منذ العام 2011،سعت تركيا في اطار سياسة أردوغان التوسعية لاستغلال حالة الفوضى التي عصفت بعدة دول عربية لدعم الجماعات الموالية لها لتكون ذراعها للسيطرة على هذه الدول.وتحركت أنقرة لاعادة التموضع في الساحة الليبية بما يضمن استمرار نفوذها في البلاد بهدف الحفاظ على مصالحها في السوق الليبية والمشاركة في رسم مستقبل المنطقة بصفة عامة.ومثل تيار الاسلام السياسي وعلى رأسها جماعة "الاخوان" والمليشيات الموالية لها ذراع أنقرة التخريبية في ليبيا ووسيلتها لنهب ثروات البلاد وتدعيم مصالحها فيه.
بالرغم من الاجماع الليبي والدولي على ضرورة اخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا وانهاء التدخلات الخارجية لدعم عملية السلام في البلاد،فان النظام التركي مازال مصرا على المناورة للبقاء في الأراضي الليبية معتمدا في ذلك على حلفائه من جماعة "الاخوان" الذين يقومون بالتشويش على المطالبات الليبية بخروج مرتزقة وقوات تركيا من البلاد.
هذا المشهد اتضح أكثر مع شن جماعة "الاخوان" هجوما حاداً على وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش، بعد دعوتها إلى إلغاء الاتفاقية الموقعة مع تركيا وانسحاب قواتها من ليبيا.وكانت المنقوش، أكدّت خلال جلسة مع لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الإيطالي، في قصر "مونتي تشيتوريو" في روما، أن "حكومة الوحدة الوطنية بقيادة رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة بدأت حواراً مع تركيا، وقد لاحظت استعداد أنقرة لبدء المباحثات والمفاوضات".
وشددت المنقوش على أن "ليبيا حازمة في الوقت ذاته في نواياها، وتطلب من جميع الدول أن تكون متعاونة من أجل إخراج القوات الأجنبية من الأراضي الليبية"، مؤكدةً أن "الأمر يشكل أولوية بالنسبة لليبيا، لأن أمننا يعتمد على انسحاب القوات الأجنبية"، وفق ما نقلت عنها وكالة "آكي" الإيطالية.
وعقب ذلك،سارعت قيادات "الاخوان" للاستنفار لمهاجمة المنقوش،حيث أكد حزب "العدالة والبناء" الذراع السياسية لتنظيم الإخوان في ليبيا،أن دعوة وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش إلى انسحاب القوات التركية من ليبيا "أمر مثير للاستغراب"، زاعماً أن "هذه القوات المتواجدة على الأراضي التركية جاءت دعماً للاستقرار وبناءً على اتفاقية رسمية مشتركة مع الدولة الليبية"، مضيفاً: "إنهم ليسوا مرتزقة".
وواصل الحزب دفاعه المستميت عن استمرار التواجد التركي على الأراضي التركية، معتبراً أنه "ليس من اختصاص حكومة الوحدة الوطنية التي جاءت بها خارطة الطريق إلغاء أية اتفاقيات دولية سابقة، حيث أن البتّ فيها من صلاحيات السلطة التي ستنبثق عن الانتخابات القادمة".
وتساءلت سميرة العزابي، الناطقة الرسمية للحزب: "ألا تدرك السيدة وزيرة الخارجية أن القوات التركية... ليست قوات مرتزقة؟"وأضافت العزابي أنه "حسب خارطة الطريق التي جاءت بالحكومة، فإن الاتفاقيات الدولية الموقعة تعتبر خارج مهام حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، وأن البت فيها من صلاحيات السلطة ستنبثق من الانتخابات القادمة".حسب زعمها.
وهاجمت قوات ما يعرف بـ"بركان الغضب" التابعة لجماعة "الاخوان"، وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، وأكدت على "شرعية" التواجد التركي في ليبيا و"شرعية الاتفاقية" التي وقعتها تركيا مع حكومة الوفاق السابقة وفتحت بموجبها الباب أمام القوات التركية للتدخل في ليبيا وإغراقها بالمرتزقة الأجانب والأسلحة والعتاد العسكري إلى جانب السيطرة على قواعدها العسكرية وإبرام اتفاقيات لتدريب المليشيات المسلحة فيها.
ومن جانبه هاجم القيادي الاخواني خالد المشري،وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش معلنا رفضه تصريحاتها حول خروج كل القوات الأجنبية من البلاد بمن فيهم الأتراك ومرتزقتهم.وطالب المشري في بيان له باستثناء مرتزقة تركيا من اتفاق وقف إطلاق النار.
وقال المشري، في بيانه، إن "وجود قوات أجنبية على الأراضي الليبية مبدأ مرفوض جملة وتفصيلاً ولا يجب أن يكون محل نقاش أو مزايدة من أحد، غير أن الجميع يجب أن يعي جيداً الفرق بين المرتزقة وبين وجود قوات بناءً على هذه الاتفاقيات المبرمة مع تركيا".وطالب المشري بـ"ضرورة بقاء القوات التركية ومرتزقتهم السوريين والتركمان في ليبيا لأنهم موجودون بشكل شرعي".حسب زعمه.
ويتعارض موقف إخوان ليبيا مع اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين طرفي النزاع في مدينة جينيف السويسرية في شهر أكتوبر من العام الماضي، والذي ينّص على "ضرورة مغادرة كافة القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية". كما يتعارض هذا الموقف مع الجهود الدولية الرامية لحلّ معضلة المرتزقة الأجانب في ليبيا.
وفي وقت سابق أكد المبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيش ان هناك إجماع ليبي على ضرورة إخراج المرتزقة من البلاد.وأكد أن هذا البلد "ليبيا" ما زال مليئا بالوجود الخارجي غير المرغوب ولكن الجميع متفقون على ضرورة إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية في أقرب وقت ممكن.
وليس غريبا على جماعة الاخوان الاصرار على بقاء الاحتلال التركي في ليبيا، فالجماعة تسعى جاهدة للبقاء في السلطة التي وصلت اليها بعد دعمها للتدخل الغربي في البلاد في العام 2011، فالجماعة التي تزعم بحثها عن دولة مدنية ديموقراطية، انقلبت على نتائج الانتخابات في العام 2014، واستعانت بالمليشيات المسلحة للسيطرة على مؤسسات الدولة. وطيلة السنوات الماضية كرست الجماعة ومليشياتها الفوضى والنهب والفساد.
وما من أحد ينكر تأثير جماعة الإخوان المسلمين على العلاقات التركية مع دول مثل سوريا والسودان وفلسطين ومصر. وقد أسفر دعم تركيا لمليشيات الاخوان عن وصول الطرفين إلى حد الاعتماد المتبادل على بعضهما البعض؛ فالإسلاميون يحتاجون إلى دعم أنقرة للبقاء في السلطة وفرض اجنداتهم، بينما تحتاج تركيا إلى الإسلاميين لمد نفوذها في البلاد ونهب ثرواته واتخاذه قاعدة للتوسع في المنطقة عموما.
ولم تتوانى جماعة "الاخوان" في فتح ليبيا أمام جميع أنواع السلاح التي زادت من تأجيج الصراع في البلد الممزق بالانقسامات.وتفاخر رئيس المجلس الأعلى للدولة والقيادي في جماعة "الاخوان" خالد المشري، في تصريح لصحيفة الإندبندنت البريطانية، بأن "حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة حصلت على طائرات بدون طيار وعدلتها لمواجهة التأثير المدمر لطائرات السيد حفتر الحربية والمراقبة الجوية". دون أن يشير الى أن هذه الطائرات كانت تسفك دماء الليبيين.
ومنذ توقيع مذكرة التفاهم للتعاون الأمني والعسكري بين حكومة الوفاق ونظام أردوغان في نوفمبر 2019، تداعت قيادات "الاخوان" للتهليل والتطبيل لهذه الاتفاقية والتي وصلت حد الدعوة لتسليم ليبيا الى تركيا.وخاصة بعد تصريحات المسؤولين الأتراك والتي كان ابرزها قول ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريح لقناة "التناصح" الذراع الإعلامية للمفتي السابق الصادق الغرياني، إن ليبيا باتت تحت مسؤولية تركيا، وذلك بموجب مذكرة التفاهم التي وقعها الرئيس التركي ورئيس حكومة الوفاق فائز السراج.على حد زعمه.
ويأتي اصرار "الاخوان" على ابقاء التدخل التركي بالرغم من الرفض الشعبي الكبير حيث أطلق ناشطون ومدونون ليبيون هاشتاغ # تركيا تطلع ـبرا ، انتقدوا من خلاله موقف تنظيم الإخوان في بلادهم، الذي تحرك بقوة لرفض أي دعوة لانسحاب القوات التركية وإجلاء مرتزقتها من ليبيا.
ودعا النشطاء في منشورات إلى إيقاف العمل بالاتفاقيات الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق السابقة، والتي بمقتضاها فتحت الباب أمام القوات التركية للتدخل في ليبيا وإغراقها بالمرتزقة الأجانب والأسلحة والعتاد العسكري، إلى جانب السيطرة على قواعدها العسكرية وإبرام اتفاقيات لتدريب الميليشيات المسلحة.
وقوف جماعة "الاخوان" ضد السلام والاستقرار، كشف النوايا المشبوهة للجماعة ودعمها للتنظيمات الارهابية التي تنشر الفوضى في البلاد.وباتت كل مخططات المجموعات المنتمية إلى الإسلام السياسي في ليبيا وعلى رأسها جماعة "الإخوان" مكشوفة لدى الشعب الليبي الذي أدرك أن هذه التنظيمات لا تحاول إلا السيطرة على الحكم وتنفيذ مشروعها التخريبي في المنطقة عبر تسليم ليبيا لتركيا التي تسعى لنهب ثرواتها وتمرير أجنداتها في المنطقة.
وسبق ان شهدت المدن الليبية خلال السنوات الماضية تحركات ضد "الاخوان"،والتنديد بسيطرة الجماعة على مفاصل الدولة وتغلغلها في المؤسسات، إضافة إلى تحميلها مسؤولية الفتنة والاقتتال في البلاد.ويشير المتابعون للشأن الليبي،أن جماعة "الاخوان" ستفعل كل شيء؛ من أجل ألا تخرج تركيا من ليبيا،معولين في ذلك على مزيد من الفتن واشعال الحروب في البلاد وتأجيج الصراعات وهو ما يمثل خطرا يتهدد جهود السلام في بلاد عمر المختار.