بعد العام 2011، تغيرت الأوضاع الأمنية والعسكرية في الكثير من الدول العربية ومنح ذلك الأتراك فرصة مواتية للتوسع والبحث عن نفوذ في المنطقة.وبدأت أطماع انقرة في الظهور من خلال تحرشها المتواصل وتدخلها في شؤون عدد من الدول العربية وانتهت بالتدخلات السافرة من إسطنبول في الشأن الليبي لتتكشف نواياها للجميع وهو ما جعلها في مرمى مواجهات متعددة مع قوى دولية واقليمية.

ومنذ إعلان البعثة الأممية إلى ليبيا في 5 فبراير/شباط الماضي، وتشكيل السلطة التنفيذية الجديدة،بات التوجه الدولي واضحا نحو دعم السلام في البلاد واعادة الامن والاستقرار الى ربوعها، وتزايدت المطالبات الدولية بسحب المرتزقة والقوات الاجنبية من ليبيا، واحترام خارطة الطريق الأممية التي ستقود البلاد إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في ديسمبر/كانون الأول المقبل.

ودفعت تركيا خلال العام الماضي بالآلاف من المرتزقة السوريين الى الأراضي الليبية لتحقيق أهدافها والسيطرة على موارد وخيرات ليبيا، مستغلة الدعم الذي قدمته لجماعات إرهابية مسلحة في حربها ضد الحكومة السورية في الضغط عليها لتجنيد المزيد من عناصرها وغيرهم من الشباب والأطفال السوريين في مناطق سيطرتهم، وإرسالهم إلى تركيا للتدريب ومن ثم نقلهم إلى الأراضي الليبية.

وحاولت تركيا شرعنة وجودها العسكري في ليبيا عبر توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية في البحر الأبيض المتوسط مع حكومة السراج، بالإضافة إلى اتفاق حول التعاون الأمني والعسكري الموسع في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.وقضت الدائرة الإدارية بمحكمة الاستئناف في مدينة البيضاء الليبية، أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، بإلغاء هذه الاتفاقيات واعتبارها غير شرعية.

واعتمد النظام التركي على حلفائه من تيار الاسلام السياسي المسيطر على حكومة الوفاق لمحاولة شرعنة غزو ليبيا والبقاء فيها بشكل دائم وتثبيت حكم الإخوان والاستيلاء على الثروات الليبية ومنطقة المتوسط الغنية بالمحروقات. وبالرغم من المليارات التي نهبها النظام التركي خلال الأشهر الماضية عبر صفقات أسلحة واتفاقيات مشبوهة، فان الحقول النفطية مثلت المنطقة الأهم في مخططات أردوغان وأطماعه.

ويعتبر ملف المرتزقة الأجانب الذي يبلغ عددهم نحو 20 ألف مقاتل،احد أبرز التحديات التي تواجه السلطات الليبية الجديدة، حيث وصفه رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة بـ"الخنجر في ظهر ليبيا"، مؤكدا أنه سيعمل على إخراجهم ومغادرتهم، وهو أمر قال إنه "يتطلب الحكمة والاتفاق مع الدول التي أرسلتهم".

وبارغم من الاجماع الدولي على ضرورة انهاء التدخلات الخارجية في ليبيا،تقف تركيا عكس التيار متحدية المجتمع الدولي في مسعى لتحقيق اطماعها،فمؤخرا أكد ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن تركيا لن تتراجع عن موقفها في ليبيا بسبب انزعاج بعض الأطراف.وقال أقطاي في تصريح خاص لوكالة "سبوتنيك"،إن "التمسك بالاتفاقيات المبرمة بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية لن يضر بالوضع الداخلي الليبي، لأن التدخل التركي في ليبيا خلق وضعا مستقرا في البلاد ولو لا هذا التدخل لتفاقم الوضع".

وأضاف أن وقف إطلاق النار في ليبيا صامد بفضل الإمكانيات التي تقدمها تركيا، إذ لا تقوم بلعب دور مزعزع للاستقرار.وتابع قائلا: "أما فيما يتعلق بانزعاج بعض الأطراف واللاعبين الذين كانوا يسعون للهيمنة على الوضع بمفردهم، فهدفهم كان احتلال البلاد وزعزعة الاستقرار ونشر الفوضى فيها بهدف بسط هيمنتهم ونظامهم".

وصرح بأن بلاده ساهمت بالتعاون مع حكومة الوفاق الوطني الليبية السابقة بخلق وضع مستقر في البلاد، حيث تم إعلان وقف إطلاق النار وتوقفت جرائم القتل والحرب الأهلية بعد تدخل تركيا، كما بدأت عملية الحوار السياسي، لافتا إلى أن تركيا "أبرمت اتفاقيات مع حكومة مؤقتة منتخبة نتيجة انتخابات جرت بمشاركة جميع الأطراف الليبية ولا ينبغي لأي طرف الانزعاج من ذلك".

وحول ما إذا كان التمسك باتفاقيات ترسيم الحدود البحرية والأمنية المبرمة بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية قد يضر بالعلاقات المتأزمة بين أنقرة وأثينا قال أقطاي: "قد تؤثر الاتفاقيات على العلاقات بين أنقرة وأثينا حيث هناك عدم انسجام بين طروحات تركيا واليونان".وأضاف: "قد تؤدي الاتفاقيات المبرمة بين أنقرة وحكومة الوفاق الليبية إلى إجراء محادثات مثمرة وبناءة بين أنقرة وأثينا".

ويبدو ان مسلسل استغلال تركيا للخلافات الأوروبية للسيطرة على ليبيا ومد اذرعها في المنطقة بات مفضوحا مع مساعي لتطويق أطماع انقرة.ففي تقرير نشرته صحيفة "لوبينيون" الفرنسية، الأربعاء 14 ابريل 2021،اكدت فيه أن فرنسا تسعى إلى استعادة المبادرة في ليبيا من خلال تجاوز خلافاتها مع الشركاء الأوروبيين حول الملف الليبي، وقطع الطريق أمام تمدد النفوذ التركي هناك.

وقال التقرير، إنّ "باريس تحاول اليوم إنهاء خلافاتها مع ألمانيا وإيطاليا حول النهج الذي سيتم اتخاذه في ليبيا، ومن المتوقع أن يصل بول سولير، مستشار الرئيس إيمانويل ماكرون حول الملف الليبي، إلى روما للقاء السلطات المسؤولة عن هذا الملف".

ونقل التقرير عن المستشار سولير قوله، إنّ "فرنسا ترغب في إيجاد تعاون مع إيطاليا للتأثير على أسواق إعادة الإعمار في ليبيا، وبالتالي مواجهة التأثيرات الروسية والتركية".كما نقل التقرير عن غسان سلامة، المبعوث الخاص السابق للأمم المتحدة إلى ليبيا، قوله إن "فرنسا وإيطاليا ودول أوروبية أخرى بالغت في تقدير نفوذها في ليبيا".

وتتجاهل تركيا تماما الدعوات الدولية والإقليمية والأممية لإنهاء تدخلاتها في ليبيا بعد التقدم السياسي الحاصل في بلد عانى طيلة عقد من الصراعات المسلحة.ورغم أن عددا من الدول المتدخلة في ليبيا عبرت عن التزامها بإنهاء تدخلها وبدأت تقوم بخطوات ايجابية في هذا الجانب لكن أنقرة لا تزال تناور مواصلة سياسة التدخل ما يهدد بنقض التفاهمات الليبية الليبية وعودة البلاد إلى مربع العنف.

وسبق ان خالفت تركيا الاتفاقات والقرارات الدولية وتجاوزت تعهداتها السابقة بعدم التدخل في ليبيا،وذلك سعيا وراء اطماعها في نهب الثروات الليبية لترميم اقتصادها المتهالك جراء سياسات اردوغان العدائية التي جعلت بلاده في مرمى العقوبات الدولية والازمات الداخلية والاقليمية. ويشير مراقبون الى أن التطورات الليبية والاقليمية والدولية دفعت انقرة الى التراجع قليلا عن سياستها العدوانية لكن التزامها بذلك يبقى محل شكوك.