في سبتمبر عام 2013، كان سليم قاسمي، 28 عاما، في حاجة ملحة إلى المال. لذلك قرر الهجرة صوب ليبيا تاركا وراءه والديه المريضين وخطيبته في حي هلال، حيث تقطن غالبية الطبقة العاملة في ضاحية تونس العاصمة. وقد سبق له أن عمل هناك مع تاجر جملة قبل الثورة الليبية عام 2011، وكان يأمل أن يعود إلى حيث غادر ليوفر بعض المال، ما يكفيه ليتزوج ويفتح مشروعا تجاريا صغير لإعالة أسرته.

لكن زميله في الإقامة في ليبيا، وهو تونسي متشبع بالفكر الإسلامي المتطرف، أقنعه بفكرة الجهاد في سوريا، حيث لقي حتفه في 1 أبريل من العام 2014 عندما كان يشارك في القتال إلى جانب مقاتلين أصوليين ضد نظام بشار الأسد.

ووفق شهادة أخته لطيفة، فقد اتصل قاسمي هاتفيا بأسرته بعد بضعة أشهر من مغادرة ليبيا. وفي آخر أيام 2013 اتصل من تركيا وقال إنه على وشك عبور الحدود إلى سوريا. شهر بعد ذلك اتصل، لكن هذه المرة من معسكر بالدولة الإسلامية في العراق والشام، والتي تمت إعادة تسميتها بـ "الدولة الإسلامية". وقال إنه كان حينها يعمل في تنظيف الأسلحة، وأنه لم يُكلف بعد بالخروج للقتال.

وقد حاول أفراد عائلته الذين كان على اتصال به إقناعه بالهرب. وهو ما تأتى له وفقا لرواية أخته لطيفة، لكنه وقع تحت قبضة جماعة جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة وانتهى به المطاف منضما إليها.

وعندما حاولت عائلة سليم الاتصال به مرة أخرى، أجاب شخص آخر من هاتفه، قائلا، "أبو قتادة [اسم سليم الحركي] استشهد بعد ظهر اليوم وقمنا بدفنه"، مضيفا، "رحمه الله".

"لو كانت له وظيفة لائقة في تونس، لما ذهب أبدا إلى ليبيا، وربما لم يكن ليحدث شيء من هذا كله"، تقول لطيفة بحسرة. وعلى الرغم من رؤية الصورة التي تظهر فيها جثة أخيها، فإنها لا تزال تأمل أنه ما زال على قيد الحياة. "لقد كان طيبا وخدوما للغاية وكان محبوبا من الجميع في الحي"، تقول لطيفة.

ومع ذلك تعترف أن لشقيقها سليم مشكلة واحدة: "كان سريع التأثر". "إذا اختلط بالمجرمين قد يصبح زعيم عصابة، وإذا صاحب المسلمين الأتقياء قد يصبح إمامهم".

إنه من بين آلاف التونسيين الذين انضموا للإسلاميين المتشددين في سوريا. وتقدر السلطات التونسية ما يقارب 3،000 تونسي ذهبوا للقتال إلى جانب الدولة الإسلامية أو جبهة النصرة.

وإذا كانت شقيقة سليم تعتقد أن البطالة هي سبب انضمام شقيقها إلى الحرب في سوريا، فهناك أمثلة أخرى تشير إلى أن مقاتلين تونسيين آخرين في سوريا ينحدرون من طبقات سوسيو اقتصادية مختلفة. "لدينا حالات لتونسيين من كل أنحاء البلاد ومن مختلف الطبقات الاجتماعية ذهبوا للقتال في سوريا"، يقول محمد إقبال بن رجب، رئيس جمعية إنقاذ التونسيين المحاصرين في الخارج، وهي جمعية مدنية تعمل على توثيق ونشر حالات التونسيين المحاصرين في صراعات خارجية.

ويضيف أن "هناك اعتقادا سائدا بأن هؤلاء ينحدرون من عائلات فقيرة"، "لكن لدينا العديد من الحالات لتونسيين ينتمون لأسر ميسورة ولهم وظائف مستقرة". وتبقى معظم الحالات التي تعاملت معها الجمعية، حسب بن رجب، بشمل طلبة وشباب دون الثلاثين تعرضوا لعملية الاستقطاب.

في تونس، عادة ما تبدأ عملية التطرف داخل المساجد. فقد وقعت الكثير من المساجد تحت سيطرة المتطرفين خلال الاضطرابات التي أعقبت انتفاضة 2011 (وهي الفترة التي تميزت بتراجع الأمن في البلاد). حيث تم استخدام المساجد لنشر الخطاب الديني المتطرف.

يقول محفوظ بالتي، 53 عاما، الذي غادر ابنه إلى سوريا قبل عامين، أن شبكات التجنيد عادة ما تبدأ مع دعوة الناس إلى حلقات للتربية الدينية. لكن سرعان ما تتطور تلك العلاقات إلى صداقات تمكن الشباب من العيش داخل بيئات اجتماعية جديدة. ويعتقد بالتي أن المجندين يميلون لاستغلال الفراغ الديني لهؤلاءالشباب. فقد أدت عقود من فرض العلمانية والاضطهاد الديني في تونس، فضلا عن النقص النسبي في نشر تعاليم دينية معتدلة بديلة، إلى جعل هذه الشريحة من الشباب أهدافا سهلة المنال.

"إنني أوجه اللوم للحكومة وللسياسيين لعدم القيام بواجبهم في مراقبة الخطاب الديني المنتشر داخل المساجد"، يقول بالتي. "والآن يسمون أبناءنا إرهابيين. لقد تم استغلال ابني".

هذا وقد وُجهت انتقادات شديدة لحركة النهضة، الحزب الإسلامي الذي فاز في انتخابات أكتوبر 2011، تتهمها بالتساهل الكبير مع أشكال التطرف الديني. بل أكثر من ذلك اتُهم الحزب بالتواطؤ مع شبكات متورطة في إرسال التونسيين للجهاد في سوريا. لكن من الممكن أيضا القول بأن تسامح النهضة النسبي تجاه الجماعات الدينية المتطرفة في السنوات الأولى من الثورة له علاقة بفشل السياسيين في تقديرهم لخطورة جماعات مثل أنصار الشريعة في تونس. وكان اغتيال السياسي اليساري شكري بلعيد في فبراير 2013 بمثابة نقطة تحول أيقظت الحكومة التي يقودها الإسلاميون لتغيير طريقة معالجتها لقضية التطرف الديني في تونس.

لكن فات الأوان، فعندما بدأت الحكومة في سياسة تضييق الخناق على الجماعات المسلحة، كانت وقتها هذه الأخيرة تتوفر بالفعل على شبكات تقوم بتجنيد الآلاف من الشباب التونسي وترسل المئات منهم إلى سوريا. وفي دراسة حديثة نشرتها السي إن إن، جاء فيها أن التونسيين يشكلون النسبة الأكبر من المقاتلين الأجانب في الحرب الأهلية هناك.

"كان ابني سهل الشكيمة، وكان خفيف الظل"، يحكي بالتي، مضيفا، "كان يافعا لم تنبت له لحية بعد. لم يكن يعي ما يفعل. والآن يريد العودة".

اليوم تواجه الحكومة التونسية تحديا من نوع آخر. فالكثير من أولئك الذين تمكنوا من الذهاب الى سوريا هم في طريق العودة. فقد صرحت وزارة الداخلية أن ما لا يقل عن 400 تونسي عادوا إلى تونس، ومن المحتمل أن الكثير منهم قد شاركوا بالفعل في الحرب السورية.

ومن جانب آخر، ناقشت الدول الغربية السياسات المحتملة لكيفية التعامل مع مثل هؤلاء العائدين. إذ أعدت الدنمارك برامج لإعادة تأهيل مواطنيها الذين قاتلوا في الحرب، فيما تدرس المملكة المتحدة إمكانية تطبيق سياسة أكثر تشددا قد تصل للاعتقال والملاحقة القضائية.

أما في تونس، فلا تزال الحكومة مترددة بشأن وضع استراتيجية للتعامل مع الشبان العائدين من الحرب. "البعض منهم [أولئك الذين عادوا من سوريا] تم سجنهم لشهور دون محاكمة، والبعض الآخر أُفرج عنه بعد بضعة أيام من الاعتقال" يقول بن رجب". ليس هناك سياسة واضحة .... علينا معرفة من هو الضحية ومن هو الإرهابي ومن عاد إلى تونس لتجنيد المزيد من الشباب التونسيين".

أما محفوظ بالتي، الذي ظل يحاول مساعدة ابنه على العودة، فقد سمع روايات محبطة من عائلات الشباب الذين عادوا إلى تونس. "لقد أخبروني [أي الأسر] أن أبناءهم اعتُقلوا بمجرد وصولهم إلى تونس، في الوقت الذي لم تخبرهم السلطات بأي شيء يذكر عن مصير أبنائهم". هز بالتي رأسه وهو في حيرة من أمره: "لا أعرف ما الذي ينتظر ابني في حال رجوعه".

هذا وتجدر الإشارة أن كل المحاولات لربط الاتصال بوزارة الداخلية للتعليق على الموضوع انتهت إلى غير نتيجة.