ما إن توعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العراقيين بعقوبات "لم يروا مثلها سابقًا"، حتى عاد هؤلاء بالذاكرة إلى أيام الحصار في حقبة نظام صدام حسين وما عانوه خلالها من معاناة وعوز شديدين.
يقول هشام عباس في أحد شوارع بغداد التجارية، "إذا فرضت الولايات المتحدة عقوبات على العراق، سينهار الدينار ونعود إلى الماضي، إلى زمن الحصار".
وقال الرئيس الأمريكي ردًا على قرار البرلمان العراقي تفويض رئيس الوزراء بإنهاء تواجد القوات الأجنبية في البلاد "إذا طلبوا منا بالفعل أن نغادر وإذا لم يتم ذلك وديًا، فسنفرض عليهم عقوبات لم يروا مثلها سابقًا".
وجاء قرار مجلس النواب العراقي بعد دعوات في أعقاب اغتيال واشنطن للجنرال الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في بغداد.
وأشار ترامب إلى أن العقوبات التي هدد بفرضها على العراق ستجعل من تلكَ المفروضة على إيران ضئيلة مقارنة بها.
وفرضت الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها حظرًا مشددًا على العراق، إثر اجتياح نظام صدام حسين في صيف العام 1990 دولة الكويت الغنية بالنفط بهدف احتلالها، بذريعة كونها المحافظة العراقية الـ19.
وكان رد التحالف الدولي آنذاك قاسيًا عبر طرد القوات العراقية التي عادت أدراجها سيرًا على الأقدام، أعقبها حصار شديد على العراق استمر حتى سقوط نظام صدام حسين بغزو أمريكي في العام 2003.
أجبر العراق، في ظل الحصار على خفض الناتج المحلي الإجمالي إلى النصف وإغلاق عشرات المصانع، واليوم يعاني هذا البلد الذي تعيش بناه التحتية انهيارًا شبه كامل، آفة الفساد.
ويشكل الاستهلاك جزءًا حيويًا من حياة العراقيين الذين يبلغ عددهم 40 مليون نسمة، خصوصًا مع أجهزة كهربائية مختلفة وهواتف محمولة وأجهزة كمبيوتر متعددة في كل منزل.
ويرى مراقبون أن تبعات العقوبات الاقتصادية في حال تطبيقها هذه المرة، ستكون أكثر خطورة.
وذكر دبلوماسي أمريكي قبل أشهر في بغداد، بأن واشطن تدرس مسألة الموارد المالية للعراق.
وقال هذا الدبلوماسي، إن "العقوبات ممكنة، كذلك الحد من تدفق الأموال إلى العراق، لكن ذلك سيكون الضربة القاضية".
ويبدو أن هذا الخيار مطروح على طاولة الرئيس الأمريكي الذي توعد أيضًا بقصف المواقع الثقافية في إيران.
يقول سامر البغدادي الملتحي، إنه إذا حصل ذلك فإن "الوضع سيكون كما كان في عهد صدام حسين، بل أسوأ" منه.
ويضيف هذا الشاب بنبرة قلقة "لن يكون هناك سيولة في البلد"، وخصوصًا أن قيمة الدينار تدهورت خلال أعوام الحصار بين 1990 و2003.
ويبقى الدولار العملة الحيوية في العراق، ثاني أكبر الدول المنتجة للنفط في منظمة أوبك، ويشكل الذهب الأسود 90% من موازنة البلاد، والممول لرواتب ملايين العراقيين.
يعاني العراق نقصًا مزمنًا في الطاقة، وتسمح واشنطن حتى الآن لبغداد باستيراد ما تحتاج إليه من إيران لتوفير ساعات إضافية من التغذية يوميًا.
وبدأ التخوف واضحًا عبر تحذير رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي خلال تصويت مجلس النواب الأحد، من أن التعرض للعقوبات الاقتصادية لن يؤدي إلا إلى تفاقم مشكلات العراق، حيث يعيش واحد من كل 5 أشخاص تحت خط الفقر، ويعاني واحد من كل 4 شبان البطالة.
وبالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي قد تفضي اليها عقوبات ترامب، تواجه الولايات المتحدة ردود فعل سلبية على غرار إيران التي يتسع نفوذها في البلاد.
ويقول الباحث في العلاقات الدولية كريم بيطار، إن "العراقيين يشعرون بالإهانة فعلًا من التصريحات الأخيرة لدونالد ترامب بخصوص المطالبة بتعويض".
وقال ترامب في الطائرة الرئاسية "إير فورس وان" بينما كان عائدًا إلى واشنطن بعد عطلة استمرت أسبوعين في فلوريدا "لدينا قاعدة جوّية باهظة الكلفة بشكل استثنائي هناك. لقد كلفت مليارات الدولارات لبنائها. لن نغادر إذا لم يعوضوا لنا" كلفتها.
ويصف بيطار ذلك بـ"الأمر المثير للدهشة، ويذكرنا بمطالبة ترامب المكسيكيين بدفع ثمن الجدار" على حدودهم مع الولايات المتحدة.