كشفت مجموعة الشرق الاستشارية في واشنطن حصولها على وثائق سرية لوزارة الخارجية الأميركية، توثق دعم الإدارة الاميركية للإخوان المسلمين في ليبيا سياسيا، للوصول إلى الحكم في سياق تبنيها لسياسية باتت واضحة في ظل ما عرف بموجة الربيع العربي، التي أفرزت حكومات إسلامية في عدد من الدول العربية قبل إسقاطها.

كان النموذج الليبي واحدا من النماذج الواضحة للسياسية الأميركية الخارجية القائمة على دعم حركات الإسلام السياسي التي تخدم وتتوافق مع أهداف السياسة الأميركية في المنطقة، والتي انهارت بانهيارها في مصر و تونس، ومؤخرا في ليبيا بعد عملية الكرامة التي يشنها اللواء المتقاعد خليفة حفتر للقضاء على نفوذ المتشددين المدعومين من الإخوان المسلمين.

الوثائق التي تم الكشف عنها تأتي في إطار “مبادرة الشراكة الشرق أوسطية” التي تديرها وزارة الخارجية الأميركية، بهدف تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفق مخطط أميركي محكم ليضع أنظمة إسلامية بدل تلك الأنظمة السابقة التي أطاحت بها ثورات الربيع العربي.

 

 

علاقات أميركية إخوانية

على مدى العقد المنقضي، حافظت الإدارة الأميركية على علاقات وطيدة بجماعات الإخوان المسلمين في تونس، مصر، سوريا، ليبيا وعدّة دول أخرى، وقد أجرت إدارة أوباما تقييمين في عامي 2010 و 2011 حول الإخوان المسلمين وغيرها من حركات الإسلام السياسي ، قبل حتى أن تندلع ثورات الربيع العربي بطلب رئاسي من أوباما تحت مسمى “قرار رئاسي رقم 11″، بما في ذلك حكم حزب العدالة والتنمية في تركيا.

وأفادت الاستنتاجات والتقييمات التي توصلت إليها الدراسة بوجوب تغيير الولايات المتحدة الأميركية لسياستها طويلة الأمد من سياسة دعم “الإستقرار” في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أي دعم “الأنظمة المستقرة”، وإن كانت استبدادية، إلى سياسة دعم الحركات السياسية الإسلامية.

ويقول تقرير مجموعة الشرق أنه حتّى هذا اليوم، تبقى تفاصيل “القرار الرئاسي رقم11″ سرية، تفاديا للإحراج الذي سيولّده الكشف عن ما أسماه سذاجة الحكومة الأميركية حينها بشأن التوجهات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في المقابل كشف التقرير أنه بفضل التتبعات العدلية المستندة على قانون حرية المعلومات، سيتمّ إلغاء سريّة آلاف الصفحات من الوثائق التابعة لوزارة الخارجية الأميركية المتعلقة بالإخوان المسلمين ونشرها للرأي العام، ويعتبر هذا التقرير هو الأوّل في سلسلة هذه الوثائق السرية التي تتطرّق إلى العلاقة الخفية بين واشنطن ومنظمة الإخوان المسلمين.

 

 

لقاءات و دعم متواصل

تؤكد وثائق وزارة الخارجية الأمريكية، التي حصلت عليها مجموعة الشرق الاستشارية في واشنطن، أن إدارة أوباما حافظت على اتصالات متكررة وعلاقات مستمرّة مع منظمة الإخوان المسلمين الليبية، وترصد اللقاءات التي جمعت بين السياسيين الأميركيين و مسؤولين في تنظيم الاخوان، ففي أبريل 2012، استقبل مسؤولون أميركيون في واشنطن محمد جير مدير العلاقات العامة للإخوان المسلمين بليبيا في إطار مؤتمر عن “الإسلاميين في السلطة” نظمته “مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي”.

وينقل تقرير آخر، صنفته وزارة الخارجية بالسري، ما يلي: “اجتماع بنغازي مع الإخوان المسلمين بليبيا: في 2 أبريل 2012، حيث التقت فيه بعثة بنغازي بعضو اللجنة التوجيهية للإخوان المسلمين الذي حضر في إطار مؤتمر “الإسلاميين في السلطة” بواشنطن، والذي وصف قرار الإخوان المسلمين بتشكيل حزب سياسي بكونه فرصة وواجبا في ليبيا ما بعد الثورة، بعد سنوات من العمل السري.

وأضاف أنه من المتوقع أن يبرز حزب “العدالة والبناء” التابع للإخوان بشدّة خلال الانتخابات المقبلة، بحكم نفوذ شبكة الإخوان في ليبيا، والتأييد الواسع الذي تتمتع به، وفرضه لنفسه كحزب وطني حقيقي، وأنّه يحظى بعضوية نسوية تبلغ 25بالمئة. ووصف العلاقة الحالية بين الإخوان المسلمين والمجلس الوطني الإنتقالي بـ”الفاترة”.

وتشمل وثيقة أخرى، حملت علامة “حساس ولكن غير سري” من ضمن الوثائق المسربة، نقاط نقاش مقترحة على نائب وزير الخارجية وليام بيرنز، في إطار اجتماعه مع محمد صوان، المرشد العام للإخوان المسلمين والرئيس السابق لحزب العدالة والبناء التابع للإخوان في 14 يوليو 2012.

وتكشف الوثيقة بوضوح مساندة واشنطن لإرساء الإخوان المسلمين كقوة سياسية رئيسية في ليبيا إثر سقوط نظام العقيد معمر القذافي، حيث تنصّ نقاط النقاش أن يؤكّد الوزير بيرنز لصوان أن هيئات الحكومة الأميركية “تشارك حزبكم حرصه على أن تضمن عملية العدالة الانتقالية الشاملة معالجة انتهاكات الماضي لتفادي موجة استياء جديدة”.

ووصفت نفس الوثيقة الإخوان المسلمين بليبيا بما يلي: “قبل ثورة العام الماضي، تمّ قمع الإخوان على مدى ثلاثة عقود ومطاردة أعضائه بشدة من قبل نظام القذافي.

وعاد الإخوان المسلمون إلى ليبيا بعد سنوات من المنفى في أوروبا والولايات المتحدة، ثمّ قاموا باختيار قيادة جديدة وبادروا على الفور بوضع خطة لفرض أنفسهم بشكل فعلي في المستقبل السياسي لليبيا”.

يلي ذلك جزء محذوف من الوثيقة، ثمّ ما يلي: “أُسّس حزب التابعة العدالة والبناء -بزعامة محمد صوان المصراتي والسجين السياسي السابق تحت حكم القذافي- في مارس 2012. صوان نفسه لم يكن مرشحا في الانتخابات ولكنه يمارس تأثيرا كبيرا بحكمه رئيس اكبر حزب سياسي والحزب الإسلامي الأكثر نفوذا في ليبيا”.

وقد حضر الاجتماع مع وزير الخارجية بيرنز السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز، الذي اغتيل لاحقا في 11 سبتمبر 2012 وثلاثة دبلوماسيين أميركيين آخرين في هجوم ضدّ البعثة الأميركية ومرافق وكالة المخابرات المركزية في بنغازي.

وكشفت وثائق أخرى غير مؤرّخة لوزارة الخارجية الأميركية عن أوجه أخرى لمحاولات الإدارة الأميركية التقرب من الإخوان وحزب العدالة والبناء التابع لهم، إذ تنقل الوثائق: “استقبل محمد صوان، رئيس حزب العدالة والبناء، في مكتبه في طرابلس سفراء الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا بليبيا.

وقد تمّ الاجتماع بطلب من السفراء بهدف التعرف على موقف الحزب بشأن عدّة نقاط تتضمن الأحداث الجارية في ليبيا، والحكومة، ومطالبة الحزب بإقالة رئيس الوزراء آنذاك علي زيدان، والدستور، وسياسة المؤتمر الوطني العام، ومبادرات الحوار، وتقييم الحزب للوضع السياسي والأمني في ليبيا والمنطقة.

و نقلت الوثيقة أنه خلال الاجتماع الذي عقد بحضور محمد طلب، المسؤول عن العلاقات الدولية بالحزب، وحسام نايلي، أوضح صوان أن الحكومة لم تتمكن من تحقيق أي نجاح في ملفات جوهرية على غرار ملف الامن وملف الحكومة المحلية اللذين يقعان تحت الإشراف المباشر لرئيس الوزراء السابق علي زيدان.

وأدّى هذا الفشل إلى انعدام الأمن والاغتيالات المستمرة، وعمليات الاختطاف، والجرائم، والتهريب والاعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة، ووقف الصادرات النفطية وانقطاع إمدادات المياه والكهرباء.

وأكّد صوان أن الحلول موجودة وأنّ الحزب بادر بتقديمها، لكن المشكل يكمن في عدم تآلف حكومة علي زيدان. وأضاف ‘نحن مسؤولون فقط عن الوزارات التي نشارك بها“.

وأشارت وثائق وزارة الخارجية الأميركية أن ” السفراء أشادوا من جانبهم بالدور النشط للحزب في الساحة السياسية، وأكدوا على مساندتهم للشعب الليبي والحكومة على الرغم من ضعفها، وأنهم حريصون على استقرار المنطقة كما تعهدوا بمساعدتهم للكيانات التي أسموها بالشرعية الليبية.

وكان آخر تقرير في سلسة الوثائق، التي تمّ كشفها في إطار تطبيق قانون حرية المعلومات، يعود إلى مارس 2013 ويشير إلى أن “حزب العدالة والبناء ذي النزعة الإسلامية والذي يرأسه محمد صوان سياسيا قد عقد مؤتمرا في 24 مارس، بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لتأسيس الحزب. وقد حضرالممثّل الرسمي للحكومة الأميركية الحدث الذي تمّ خلاله تكريم كرم مصطفى الكتبي، الزعيم الروحي لجماعة الإخوان المسلمين الليبيين، والصادق الغرياني مفتي ليبيا، وإحياء ذكرى الضحايا والمصابين في ثورة 2011.

ونقلت مصادر مطلعة أن الحكومة الأميركية قد بدأت بتطبيق تحولها السياسي لصالح الإخوان المسلمين، بما في ذلك الإخوان المسلمين الليبيين، منذ عشر سنوات، واستنتج تقييم داخلي تابع للبيت الأبيض، أعده فريق مكوّن من دينيس رسو وسامانثا باور وغايل سميث، في 16 فبراير 2011، أن جماعة الإخوان المسلمين تبدي “اختلافات إيديولوجية كبيرة” بالمقارنة مع تنظيم القاعدة.

وحذّر التقرير قائلا: “إذا فشلت سياستنا في التمييز بين تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان المسلمين، فلن نكون قادرين على التأقلم مع هذا التغيير الجاري حاليا في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.

و كانت العرب قد تناولت في عددها 9592 بتاريخ 10 حزيران 2014، حيثيات تقرير مجموعة الشرق الاستشارية والتي كشفت أيضا أن الوثائق يعود تاريخها إلى 22 أكتوبر 2010، وصدرت تحت عنوان “مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط: نظرة عامة”، وهي تؤكّد بما لا يدع مجالا للشكّ أن “ثورات الربيع العربي” ليست سوى مؤامرة حاكتها إدارة أوباما لتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط، ما يكشف بوضوح أن وصول الإسلاميين إلى الحكم لم يكن ترجمة لعملية ديمقراطية ولا استجابة لرغبة شعبية، بل هو مخطط صنعته ونفّذته الخارجية الأميركية ومكاتب مخابراتها.

 

*نقلا عن العرب اللندنية