احتلت ليبيا على مدار الأيام القليلة الماضية صدارة المشهد على الصعيدين الإقليمي والعالمي ولا تزال، منذ أن تفجرت الأوضاع في العاصمة طرابلس مع إندلاع إشتباكات عنيفة بين الميليشيات المسلحة المسيطرة على امدينة،وهو ما أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا بين قتيل وجريح إضافة إلى خسائر مادية كبيرة.
وتعيش ليبيا، في الفترة الأخيرة حالة من الاستنفار الأمني، نتيجة ما يجري بها من اشتباكات عنيفة وسيطرة من قبل الميليشيات المختلفة على العديد من المناطق بالعاصمة الليبية طرابلس،ناهيك عن هجمات "داعش" التي تستهدف البوابات الأمنية،والتي تكررت مؤخرًا في العديد من مناطق الدولة المختلفة، وسط مخاوف من إمكانية أن يستعيد التنظيم قوته في ظل الانقسام السياسي والمؤسساتي بالبلاد.
** سلامة يحذر
وفي ظل الإشتباكات المسلحة في طرابلس والتي عمقت الخلافات بين الفرقاء وزادت من حدة الفوضى في البلاد، تتصاعد التحذيرات من خطر تواصل غياب الأمن الذي تسعى التنظيمات الإرهابية لإستغلاله لإعادة الإنتشار في البلاد ومد أذرعها فيها أسوة بما فعلته خلال السنوات الماضية.
وفي هذا السياق،حذّر غسان سلامة، رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا "أنسميل"، من أن "داعش" بدأ يوسع عملياته في ليبيا، وقال إنها قد تتحول إلى ملاذ جديد للجماعات المتطرفة,في ظل تباين واضح بشأن الأولويات، وفي مقدمتها موعد إجراء الانتخابات التشريعية الليبية، المحددة مبدئيًا في العاشر من ديسمبر /كانون الأول المقبل، وأولويات المرحلة الراهنة.
وأوضح سلامة لأعضاء مجلس الأمن، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، أن "الوضع الراهن في ليبيا لا يمكن الدفاع عنه"، داعيًا أعضاء المجلس إلى المساعدة في معالجة "التهديد الذي يلوح في الأفق" بسبب انتشار الجماعات المتطرفة، ودعم الإصلاحات الاقتصادية وجهود النهوض بالعملية السياسية، والتحرك نحو إجراء الانتخابات. و طالب بمحاسبة المجموعات التي تنتهك وقف النار الأخير في ضواحي العاصمة طرابلس، مشددًا على أن الأمم المتحدة لن تسمح بتكرار ما حدث عام 2014
وأضاف غسان أن العنف الذي شهدته طرابلس منذ 26 أغسطس /آب أدى إلى مقتل 61 ليبيًا، بينهم مدنيون وأطفال، وجرح 159 آخرين، فيما أجبر الكثيرين على الفرار، بالإضافة إلى"انتشار أعمال النهب والجريمة وخروج العصابات إلى الشوارع، وفرار مئات المجرمين من السجن". موضحًا أن "المهاجرين حوصروا في مراكز الاعتقال، فيما تمكن آخرون من العودة إلى الشارع، وأصبحت المدينة على شفا حرب شاملة".
** إيطاليا تؤكد
تحذيرات المبعوث الأممي حول خطر الجماعات الإرهابية في ليبيا،دعمها وزير الخارجية الإيطالي إينزو موافيرو ميلانيزي،الذي أكد أن الخطر الأكبر والذي يتهدد الجميع في ليبيا يتمثل في المجموعات المتطرفة.
ونقلت وكالة آكاي الإخبارية عن ميلانيزي أن "المجازفة تكمن بأن يشكل (التطرف) شيئا خطيراً للغاية"، مبينا أن "هذه ليست هي الحالة، وأريد أن أتجنب سوء الفهم، لكننا لا نغض نظرنا"، فـ"هناك عدو للجميع في ليبيا، وهو عدونا وربما عدو ليبيا نفسها، بل وكذلك عدو أولئك الذين لا يدركون هذا الأمر، بدءاً من المجتمع الدولي".
وأكد وزير الخارجية في جلسة استماع بمجلس النواب الإيطالي،الخميس 06 سبتمبر 2018، أن "الخطر هو التطرف والأصولية"، مبينا أن "الأمر لا يقتصر على مسألة الندّية، المشاحنات والتنافس مع هذا البلد الأوروبي أو ذاك، أوغياب أو حضور الاتحاد الأوروبي، والذي "أقوله بصراحة، بقلب غير سعيد بشكل خاص"، حيث "يمكن قول أي شيء، عدا إنه حاضر في سيناريوهات الحرب كإتحاد"، كما أن "المسألة لا تتعلق حتى بهذا الفصيل أو ذاك".
من جهتها،أكدت وزير الدفاع الإيطالية، إليزابيتا ترينتا، أن لإيطاليا أدواراً رائدة في ليبيا، وتعتزم الاستمرار في لعب هذه الأدوار.وأشارت الوزيرة الإيطالية،بحسب وكالة "آكي" الإيطالية، خلال جلسة استماعٍ أمام لجنتي الخارجية والدفاع، بمجلسي النواب والشيوخ، إلى أن استقرار ليبيا يُعد أمراً أساسياً بالنسبة لبلادها، من أجل السيطرة على تدفقات الهجرة، ومواجهة الإرهاب الذي يتخذ من المناطق المضطربة ملاذاً لهُ، فضلاً عن تأمين الطاقة.
** مخاوف تونسية
على صعيد آخر،وفي ظل الحديث عن فرار عدد كبير من المساجين من بينهم عناصر متهمة بالانتماء إلي مجموعات إرهابية،خلال إشتباكات العاصمة طرابلس،قامت الوحدات الأمنية والعسكرية التونسية برفع درجة تأهبها على مستوى الرسم الحدودي وذلك بتكثيف دوريات المراقبة برا وجوا إثر فرار عدد من المساجين من السجون الليبي.
ونقلت "الجوهرة اف ام"،عن مصادر أمنية تأكيدها أن مختلف التشكيلات الأمنية على أتم الاستعداد للتصدي لأي طارئ يحدث و يمس بسلامة وأمن البلاد خاصة بعد فرار المساجين وإمكانية تسللهم نحو الأراضي التونسية.
من جهته،أكد وزير الداخلية التونسي هشام الفراتي، الجمعة 07 سبتمبر 2018 ، في تصريح للصحفيين بمناسبة الذكرى 62 لتأسيس سلك الحرس الوطني في تونس،"إن قوات الأمن التونسية مستعدة لمواجهة خطر هروب الإرهابيين الفارين من السجون الليبية إذا فروا إلى تونس".
وأضاف وزير الداخلية التونسي،"إن تونس تعاني بما يأتي من وراء الحدود الليبية، وأن الوحدات الأمنية دائمًا على أهبة وعلى استعداد لصون حدودهم وتأمين البلاد".مؤكدا على "إن اليقظة والحذر شعارهم، خاصة الاستباق من خلال استشراف ما يمكن حدوثه من خلال الحصول على المعلومة قبل حصولها".
وتتخوف الحكومة التونسية من لجوء عدد من السجناء المتهمين بقضايا إرهاب إلى البلاد، خصوصًا أن عددهم من التونسيين المحتجزين بسجون ليبيا أكثر من 300 سجين.
وعانت تونس خلال السنوات الماضية من هجمات ارهابية، أبرزها اعتداءين على المتحف الوطني ومنتجع سياحي في تونس.وقُتل في الاعتداءين اللذين أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) مسؤوليته عنهما العام 2015 ، 59 سائحاً أجنبياً،وقال مسؤولون تونسيون إن المهاجمين تدربوا في ليبيا.
** مؤشرات
وعلى الأرض،تتعدد المؤشرات الدالة على خطر التنظيمات الإرهابية وإستغلالها لحالة الفوضى في البلاد.فبالتزامن مع إندلاع الإشتباكات في العاصمة الليبية،تحركت العناصر الإرهابية في مناطق أخرى،حيث رصدت جهات أمنية في الغرب الليبي تحركات لعناصر من تنظيم "داعش" على أطراف مدينة سرت الساحلية، الواقعة في وسط الساحل الليبي بين العاصمة وبنغازي. وأثار ذلك مخاوف من أن التنظيم المتطرف يسعى لإعادة التمركز ثانية في المدينة التي تم تحريرها قبل قرابة عامين، مستغلاً حال الاقتتال بين الميليشيات المسلحة في طرابلس.
وكانت قوة تأمين وحماية سرت قد أعلنت خلال الأيام الماضية عن رفع درجة التأهب الأمني إضافة لتسيير دوريات أمنية، ووضع أخرى ثابتة، تحسبًا لأي طارئ.وياتي ذلك بعد رصد تحركات لتنظيم "داعش" الإرهابي. ولفتت قوة حماية سرت، إلى أن جميع وحداتها العسكرية ستبقى في أماكنها على الدوام.
وشهدت ليبيا هجمات إرهابية كان آخرها،التفجير الذي استهدف مقر "الكتيبة 116" التابعة للقيادة العامة للجيش الليبى فى مدينة سبها جنوب البلاد،والذي جاء بعد أيام من هجوم استهدف بوابة كعام الأمنية الواقعة بين مدينتي زليتن والخمس شرق العاصمة طرابلس،وأسفر عن مقتل سبعة أشخاص وإصابة عشرة آخرين من عناصر الأمن المكلفين بحماية البوابة.
وسارع تنظيم "داعش" الإرهابي،إلى الإعلان عن مسؤوليته عن الهجوم، ووصف في بيان نشره عبر وكالة أعماق الذراع الإعلامي للتنظيم،جنود البوابة الأمنية بـ"الطواغيت التابعين لحكومة الوفاق المرتدة"، مشيراً إلى إنه أدى إلى مقتل سبعة منهم وجرح عشرة أخرين.
وهذا الاعتداء الذي يعد الأول في غرب ليبيا منذ الهجوم على مقر مفوضية الانتخابات بمطلع مايو الماضي، أجبر السلطات الليبية على إعلان حالة النفير العام، وذلك لمواجهة تقدم "داعش"، حيث طلبت وزارة الداخلية الليبية من المواطنين ضرورة التعاون مع رجال الأمن والتبليغ عن الأعمال المشبوهة والخروقات الأمنية، إلى جانب إعلانها حالة استنفار أمني قصوى بالبلاد.
وتزامن تكثيف العناصر الإرهابية لتحركاتهم في ليبيا،مع دعوة أطلقها زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبوبكر البغدادي لأتباعه الإرهابيين للنفير إلى ليبيا والعراق وسوريا وغيرها من بؤر التنظيم تمكيناً لمايسميها الدولة الاسلامية.وجاء حديث البغدادي فى تسجيل صوتي مطول بثه التنظيم، الاربعاء 22 أغسطس 2018،عبر وكالة الفرقان أحد الأذرع الإعلامية للتنظيم.
وعزا المراقبون ظهور عناصر من "داعش" في مناطق جنوب سرت، إلى الاقتتال بين الميليشيات المسلحة في العاصمة،مشيرين إلى إن الجماعات الإرهابية تسعى دائمًا إلى استغلال الاشتباكات وحالة الغياب الأمني في البلاد، للبحث عن تمركز جديد بعد خسائرها السابقة وخاصة في معاقلها الرئيسية في سرت وبنغازي وآخرها في مدينة درنة التي حررها الجيش الوطني الليبي.
وتشير العديد من التقارير إلى أن تنظيم "داعش" بات يتمركز بقوة في جنوب البلاد، وعلى الأطراف الصحراوية لليبيا، ويسعى جاهدًا للعودة إلى وسط وغرب البلاد لتنفيذ عمليات انتقامية،وسبق أن أكدت قوات الاستطلاع في اللواء 12 مجحفل التابع إلى القيادة العامة للقوات المسلحة، رصدها لتحرك مجموعات إرهابية مسلحة قرب براك الشاطئ في سبها والجفرة.
وسبق أن حذرت الأمم المتحدة،الإثنين 13 أغسطس/آب،من إن أعداد مقاتلي داعش الارهابي المتبقين في ليبيا يتراوح بين ثلاثة وأربعة آلاف مقاتل موزعين في أنحاء متفرقة من البلاد.وذكر تقرير لخبراء أمميون، إن داعش الإرهابي لا يزال يملك القدرة على شن هجمات خطيرة داخل ليبيا وعبر الحدود، رغم خسارة معقله الرئيس في مدينة سرت إضافة إلى الضربات الجوية التي استهدفت مواقعه.وأرجع ذلك إلى زيادة قدرة التنظيم على استخدام تكتيكات قتالية غير متماثلة، وإلى استخدام أجهزة متفجرة وعبوات ناسفة، وفق ما نقلته جريدة "ذا تايم" الأميركية.
وإستغل "داعش" غياب الدولة الليبية،والانقسامات التي تعيشها منذ 2011،ليتغلغل في عدة مناطق من البلاد حيث جعَل منها في الفترة من 2015-2016 قلعةً له في شمال أفريقيا،واستولى على مدينة (سرت) في 2015،وتمدد في عدة مناطق أخرى.وخلال هذه الفترة مارس التنظيم أبشع جرائمه في حق الشعب الليبي.
وتمكنت ليبيا من طرد التنظيم الإرهابي، من مدينة سرت الساحلية فى ديسمبر من العام 2016، على يد قوات "البنيان المرصوص" التابعة لحكومة الوفاق الليبية، والتى تعد من أكبر المعاقل للتنظيم في ليبيا، كما تم طردهم من بنغازي ودرنة وعدة مناطق أخرى على يد الجيش الوطني الليبي.ورغم كل هذه الهزائم فإن هناك العديد من المناطق، مازالت تعج ببقايا العناصر الإرهابية التي فرت من هنا وهناك لتشكل جيوبا تهدد بإراقة المزيد من الدماء.