بأداء الرئيس المنتخب عبدالفتاح السيسي اليمين أمام المحكمة الدستورية أمس، خطت مصر أولى خطوات تعافيها سياسيا، بعد فترة ارتباك داخلي، سادتها أعمال عنف وإرهاب متعددة، وضغط خارجي كاد يؤدي إلى صدام بين القاهرة وعدد من العواصم الإقليمية والدولية.

وقد جرت مراسم أداء اليمين في مقر المحكمة الدستورية جنوب القاهرة، وحظيت برعاية أمنية فائقة، حيث تمركزت سبعة تشكيلات أمن مركزي (قوات مكافحة الشعب) عند المحكمة، واعتلى عدد من القناصة سطح المحكمة ومستشفى القوات المسلحة بالمعادي المواجه لمقر المحكمة، فضلا عن وجود 179 ضابط مفرقعات، وإحكام السيطرة على الطرق وتغيير اتجاه سير السيارات، وقد استفادت أجهزة الأمن من العطلة الرسمية التي منحتها الحكومة للعاملين أمس (الأحد)، في أداء مهمتها التي تبدو غالبا صعبة في الأيام العادية.

وبعد أداء اليمين جرى حفل استقبال رسمي للضيوف في قصر الاتحادية، وحظيت وثيقة التسليم التي وقعها منصور والسيسي باهتمام بالغ، لأنها أول وثيقة مصرية من هذا النوع، ما يعزز الانطباعات الإيجابية حول الفترة المقبلة، وأن السيسي عازم على أن يكون قائدا مختلفا.

وقال السيسي إن مصر ستعمل على “تعويض ما فاتنا” في أول كلمة له كرئيس للبلاد، مؤكدا “إنني أعتزم أن تشهد مرحلة البناء المقبلة بمشيئة الله تعالى نهوضا شاملا على المستويين الداخلي والخارجي لنعوض ما فاتنا ونصوب أخطاء الماضي. سنؤسس لمصر المستقبل دولة قوية محقة عادلة سالمة آمنة مزدهرة تنعم بالرخاء، تؤمن بالعلم والعمل وتدرك أن خيراتها يتعين أن تكون من أبنائها ولأبنائها”.

وقال مراقبون إن استقبال القاهرة لعدد كبير من الرؤساء والملوك والأمراء والسفراء والمسؤولين في دول مختلفة، عكس قدرا وافرا من الاستقرار الأمني في مصر، وأعطى انطباعات أن الدولة تعافت أمنيا بصورة واضحة، وأن تهديدات الإخوان وأنصارهم من المتشددين المقبلة ستفقد معناها، وسيتم حصرها في نطاق المشاغبات الإعلامية والمضايقات السياسية، لأن جهازي الشرطة والجيش أثبتا كفاءة عالية ونجحا في إدارة حفل التنصيب بطريقة محترفة.

وأضاف المراقبون أن أبرز الملاحظات هي الحضور الخليجي القوي في جلسة تأدية اليمين، وهو حضور مهم خاصة أن دولا مثل الإمارات والسعودية والكويت دعمت مصر ماليا ودبلوماسيا منذ الثلاثين من يونيو.

وأعلن ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد الذي حضر أمس مراسم التنصيب أن دولة الإمارات “ماضية في دعم مصر خلال المرحلة المقبلة التي تسعى فيها إلى ترسيخ ركائز الاستقرار وتعزيز مقومات النمو”، جاء ذلك في تصريحات له خلال اطلاعه على عرض قدمه فريق المكتب التنسيقي للمشاريع التنموية التي تنفذها الإمارات في مصر.

من جانبه، أكد نائب العاهل السعودي الأمير سلمان بن عبدالعزيز الذي مثل السعودية في مراسم التنصيب أن المملكة ستبقى حكومة وشعبا تقف جنبا إلى جنب مع مصر الشقيقة في الشدة والرخاء.

وأعرب عن أمله أن يكون انتخاب السيسي “إيذانا بدخول مصر في عهد جديد” ، وقال :”إنه يوم فاصل بين مرحلتين، بين الفوضى والاستقرار، ولا تبني الأمة مستقبلها ولا تقيم عزتها دون استقرار”.

يشار كذلك إلى أن مراسم التنصيب شهدت حضور أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وكذلك عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ومبعوث شخصي للسلطان قابوس سلطان عمان.

وأوضح أحد السفراء الأوروبيين في القاهرة لـ”العرب” أن تنصيب السيسي رئيسا لمصر في أجواء هادئة، أسقط البقية الباقية من شعارات الإخوان، التي لوحت بأن يوم تنصيبه لن يمر مرور الكرام، مضيفا أن تولي السيسي دفة الحكم في ظل حضور عربي وأفريقي ودولي لافت، كشف عن استعداد المجتمع الدولي للتعامل مع الرئيس المصري، وفتح صفحة جديدة.

واستشهد السفير بترحيب الاتحاد الأوروبي نفسه بانتخاب السيسي، وعزمه على التعاون معه خلال الفترة المقبلة، وتقديم أنواع مختلفة من الدعم، مؤكدا أن استعداد صندوق النقد الدولي لمساعدة مصر، في ظاهره اقتصادي، لكن في جوهره يحمل رسالة من القوى الدولية الفاعلة في الصندوق، ويبدو دليلا آخر على عدم وجود ممانعات قوية أمام مصر خلال الفترة المقبلة.

وبدت درجة تمثيل الوفود الغربية في نظر بعض المراقبين دون المستوى، وهو ما اعتبره أحمد فؤاد أنور الخبير في الشؤون الإقليمية والدولية، مسألة طبيعية، في ظل التوجس الذي تحمله بعض الدول الغربية لتوجهات السيسي، لكن أجواء التسليم الهادئة ستكون حافزا لتغيير الموقف الأوروبي خلال الفترة القادمة.

واعتبر أنور في تصريح لـ”العرب” أن مجرد الحضور في هذه الظروف يعد أمرا جيدا، لأن بعض القوى الغربية أعلنت من قبل انحيازها للإخوان ضد السيسي، ولم تكن راغبة في ترشحه أصلا.

لكن أنور لفت الانتباه إلى حجم التمثيل العربي والأفريقي الرفيع، ما يعتبر دليلا على الدور المنتظر لمصر على هاتين الساحتين، ومدى الترحيب به من قبل العرب والأفارقة، مضيفا أن قراءة حفل التنصيب بعين فاحصة تؤكد أن مصر تمضي على طريق التعافي السياسي.

 

*نقلا عن العرب اللندنية