف الإخوان والجماعات المتطرفة ليتم إختراقه من قبل أجهزة دول إقليمية وعلى رأسها قطر وتركيا
ويعتبر التعيين على رأس جهاز المخابرات من صلاحيات المجلس الرئاسي التي حددها ملتقى الحوار الليبي المنعقد في تونس في نوفمبر الماضي ، على أن يتم بالإجماع بين رئيس المجلس ونائبيه
وفي السابع من أبريل الماضي ، أكدت تسريبات وجود توافق بين رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفّي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة على اختيار شخصية جديدة لتولي منصب رئيس المخابرات بدلا عن عماد الطرابلسي أحد أمراء الحرب البارزين بغرب البلاد ، والذي كان يدير الجهاز منذ سبتمبر الماضي بقرار صادر عن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق آنذاك فائز السراج ، ولكن برتبة وظيفية لنائب رئيس ، قبل أن يهيمن على الجهاز منذ يناير الماضي ويتحول الى رئيسه المباشر دون قرار رسمي
ووفق مصادر مطلعة ، فإن المنفْي والدبيبة اتفقا على أن تؤول رئاسة جهاز المخابرات للواء حسين العائب الذي يتحدر من مدينة « تيجي » العائدة لقبائل الصيعان في المنطقة الغربية المتاخمة للحدود المشتركة مع تونس ، ويحظى بدعم من قائد الجيش المشير خليفة حفتر ورئيس البرلمان عقيلة صالح
وكان العائب قبل العام 2011 من ضباط جهاز الأمن الخارجي وقريبا من رئيسه اللواء عبد الله السنوسي ، وأكدت مصادر قريبة منه ل« العرب » أنه لم يتولّ إدارة مكتب السنوسي كما راج مؤخرا ، وأنما كان من الفاعلين داخله ، قبل أن ينشق عن نظام القذافي ويقود « جحفل الصيعان المقاتل » ، ويشارك في عمليات الرصد ونقل الإحداثيات الى قوات الناتو ، ليحظى في العام 2012 بتكريم من قبل المؤتمر الوطني العام الذي كان خاضعا آنذاك لسيطرة الإخوان
في العام 2014 ، إنتقل العائب الى المنطقة الشرقية ، وانضم الى عملية « الكرامة » التي أطلقها الجيش ،  وفي العام 2015 عين مساعدا لرئيس جهاز المخابرات العامة الليبية العميد مصطفى المقرعن المكلف من قبل مجلس النواب في جلسته العامة للسادس من يونيو من العام ذاته ، خلفا لرئيس الجهاز السابق سالم الحاسي المحسوب على الجماعة الليبية المقاتلة والمقرب من جماعة الإخوان
ونظرا لحالة الانقسام التي ضربت مؤسسات الدولة بعد انقلاب الإخوان على نتائج الانتخابات البرلمانية من خلال منظومة « فجر ليبيا » في صيف 2014 ، اضطر جهاز المخابرات المكلف من قبل البرلمان للعمل انطلاقا من مدينة طبرق ( شرق ) مع فتحه مكتبا فرعيا بالقاهرة للتنسيق مع الجهات المصرية المتخصصة وخاصة في ملف الإرهاب
وفي 16 فبراير 2015، أقال البرلمان الليبي رئيس المخابرات الأسبق سالم الحاسي، بسبب عدم تعاونه مع أجهزة الأمن الليبية وفشله في التنسيق الخارجي ، كما أنه لم يقدم أي تقرير أمنى حول العمليات الإرهابية التي كانت تحدث في ليبيا كي يتم مكافحتها ، ومن ذلك حادثة اختطاف وإعدام 21 قبطي مصري على يد داعش في مدينة سرت ، إضافة الى عدم تواصل وتعاون سالم الحاسي مع الحكومة الليبية المؤقتة وحضور اجتماعاتها،
والمقرعن الذي كلفه البرلمان برئاسة المخابرات ، يتحدر بدوره من مدينة العجيلات ، غربي البلاد ، وكان من أبرز الضباط الممسكين بملف المعارضة في الخارج أيام النظام السابق ، ويحظى بثقة خاصة من الزعيم الراحل معمر القذافي ،
 وبينما كان المقرعن يدير جهاز المخابرات تحت سلطة مجلس النواب في مناطق نفوذ الجيش ، كلف فائز السراج في العام 2017 اللواء عبد القادر التهامي رئيسا لمخابرات حكومة الوفاق ، وهو كذلك من أهم ضباط الأمن الخارجي في النظام السابق ، وفي نوفمبر 2018 ، قرر السراج إقالة التهامي واستبداله بالعميد عبدالله مسعود  الدرسي ، وهو أصيل بنغازي وعمل وكيلا لوزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة برئاسة علي زيدان ، وكان من المرشحين من قبل مجلس النواب لرئاسة الجهاز في 2015 إلا أن التصويت كان لفائدة منافسه القوي مصطفى المقرعن
أثار الإعلان في سبتمبر 2020 عن تعيين  عماد الطرابلسي الزنتاني  نائبا لرئيس جهاز المخابرات ، جدلا واسعا في البلاد حول المعايير التي كان السراج يعتمدها في تعيين كبار المسؤولين على المؤسسات السيادية ، لكن المحللين أكدوا أن تلك التعيينات ،ولا سيما التي جرت في العام 2020 وأوائل 2021 ، كانت خاضعة لحسابات الصراع الذي كان قائما بين رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ووزير داخليته فتحي باشاغا ، وللتوازنات الميدانية السائدة بين ميلشيات مصراتة الموالية لباشاغا  وميلشيات طرابلس والمناطق القريبة  منها الموالية للسراج
وفي خطوة لافتة قرر المجلس الرئاسي تعيين اللواء حسين التائب رئيسا لجهاز المخابرات العامة الليبية الذي سيتولى لأول مرة منذ 2014 العمل في كامل مناطق البلاد ، بعد الإعلان رسميا عن توحيد الجهازين الذين كان يعملان في شرق البلاد برئاسة اللواء مصطفى المقرعن وفي طرابلس برئاسة العميد عبد الله الدرسي
ويرى المراقبون أن تعيين التائب جاء لتقريب المسافات أكثر من بين السلطات التنفيذية العليا في طرابلس وقيادة الجيش في بنغازي ومجلس النواب في طبرق ، ولا سيما أن رئيس المخابرات الجديد معروف بقربه من المشير حفتر ، وبحماسه الكبير لتوحيد المؤسسات ، إضافة الى الخبرة التي يحتكم عليها في هذا المجال ، مشيرين الى أن التنسيق بين القوى المؤثرة في غرب وشرق البلاد يعطي دلالات واضحة على رغبة جميع الأطراف في طي صفحات الحروب والانقسام على أن تحتل ملفات الإرهاب والوضع في جنوب البلاد على ضوء مستجدات تشاد والتنسيق مع دول الجوار والمجتمع الدولي والمصالحة الوطنية صدارة اهتمامات المخابرات الليبية في هذه المرحلة والمرحلة القادمة
يبقى أن تعيين رئيس جديد لجهاز المخابرات ، أثار حالة من الغموض حول المصير الوظيفي لعماد الطرابلسي ، وما إذا كان أقيل من منصبه الوارد في قرار السراج وهو نآئب رئيس الجهاز ، أم تجددت فيه ثقة المنفي للاستمرار في توليه ،