حتى مع تصعيد القوى الأجنبية الضغط على "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق ، تمكن التنظيم من التوسع في ليبيا وإقامة قاعدة جديدة قريبة من أوروبا حيث يمكنه فيها جني عائدات النفط والتخطيط لهجمات إرهابية.
ومنذ الإعلان عن وجودها في شهر فبراير في سرت ، أصبحت المدينة الليبية الواقعة على البحر المتوسط أول مدينة يحكمها داعش خارج سوريا والعراق. وتنامى التنظيم في سرت على مدى العام الماضي من حوالي 200 مقاتل إلى وحدة قوية من 5000 مقاتل معززة بمتصرفين إداريين وماليين ، وفق مصادر في المخابرات الليبية وسكان وناشطين في المنطقة.

استغل التنظيم الانقسامات العميقة في ليبيا التي بها حكومتان متنافستان، لإقامة معقله الجديد على أساس العنف الديني المتشدد ، وذلك على مرمى السواحل الإيطالية. وعلى طول الخط ، حقق التنظيم سلسلة انتصارات ، بهزمه واحدة من أقوى القوى في البلاد وسحقه بشكل سريع ثورة شعبية محلية.
وقد أصبح جيران ليبيا على قدر متزايد من القلق. تونس أغلقت حدودها لأسبوعين الأربعاء الماضي، يوما بعد تبني داعش الهجوم الانتحاري على حافلة في العاصمة التونسية ،والذي أودى بحياة 12 من الحرس الرئاسي.

كما أن تونس بصدد إقامة سياج على ثلث الحدود لوقف تدفق المتشددين بين البلدين. هكما أن هجومين سابقين شهدتهما تونس هذا العام خلفا مقتل عشرات السياح وكانا من تنفيذ مسلحين قالت الحكومة التونسية إنهم تلقوا تدريبهم في ليبيا على يد داعش الذي جند مئات التونسيين ضمن صفوفه.

ازدهار عمليات التنظيم في ليبيا ، يظهر مدى قدرة داعش على التأقلم حتى مع استهدافه بغارات روسية وفرنسية وأميركية في سوريا وبعمليات برية كردية وعراقبة في العراق.
في ليبيا ، تجاوز تنظيم داعش تحديات طرحتها تشكيلات محسوبة على الحكومة وسحق انتفاضة في سرت داعيا إلى التحاق مجندين يملكون المعرفة التقنية لتشغيل المنشأت النفطية.
ويخشى مسؤولون ليبيون أن تكون محاولات داعش السيطرة على المزيد من المنشآت النفطية مسألة وقت فقط لنفخ مداخيله بعائدات قد تمول هجمات على أوروبا والشرق الأوسط.

سرت تعد بوابة لعدد من حقول النفط الأساسية في الشرق وقد استهدف التنظيم هذه المنشآت في العام الماضي.
"لا يخفون نيتهم" يقول إسماعيل شكري رئيس المخابرات العسكرية في المنطقة التي تشمل سرت "إنهم يريدون نقل المعركة إلى روما".
وتستفيد داعش من مشكلة أضعفت أكثر سيطرة الحكومة في ليبيا.

ولعام تقريبا ، أشارت القوى الأوربية وأمريكا إلى داعش باعتباره تهديدا لحث الفرقاء السياسيين على تقاسم السلطة. ورغم الإعلان عن مسودة الاتفاق تحت إشراف الأمم المتحدة ، لم يبادر أي من الفريقين إلى تنفيذ مقتضياتها.
وقد تم تعيين مبعوث جديد مارتن كوبلر هذا الشهر لتجاوز الجمود في المشهد الليبي على أمل إيجاد حل سياسي يحول دون تمدد المتشددين.

"ليس لدينا دولة حقيقية. لدينا حكومة مجزأة" يقول فتحي باشا أغا وهو سياسي من مدينة مصراتة شارك في مفاوضات الأمم المتحدة ، متابعا: "كل يوم نتأخر في التوصل لتسوية سياسية ، يشكل فرصة ذهبية لتنظيم داعش للنمو".
مقاتلو داعش تمكنوا من قتل وهزم فصائل ليبية مسلحة مختلفة، بما فيها ميليشيات مصراتة القوية والتي كانت قوة ضاربة في الثورة التي أطاحت بنظام الديكتاتور معمر القذافي في 2011. مصراتة الواقعة على بعد 150 ميلا غرب سرت تعرضت في الأونة الأخيرة لهجمات متفرقة من داعش.
ويقول أعضاء ميليشيا مصراتة الخاضعين لسيطرة حكومة طرابلس إنه ينقصهم الدعم الضروري للهجوم على تنظيم داعش. وقد أجبر حكومة طرابلس مطلع هذا الشهر ميليشيات طرابلس على عملية تبادل سجناء مذلة مع تنظيم داعش.
"لن يكون هناك عمل ذا معنى بلا اتفاق سياسي. عليك أن تعرف أنك ذاهب للحرب مع حكومة ستدعمك" يقول عبد الله النجار، وهو قائد ميداني في الكتيبة 166 ، وتعد من نخبة ميليشيات مصراتة التي خاضت مطلع هذا العام صراعا طويلا مع تنظيم داعش على مشارف سرت.

هذا الشهر ، وفي عملية تظهر القلق من تمدد التنظيم ، نفذت الولايات المتحدة أولى عملياتها ضد داعش خارج سوريا والعراق. مسؤولون يعتقدون أن الغارة قتلت واحدا من أهم مساعدي زعيم داعش أبو بكر البغدادي. نبيل الأنباري أُرسل العام الماضي إلى ليبيا لتأثيث حضور داعش فيها.
وفي الأسابيع الأخيرة ، وصلت إلى سرت أمواج من المقاتلين الأجانب وعائلاتهم ، في مؤشر آخر على أن التنظيم ينعم بوضع مريح في قاعدته الشمال افريقية ، وفق سكان وناشطين من سرت ومسؤولين عسكريين ليبيين.
وقد دعا تنظيم داعش في الآونة الأخيرة مجنديه إلى السفر إلى ليبيا بدل الدخول إلى سوريا كما تم توطين المقاتلين الليبيين الموجودين في سوريا والعراق داخل ليبيا.

"سرت لن تكون أقل من الرقة" عبارة يرددها التنظيم خلال خطاباته المذاعة في سرت. وعلى غرار التنظيم الأم في سوريا، عينت داعش "أمراء أجانب" للإشراف على "المراقبة الاجتماعية"، بمعنى التأكد من حظر الموسيقى والتدخين والانترنت فيما يسمح للنساء بالخروج فقط تحت غطاء كامل. كما تم نشر دوريات للشرطة الأخلاقية عليها شعار داعش إلى جانب إقامة محاكم للشريعة وسجون ايضا.
ومطلع هذا الشهر ، أعاد تنظيم داعش فتح مدارس سرت بعد فصل التلاميذ على أساس الجنس وفرض مناهج من وضعه. وفي أيام الجمعة ، ينظم التنظيم تجمعات في الميادين يجبر السكان على الذهاب إليها لمتابعة عمليات إعدام وجلد من يعارض قوانين التنظيم.

وقد أصبحت المستشفيات خالية بعد مجيء داعش وفصل الذكور عن الإناث. وعلى المرضى أن يسافروا أميالا للعلاج في مدن أخرى، وهي رحلة غالبا ما يتخللها تحقيق صعب ومباحث في نقاط التفتيش التي يضربها التنظيم على طول الطريق.
"لا خدمات ، فقط العقاب" يقول عمر، وهو مهندس مدني يبلغ من العمر 33 عاما فر من سرت خلال الانتفاضة الفاشلة ضد داعش، ليخلص إلى القول : " سرت سقطت في عصر الظلام".

ورغم التحديات، تخطط داعش مخططات كبيرة لسرت. فقد نشرت الطبعة الأخيرة من مجلة التنظيم الدعائية "دابق" حوارا مع أبو المغيرة القحطاني الذي وُصِف بأنه ممثل الخليفة المعين في ليبيا. وقد تعهد باستخدام موقع ليبيا الجغرافي واحتياطاتها النفطية لضرب استقرار أوروبا واقتصادها. "إن سيطرة "الدولة الإسلامية" على هذه المنطقة سيؤدي إلى انهيارات اقتصادية" يقول القائد الداعشي " خاصة لإيطاليا والدول الأوروبية".