ما تعيشه المنطقة المغاربية في الأشهر الأخيرة، يعتبر تحولا ملفتا لم تعرفه في السابق. صحيح أن العلاقات بين دوله كانت تحكمها جملة من الحسابات الخاصة، وعرفت حتى الفتور في بعض الفترات، لكن المتابع يعرف أن الفترة الأخيرة حملت تغيرات كبيرة تزامنت مع عاشته المنطقة منذ 2011، وخروج بعض الأنظمة السابقة من الواجهة وصعود أطراف جديدة تفاجأت بوجودها في الحكم وعجزت عن التعامل مع التحولات التي حصلت مما خلق حالة من الاضطراب بلغت في بعض الأوقات درجة كبيرة من التوتر، سواء في علاقة بالأزمة بين الجزائر والمغرب التي بلغت أقصاها عبر قطع العلاقات الدبلوماسية، سواء بين تونس وليبيا في ظل الخلافات حول فتح معبر رأس اجدير وملف الإرهاب وما خلفت، من تصريحات وتصريحات مضادة.


المغرب والجزائر... الأزمة نحو أقصاها

ربما التصعيد الأخير بين المغرب والجزائر إلى درجة قطع العلاقات الدبلوماسية، لم يكن متوقعا، لكن الحقيقة أن هناك خلافات تعود إلى أكثر من نصف قرن ولا أفق لحلها في المنظور القريب. بالنسبة إلى المغرب قضية الصحراء الغربية لا حوار حولها إلا فيما يحفظ وحدة المملكة، وكل الخيارات المطروحة الأخرى، لا يمكن حتى التفكير فيها، وهو عكس الموقف الجزائري الذي يرى كثيرون أنه منحاز لفكرة تقرير المصير بالنسبة إلى سكان الإقليم المغربي وهذا يعود إلى عشرات السنوات خلت مما جعل العلاقة دائمة البرود أو التوتر الذي كانت نتيجته عشريات من إغلاق الحدود البرية أمام مواطني البلدين.

وفي الوقت الذي تحاول أطراف إقليمية لعب دور المهدئ والمساعد على تحريك الملفات العالقة، تفاجأ العالم بإعلان جزائري يوم 24 أغسطس بقطع العلاقات الدبلوماسية من خلال تصريح لوزير الخارجية رمطان العمامرة حديث العهد بمنصبه العائد إليه، بسبب ما سماها أعمال عدائية، والقصد هنا تصريح ممثل المغرب في الأمم المتحدة حول فكرة استقلال منطقة القبائل بما ينسجم مع مواقف حركة "ماك" الانفصالية والتي تصنفها الجزائر منظمة إرهابية ويقيم قادتها في باريس أين يتلقون دعما من أطراف هناك.

الإشكالية الأخرى بين البلدين ظهرت مؤخرا في الاتحاد الإفريقي، حيث تحاول بعض الدول ومنها المغرب إلى منح كيان الاحتلال صفة مراقب فيه، وهذا ما تعتبره الجزائر استفزازا لمشاعر الجزائريين والعرب، وترفض فكرة منح العضوية. وفي الواقع في هذه المسألة حتى تونس البلد المغاربي الآخر يرفض وجود ذلك الكيان في الاتحاد الإفريقي الذي يعتبر مؤسسة عريقة كان للدول المذكورة دور أساسي في تأسيسه.


ليبيا وتونس.. المصالح أكبر من الخلافات الظرفية

قبل نحو شهرين اتخذت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا قرارا بإغلاق معبري رأس اجدير ووازن بناء على الوضع الصحي في تونس الذي شهد ارتفاعا قياسيا في الإصابة بفيروس كورونا. في تلك الفترة قالت مصادر تونسية إن القرار الليبي تم دون التنسيق مع السلطات التونسية، لكن تم تفهمه في إطار الاحتياطات من تأثيرات انتشار كورونا إلى الداخل الليبي.

لكن وبعد تراجع الإصابات في تونس وتوقع الجميع أن الأمور سائرة نحو فتح المعبر، وفي الوقت الذي أعلنت حكومة الوحدة في ليبيا عن تاريخ فتح المعابر البرية مع تونس، تفاجأ الجميع بقرار تونسي رافض لفتحه بطريقة خلفت ردة فعل في الجانبين. القرار التونسي فسّر بأنها ردّة فعل على الخطوة التي اتخذتها حكومة الدبيبة في البداية دون أي تنسيق مسبق مع تونس، لكنه أيضا تزامن مع تغيّر سياسي في تونس بعد الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد والتي جاءت حاملة لأخبار عن استهداف للرئيس التونسي عبر مجموعات تتكون من 100 عنصر موجودة على الأراضي الليبية.

فبعد أيام على اتخاذه قرارا بتجميد البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، تداولت وسائل إعلام تونسية أن الرئيس سعيّد مهدد بالاغتيال من طرف إرهابيين موجودين على الأراضي الليبية، بل إن صحيفة الأنوار التونسية توغلت في تفاصيل العملية من خلال معلومات خطيرة ومتداخلة، خلفت ردّة فعل من حكومة الدبيبة التي رفضت الاتهامات معتبرة أن الإرهاب دخل ليبيا عبر دول الجوار في إشارة إلى تونس. وقال الدبيبة في كلمة إلى الليبيين إنه لا يمكن لبلاده ان تقبل اتهامها بدعم الارهاب، أن "الإرهاب جاء إلى ليبيا من الخارج".

ما تناولته وسائل الإعلام التونسية فرض على الدبيبة أيضا إرسال وفد كبير للتشاور مع الجانب التونسي بشأن ما سماها "التهمة الغريبة" التي وجهت إلى ليبيا، في إشارة إلى ما جاء في برقية للإنتربول التونسي بخصوص "اعتزام نحو 100 عنصر إرهابي في القاعدة الجوية الوطية التسلل إلى تونس". وقد تم ذلك بالفعل خلال زيارة لوزيرة الخارجية نجلاء المنقوش التي بدت أكثر مرونة في حديثها عن القضية محاولة تلطيف الأجواء بتاريخية العلاقة بين البلدين وقوتها.

الجانب التونسي بدوره عبّر عن عدم رضاه لتصريحات رئيس الحكومة الليبية. وقد أصدرت وزارة الخارجية بيانا عبرت فيه عن استغرابها "من هذه الاتهامات ورفضها لها، مذكرا بأن أمن واستقرار ليبيا من أمن واستقرار تونس، ومذكرا، كذلك، أن بلادها مستهدفة بدورها بالإرهاب ولا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال قاعدة لتصديره أو مصدر لتسلل الجماعات الإرهابية إلى ليبيا، معتبرة أن التصريحات مجانبة للحقيقة".

لكن المتابع للعلاقة التونسية الليبية يعرف جيدا أن هذا التوتر لن يتجاوز أياما على اعتبار أن المصالح المشتركة والارتباط الاجتماعي يتجاوزان أي عقبة، وحتى الضغط الشعبي سينتهي في الأخير بإعادة الأمور إلى طبيعتها، وهذا عكس العلاقة المغربية الجزائرية التي تحمل سنوات من الخلاف التي قد تحتاج سنوات أيضا من أجل حلّه.

خلاصة القول إن علاقات دول المغرب العربي مازالت تحتاج تطويرا دائما تجعلها غير مرتهنة للخلافات وأمزجة الحكام، كما تحتاج اقتناعا أن قوة الإقليم مرتبطة بتجاوز الخلافات والتوجه نحو اتحاد مغاربي قوي قادر على تحصين نفسه من كل ضغط دولي سواء في ماهو سياسي أو ما هو اقتصادي.