أصبحت مطالبة رئيس الجمهورية المؤقت منصف المرزوقي ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر من منصبيهما اذا قررا الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة،مطلبا عاما تبنته مؤسسة الحوار وعدد متزايد من الأحزاب الوطنية التي تدفع الى تضمينه ضمن مشروع القانون الانتخابي الذي يتم تدارسه الان في لجان المجلس الوطني التأسيسي، لضمان تساوي الحظوظ بين كل الراغبين في الترشح للرئاسة وحتى لا يستعمل الرئيسان مؤسسات الدولة للدعاية لنفسيهما٠

ورغم أن لا الدستور ولا فقهاء الدستوري تعرضوا الى هذه المسألة فان خارطة الطريق التي نصت على منع أعضاء حكومة الكفاءات المستقلة من الترشح للانتخابات القادمة لم تطلب من رئيسي الجمهورية و التأسيسي الاستقالة من منصبيهما قبيل انطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية اذا رغبا في الترشح للمنصب٠

وإذا كان مصطفى بن جعفر عبر عن قراره تقديم استقالته عند قرار حزبه ترشيحه للرئاسية القادمة ، فان المرزوقي قال بصراحة وفي اكثر من مناسبة انه لن يستقيل من منصبه وانه لن يسلم كرسي الرئاسة الا لرئيس منتخب ٠

ويحتمل تصريح المرزوقي هذا قراءتين ، فإعلانه عدم الاستقالة من منصبه له سند قانوني لا يمنعه من تقديم ترشحه عند الاحتفاظ بمنصبه، آو انه قرر عدم الترشح ،دون أن يعلن ذلك رسميا ،وانه سينتظر الرئيس المنتخب الجديد لتسليمه العهدة، وهو آمر صعب التصديق ، خاصة وآن أصدقاء المرزوقي يعرفون هوس الرجل بالسلطة، وهو ما أعلنت عنه الأستاذة نزيهة رجيبة ، أم زياد، في تصريحات صحفية اضافة الى أن قيادات من حزب المؤتمر كانت صرحت أن المرزوقي سيكون مرشح حزب المؤتمر للرئاسة في الانتخابات القادمة ، ومنهم هيثم بلقاسم رئيس كتلة الحزب في التآسيسي وسمير بن عمر المستشار السابق لرئيس الجمهورية ، الذي يؤكد في كل تصريحاته أن المرزوقي له أوفر الحظوظ للفوز في الانتخابات القادمة٠

وفي المقابل فان المعني بالأمر لم يعلن الى الان ما اذا كان سيقدم ترشحه ام لا في الاستحقاق الرئاسي المقبل الذي سيدور قبل نهاية العام الحالي٠

 

دعوة قديمة:

 

وفي الحقيقة فان الدعوة الى استقالة المرزوقي من منصبه قبل تقديمه لترشحه في الانتخابات القادمة ليست جديدة ووليدة الشروع في اعداد القانون الانتخابي بل هي قديمة وتعود الى أشهر مضت ، وكان راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ، الحليف السابق لحزب المرزوقي ، أول من دعا اليها في الخريف الماضي ، خلال لقاء خاص معه في برنامج تلفزيوني على قناة " نسمة " قبل أن يثير منافسه المحتمل في الرئاسية ، الباجي قائد السبسي  رئيس حركة نداء تونس ، نفس الموضوع بدعوى ضمان شفافية الانتخابات٠

هذا المطلب تتقاسمه عديد الأحزاب الاخرى وأساسا التي ستقدم بمرشحين لها في الانتخابات القادمة على غرار " تيار المحبة " و الجمهوري و الجبهة الشعبية وحركة الجمهورية وحزب الإصلاح والبناء وحركة الشعب ٠٠٠٠٠

 

الاستقالة ام الإقالة؟

 

الذين يعرفون المرزوقي من قرب يقولون انه سيقبل بتقديم استقالته خلال بداية الصائفة المقبلة أي قبل الدعوة الى تنظيم الانتخابات وبعد إصدار القانون الانتخابي للهروب من الضغط السياسي والشعبي وللتفرغ الى إدارة حملته الانتخابية والقيام باتصالات مباشرة بالناخبين في كل الجهات ، وهو ما يقوم به كل منافسيه منذ فترة ، في حين ظل هو " حبيس" قصر قرطاج يتلقى غضب التونسيين من مبادرات مستشاريه والمقربين منه ، ومن آخطرها إصدار " الكتاب الأسود " والادعاء بإحباط انقلاب عسكري وأمني وسياسي ، وهي مبادرات حاولت تظهره في دور البطل الذي أنقذ البلاد من حمام دم و الارتداد الى مربع الفوضى والتقاتل ، وأيضاً  في جبة الثوري ، الذي تصدى الى منظومة العهد السابق وكشف أسماءها٠

هذه المبادرات التي حاولت آن تصنع للرجل ذي الصلاحيات المحدودة بعض المنجزات يفاخر بها في حملة الاستمرار في القصر ارتدت عليه ولم يصدقها أحد وان آكسبته بعض التعاطف من " الثوريين" الذين يحرصون على اجتثاث عناصر " الثورة المضادة " و" المنقلبين على الشرعية " وبعض الغاضبين من حركة النهضة ٠

اما اذا رفض المرزوقي الاستقالة فان إقالته ستكون يسيرة ، خاصة اذا أرادت النهضة  محاسبته على ما صدر منه ومن أعضاء حزبه ، ضدها في آكثر من مناسبة من اتهامات بالسيطرة على مفاصل الدولة والحكم بمفردها ٠٠٠٠

لكن هذا الخطوة التي قد يتم اتخاذها رغبة في تكافؤ الفرص وفي ضمان شفافية الانتخابات ، قد تدعم حظوظ المرزوقي ، خاصة اذا توفق في تسويق صورة الضحية الذي أقصي من القصر بعدما كان حارسا للثورة ومانعا لتقدم الثورة المضادة، ولو انه لا يمتلك الجهاز التنظيمي ولا الرجال القادرين على توظيف إخراجه من السلطة لدعم حظوظه وخدمة صورته ، فحزب المؤتمر ، الذي تشظى الى أربعة أحزاب بعد الانتخابات الماضية ، ليس حركة النهضة التي خرجت قوية من الحكم ووظفت تنازلها عن الحكم في الداخل والخارج .