بعد نجاح الجيش الوطني الليبي، في معركته ضد الإرهاب في شرق البلاد، تتواصل نجاحاته العسكرية والتي كان آخرها القبض على أخطر القيادات الإرهابية، المصري هشام عشماوي، الذي يعتبر العقل المدبر لأبرز الهجمات الإرهابية في ليبيا ومصر، والذي يوصف بأنه الصندوق الأسود للجماعات المتطرفة في المنطقة.
وألقت هذه النجاحات، الضوء من جديد على الأهمية الكبيرة التي تكتسيها المؤسسة العسكرية في إعادة الأمن والإستقرار للبلاد، التي مازالت تعاني من فوضى أمنية خاصة في العاصمة طرابلس التي تنتشر فيها الميليشيات المسلحة، ومناطق الجنوب الليبي حيث تواصل العصابات الإجرامية إنتهاك الأراضي الليبية.
** توحيد الجيش
وفي ظل هذه الأوضاع،عاد الحديث من جديد عن مسألة توحيد المؤسسة العسكرية الليبية،وكشفت تقارير إعلامية عن قرب استئناف الجهود في هذا الإطار في العاصمة المصرية القاهرة قريبا. وقال الباحث الليبي الدكتور فوزي الحداد، إن الجهود المصرية في توحيد المؤسسة العسكرية سوف تستأنف اجتماعاتها في القاهرة قريبا وقد تكون الأسبوع المقبل على أقل تقدير.
وأضاف الحداد في تصريحات لصحيفة "الدستور"، أن هذه الاجتماعات سوف تشهد توقيع الاتفاق النهائي لتوحيد المؤسسة العسكرية بحضور القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج.
وكان العميد أحمد المسماري،الناطق باسم القيادة العامة للجيش الوطني الليبي، قد أكد الأربعاء الماضي قرب استئناف محادثات توحيد المؤسسة العسكرية في القاهرة، دون أن يحدد موعدها، بالتوازي مع دعوة لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فايز السراج، الأسبوع قبل الماضي إلى ضرورة عودة جهود توحيد المؤسسة العسكرية.
وكانت القاهرة احتضنت مسار الحوار بين الضباط والعسكريين في المنطقة الشرقية والغربية منذ مطلع 2017، لكن مخرجات هذه اللقاءات بدأت تخرج للعلن منذ نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، ليعلن فايز السراج، لأول مرة في مارس/ آذار الماضي، عن تكليفه لضباط تابعين لحكومته ليكونوا الطرف الممثل للمنطقة الغربية في لقاءات القاهرة.
وتوقفت لقاءات القاهرة عند اللقاء السادس المنعقد في مارس/ آذار الماضي، والذي انتهى إلى تشكيل لجان فنية من ضباط المنطقتين لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية.وقالت تقارير إعلامية حينها أن الأطراف المجتمعة قطعت أشواطا مهمة ولم يتبق سوى تسمية القادة العسكريين في المناصب العليا من قبل السلطة التنفيذية ومن ثم الإعلان عن توحيد الجيش.
** تدخل أممي
ودخلت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا على خط جهود توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، وذلك مع وصول غسان سلامة المبعوث الأممي، ومساعدته ستيفاني وليامز إلى القاهرة، حيث أجريا محادثات مختلفة مع المسؤولين في مصر، يومي السبت والأحد، تطرقت إلى العديد من الملفات، وفي مقدمتها توحيد الجيش الليبي.
وخلال لقائه مع وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أشاد المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، بالجهود المصرية الخاصة برعاية مسار توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، معربا عن أمله في أن يؤدي ذلك المسار إلى تشجيع العمل على توحيد وإعادة بناء بقية مؤسسات الدولة الليبية الأخرى..
وبحسب وزارة الخارجية المصرية، أكد وزير الخارجية المصري، مواصلة القاهرة جهودها فيما يتعلق برعاية مسار توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، حيث أثبتت الاشتباكات العنيفة التي شهدتها طرابلس مؤخراً ضرورة التعامل مع ظاهرة انتشار المليشيات وأهمية بناء وتوحيد المؤسسات الأمنية الوطنية الليبية لتحقيق الاستقرار المنشود.
وقال مدير المركز الليبي للإعلام وحرية التعبير، إبراهيم بلقاسم،في تصريحات لوكالة "فرات للأنباء"،أن المبعوث الأممي غسان سلامة جاء إلى مصر بهدفين، الأول يتمثل في تأكيد دعمه لجهود مصر في توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، وذلك من أجل العمل على استئناف وتكثيف تلك التحركات، وهو ما بدى خلال لقاءه بوزير الخارجية المصري سامح شكري والمسؤولين المصريين.
أما الهدف الثاني بحسب "بلقاسم" فيتمثل في لقاء المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي من اجل التباحث حول مستقبل الاوضاع السياسية في ليبيا، وسيما مصير المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية في طرابلس، معتبرا أن الأيام المقبلة ربما تشهد تغيرات سياسية في هذا الصدد.
** الميليشيات
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية،يخشى البعض من أن تبوء الجهود المبذولة بالفشل بسبب الخلافات السياسية العميقة بين الأطراف في الشرق والغرب الليبي، ورفض المليشيات التخلي عن السلاح لصالح الجيش. ونقلت صحيفة "العرب" اللندنية،عن مصدر دبلوماسي،وجود حالة من عدم الارتياح لمواقف المبعوث الأممي إلى ليبيا، تشير إلى عدم رغبته في التخلص من هيمنة الميليشيات المسلحة على مؤسسات الدولة في طرابلس، وتحميل حفتر وحده مسؤولية استمرار حالة الانقسام بين الأطراف الليبية.
وأشار المصدر إلى أن البعثة الأممية "ترتكب أخطاء يمكن أن تنسف العملية السياسية، بعد تلويحها بعدم التمسك باتفاق الصخيرات، وتصميم غسان سلامة على تعديل رؤيته الخاصة بحل الأزمة، فضلا عن توجهات البعثة حيال ترويض الميليشيات المسلحة وإعادة تدويرها لشرعنة وجودها في العاصمة، وقطع الطريق على محاولات انخراط الجيش والشرطة في تأمين مفاصل الدولة بعيدا عن سيطرة الميليشيات.
من جهته،أكد رئيس مجموعة العمل الوطني الليبية خالد الترجمان، أن استئناف اجتماعات العسكريين في القاهرة وضم باقي العسكريين إليها، هو الحل الوحيد للأزمة، وضرورة الالتحاق بمؤسسة الجيش التي تتمركز في الشرق الليبي وتضم مقاتلين عسكريين وليس ميليشيات مسلحة.واتهم الترجمان في تصريحات لـ"العرب"، قيادة البعثة الأممية بدعم التشظي والإشكالات التي تواجه الأطراف الليبية، سواء كانت أمنية أو عسكرية أو سياسية، عبر وضع صيغة تضمن شرعنة الميليشيات المسلحة في طرابلس.
وأوضح الترجمان أنه يؤخذ على غسان سلامة ورفاقه الترحيب بتعيين وزير اقتصاد في حكومة الوفاق مؤخرا، مع أنه متورط في عملية اغتيال اللواء عبدالفتاح يونس وزير الداخلية الأسبق خلال أحداث 17 فبراير 2011، فضلا عن تقديم دعم أعمى لفايز السراج والميليشيات المسلحة وعرقلة عملية توحيد مؤسسة الجيش الوطني الليبي في القاهرة.
وتعاني المدن الليبية، وخاصة العاصمة طرابلس من سيطرة الميليشيات المسلحة التي تشكل خطرا كبيرا على حياة المدنيين خاصة في ظل احتدام الصراعات بينها حول النفوذ. وتتصاعد الانتقادات لحكومة الوفاق بسبب عجزها عن بسط سيطرتها تعوّيلها على الميليشيات التي أعلنت ولاءها لها،والتي مازالت في مرمى الاتهامات والشكوك.
وكانت القيادة العامة للجيش الليبي،أعلنت في بيان لها، الأحد،جاهزيتها الكاملة لتأمين أي عملية انتخابات في البلاد عبر حماية مراكز الاقتراع، وأن ذلك يأتي ضمن مسؤوليتها الوطنية والدستورية والقوانين واللوائح المنظمة لعمل المؤسسة العسكرية، لحماية المسار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة في ليبيا.
وتعاني ليبيا من فوضى الميليشيات،ناهيك عن أزمة الحدود التي تفرض تحديات كبيرة تتمثل في الإرهاب والهجرة غير الشرعية والتهريب. ويؤكد المراقبون، أن النجاح في توحيد المؤسسة العسكرية يعتبر ضامنا رئيسيا لتحقيق الإستقرر في البلاد،مما يساعد في تأمين المسار السياسي والعمل على إعادة تركيز مؤسسات الدولة.