تبدو تونس على شفا الإفلاس التام ، وهو أمر ألمح اليه الخبراء والمحللون الاقتصاديون منذ اكثر من شهر ونفته مصادر من رئاسة الجمهورية قبل أن يصدح به مهدي جمعة رئيس الحكومة في اجتماع رسمي ويوضحه الناطق الرسمي للحكومة و المكلف بالملف الاقتصادي لدى رئاسة الحكومة نضال الورفلي الذي أشار الى ان الحكومة كادت تعجز عن دفع أجور ورواتب الموظفين خلال الشهر الحالي وأنها اضطرت الى الاقتراض من الخارج ومن الداخل ما قدره 350 مليون دينار ، وأن رواتب الأشهر الثلاثة القادمة ليست مضمونة وتتطلب توفير 600 مليون دينار٠

هذه التصريحات اثرت على نسق معاملات بورصة تونس وبثت الذعر في نفوس عديد التونسيين ليس فقط خوفا على استمرار رواتبهم بل وايضاً تخوفا من الصورة السيئة التي ستصل الى المؤسسات المالية الدولية والى شركاء البلاد الاقتصاديين.

هذه المصارحة بصعوبة الوضع الاقتصادي التي تأتي بعد أقل من ثلاثة أشهر من منح الثقة للحكومة المستقلة تحمل حسب الإعلامي والمحلل السياسي ثلاث رسائل مضمونة الوصول الى التونسيين بمختلف مكوناتهم ومؤسساتهم وان كانت بمضامين مختلفة ٠

أولى الرسائل موجهة الى الترويكا، التي غادرت الحكم تحت ضغط شعبي وسياسي واسع ، مفادها أن التركة ثقيلة وأنها تضمنت عديد الحقائق المخفية٠

الرسالة الثانية موجهة إلى اتحاد الشغل ، الطرف الاجتماعي الأقوى في البلاد ، مفادها هذه وضعية البلاد الاقتصادية اليوم التي يجب اعتمادها أو الانطلاق من قاعدتها عند الحديث عن الحوار الاجتماعي حول الزيادة في رواتب الاجراء ٠

وتتجه الرسالة الثالثة و الاخيرة الى عموم التونسيين وتدعوهم الى الاستعداد الى مرحلة التقشف والحلول المريرة والقبول ببعض التضحيات ٠

هذه التضحيات تبدو معلومة اليوم وبدت عمليات التسويق لها عبر الحديث عن تدهور عجز الميزان الطاقي وتضخم تدخلات صندوق التعويض وهو ما يعني قرب الزيادة في أسعار المحروقات والكهرباء والغاز ومعاليم النقل الجماعي والترفيع في أسعار بعض المواد الاساسية وفي طليعتها الخبز ، مع الحرص على تجميد الأجور ٠

كذبة بيضاء

اتحاد الشغل وعلى لسان ناطقه الرسمي وأمينه العام المساعد سامي الطاهري اعتبر تصريحات الحكومة حول خطورة الوضع الاقتصادي والعجز عن دفع رواتب الموظفين "كذبة بيضاء" أو فزاعة تكررت أكثر من مرة وكانت في البداية مرتبطة برواتب أبريل ويوليو ، باعتبار أنهما يتزامنان مع موعدي تسديد الديون الخارجية لتصبح عجزا متواصلا يهم كل الأشهر ٠

فحوى هذا الكلام تقريبا أعرب عنه زعيم نداء تونس ورئيس الحكومة السابقة للانتخابات الباجي قائد السبسي الذي قال أن الحكومة ساعية لإيجاد الحلول وأن الشعب التونسي سيضحي مجددا للخروج من الأزمة ٠

الى ذلك فان الأحزاب السياسية تدفع الى التعجيل بحوار وطني اقتصادي تتخذه فيه إجراءات عاجلة ووفاقية حتى لا تكون التضحية من جانب واحد كما جرت به العادة دائماً، وهو مؤتمر برمجته الحكومة لشهر ماي القادم بمشاركة الأحزاب والمنظمات الوطنية والخبراء الاقتصاديين والماليين ٠

تخفيض الأجور 

من جانبه دعا الاستاذ عبد الجليل التميمي رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية الى التخفيض في رواتبهم بنسبة ثلاثين بالمائة وهو تخفيض ينسحب على كل الوزراء وأعضاء المجلس الوطني التأسيسي وكبار موظفي الدولة والمدراء العامين مع ضرورة التقشف في المصاريف والنفقات العمومية وغيرها من الامتيازات الشخصية التي يتمتع كبار أعوان الدولة ٠

ويطالب عديد الخبراء بملاحقة المتهربين كليا آو جزئيا من دفع الجباية الى صناديق الدولة من أصحاب المؤسسات وأصحاب المهن الحرة من أطباء ومحامين ومعماريين ٠

وينصح آخرون بضرورة محاولة جر تجار السوق الموازية التي تعيش من التهريب الى الاقتصاد المنظم خاصة وأن وزنهم أصبح كبيرا ، اذ يوفرون 20 ألف موطن عمل ويمثلون قرابة 40 بالمائة من الاقتصاد الوطني وأن بقاءهم في السوق الموازية يحرم الدولة سنويا ، وحسب دراسة من البنك الدولي من قرابة 1.2 مليار دينار من العائدات الجبائية منها 500 مليون دينار من المعاليم الجمركية ٠

الرفع في عائدات الدولة 

سبب الأزمة حسب أعضاء الحكومة والمحللين الاقتصاديين هو العجز في ميزانية الدولة بين نفقات الدولة ومداخيلها والذي بلغ في أعقاب الثلاثية الاولى من العام الجديد 1.1 مليار دينار ، اذ اضطرت الدولة الى دفع 2.5 مليار دينار متخلدة من ميزانية العام الماضي اضافة الى أن توقعات حكومة الترويكا حول عائدات الأملاك المصادرة من الرئيس السابق وأقاربه كانت محددة بمليار دينار في حين انها لا تتجاوز 300 مليون دينار.

من جهة أخرى تواصل نسق تراجع عائدات الفوسفاط نتيجة الاعتصامات وتوقف الانتاج وهو ما جعل الدولة تخسر منذ الثورة الى الآن نحو 3 مليار دينار وهو ما يعني ثلاثة ملايين دينار يوميا ٠

وتعمل الحكومة الان على استعادة نسق انتاج وتصدير الفوسفاط ومحاولة الاقتراب من متوسط العائدات المحققة خلال الفترة الماضية مع التلويح بتطبيق القانون مع المعتصمين الذين يعرقلون الانتاج والنقل ، وهو ما شرعت فيه منذ أسابيع ٠

وتحرص الحكومة وفق تصريحات مهدي جمعة الى مزيد العمل والرفع من الانتاج وتقاسم التضحيات باعتبار أن الأزمة هيكلية وستستمر سنوات أخرى ٠

استثمارات قادمة

وحسب وزير الخارجية منجي الحامدي فان الأسابيع القادمة ستشهد قدوم استثمارات ضخمة من الإمارات العربية وقطر والولايات المتحدة الامريكية وغيرها من البلدان الامريكية وهو ما من شأنه ان ينعش الوضع الاقتصادي الحالي وتكون قاطرة لاستثمارات أخرى قد تأتي من بلدان شرق اسيا التي يعد الوزير لزيارة لأبرز بلدانها .