دعا اللواء المتقاعد محمد المؤدّب ، مدير عام الامن العسكري في تونس ( 2002- 2009 ) ، الى اطلاق حوار وطني حول الدفاع الوطني وذلك في كتاب اصدره مؤخراً باللغة الفرنسية بعنوان "الدفاع والأمن القومي: ما هي الإصلاحات الضرورية لعصر الديمقراطية؟" تناول فيه بالتحليل الوضع الأمني والتهديدات والمخاطر والإصلاحات الضرورية والقضايا الرئيسيّة المطروحة في الوقت الراهن.
فمنذ اندلاع موجة الإنتفاضات الشعبيّة سنة 2011 بعدد من الدّول العربيّة، تدهورت الأوضاع الأمنيّة و احتدّت النّزاعات المسلّحة الداخليّة وتعدّدت التنظيمات الإرهابيّة عبر الوطنيّة وسيطر بعضها على مناطق شاسعة من تلك الدول إلى درجة أصبحت مهدّدة في كيانها و نمط مجتمعها وفي وحدتها الترابيّة.
وكانت تونس مرّة أخرى "الإستثناء" و تمكّنت، و لو مع هزّات كبيرة، من اتّباع الطرق السلميّة في سعيها لتحقيق طموحات وانتظارات الشعب وإنجاز الإصلاحات المرتقبة. و إن بدى هذا المسار بطيئا أحيانا و متعثّرا أحيانا أخرى، فلقد حافظ على طابعه السّلمي وجنّب البلاد خسائر هي في غنى عنها. إلاّ أنّ الأوضاع بالمنطقة وخاصّة بليبيا، تجعل تونس مستهدفة بصفة مباشرة ومتواصلة خاصّة من التنظيمات الإرهابيّة سواء ذات التركيبة التونسيّة أو تلك متعدّدة الجنسيّات والتي لا تؤمن أصلا بالحدود الوطنيّة. و تدفع تلك التهديدات والمخاطر إلى طرح العديد من الأسئلة حول مدى استعداد بلادنا للتصدّي لها بالصفة المطلوبة. وتتمحور الأسئلة المطروحة بالخصوص حول:
السّياسة الدفاعيّة المعتمدة أو الواجب اعتمادها، طبيعة المنظومة الدفاعيّة ونمط المؤسّسة العسكريّة الواجب بناؤها، دور الأطراف الوطنيّة الفاعلة في تلك المنظومة، بطبيعة الحال على رأسها المؤسّسة العسكريّة و الهياكل الحكوميّة، لكن أيضا مكوّنات المجتمع المدني والإعلام وكلّ من المواطنين فردا فردا كلّ من موقعه وبطبيعة الحال الإلتزام بتقديم التضحيّات الضروريّة في سبيل الدفاع عن الحرمة الترابيّة للبلاد وحماية المواطنين.
في هذا الإطار، يقدّم أمير اللواء (متقاعد) محمّد المؤدّب، ضمن هذا العمل، مقترحات في خصوص المسائل المطروحة والإجراءات الواجب النّظر في اعتمادها، منها بالخصوص تنظيم حوار وطني واسع يتناول هذه المسائل بالدرس والنقاش حتّى يعي المواطنون وخاصّة الشباب منهم بأهمّية مسألة الأمن والدّفاع و حساسيّتها واقتناعهم بواجبهم الدستوري تجاه الوطن. ويؤكّد أمير اللواء محمد المؤدب على أنّ مسألة الأمن القومي و الدفاع تعني مباشرة كلّ المواطنين إذ أنّ أمنهم هو هدفها النّهائي من جهة، و يبقى المواطن العمود الفقري للمنظومة الدفاعيّة ذاتها من جهة ثانيّة. ولذلك يتعيّن ألاّ تبقى تلك المسائل حكرا على بعض السّاسة وعلى الأخصّائيين من الإطارات العسكريّة والأمنيّة كما والحال، بل لا بدّ للمواطن من المساهمة المباشرة و الفعّالة فيها.