في موريتانيا كثيرة هي ألوان الإعاقات لكن قصة قرية "جدة "بمحافظة البراكنة وسط موريتانيا ليس لها مثيل حيث تسكن أكثر الحكايات غرابة ، حكاية الحديث عنها ليس حديثا عن إعاقة واحدة أواثنتين ولا خمس معاقين أو عشرة معاقين في قرية صغيرة ، بل إن العشرات من أهالي القرية الصغيرة البالغ عدد سكانها نحو “500” نسمة يعانون إعاقة جعلتهم يعيشون على هامش الحياة .
إحصائيات
تبلغ نسبة المعاقين حسب تقديرات المنظمات الدولية المهتمة ما بين 10و12% في كل مجتمع، وحسب مصادر حكومية ومنظمات موريتانية مهتمة بهذا الشأن، فقد بلغ عدد المعاقين حوالي 27.000 حالة إعاقة حسب إحصاء 1988، و37000 حالة حسب إحصاء سنة 2000 وتمثل النساء حوالي نصف هذا العدد .
يعاني المعاقون في موريتانيا من تمييز اجتماعي يحرمهم من العمل والدراسة وممارسة الحياة الاجتماعية، في وقت ينادي فيه المهتمون بالقضية بتشجيع ودعم هذه الفئة ومنحها الامتيازات التي تستحقها.
وتعمد أغلب الأسر الموريتانية إلى تهميش أبنائها من ذوي الاحتياجات الخاصة وإخفائهم عن المجتمع، تجناً للنظرة القاسية تجاههم، أو خوفاً من استغلالهم أو التعرض لمواقف محرجة بسبب حالاتهم، بينما تتقاعس الجهات الرسمية عن مساعدتهم.
ويطالب العديد من ذوي الاحتياجات الخاصة بدمجهم في الحياة من خلال مشاريع تنموية يستطيعون من خلالها المساهمة في إعالة أنفسهم وتنمية مجتمعهم، ويؤكدون أنهم يعانون من تهميش تام وحرمان من الوظائف الحكومية.
وفي مناسبات مختلفة دعا المعاقون الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز شخصيا للتدخل من أجل وضع حد لمعاناتهم التي وصفوها بـ"المزرية" وغير اللائقة بحياة البشر.
قرية "جدة " ..حين تتحدث الإعاقة
في قرية "جدة " بضواحي مدينة ألاك على بعد 250كلم شرق العاصمة الموريتاينة نواكشوط ، تحت الخيم والأعرشة الخشبية يعيش عشرات المعاقين من الاطفال اتحدت مأساتهم واختلفت أسبابها ، اعاقات عقلية وحركية لا يوجد إحصاء دقيق لعدد أصحابها لكن المؤكد أنهم كثيرون وأنهم بحاجة إلى تغيير نظرة المجتمع إليهم بقدر ماهم بحاجة إلى الرعاية الصحية والنفسية ...
يحكي السكان المعوزون ــ لبوابة إفريقيا ــ حكايتهم المصحوبة بالأوجاع المتراكمة ، وقبل حديثهم تتحدث المعاناة ...
تحت عريش خشبي مغطى بالقماش لا تتجاوز مساحته بضعة أمتار رائحته تزكم الأنوف يجلس "عبد الله " ذو الاثني عشر عاما يحرك رأسه يمينا ويسارا بشكل مستمر، يسلي نفسه ويكتفي بالنظر حوله ليتعرف على الوجوه التي تتردد عليه يوميا في محبسه، يحاول التخلص من قيوده ، لكن السلاسل التي تحرص أمه على تقييده بها ليل نهار تحول دون ذلك، فينخرط فى البكاء كلما أدرك إعاقته، وعرف أنه لن يقوى على الوقوف أو اللعب مثل بقية الأطفال فى مثل عمره.
يتشابه حال "عبد الله " مع العشرات من أبناء القرية الذين تتنوع إعاقاتهم ما بين سمعية، وبصرية، وحركية، وحالات ضمور بالمخ وشلل دماغى ناجم عن نقص الأكسجين أثناء الولادة، إضافة إلى حالات مصابة بتأخر عقلى، وتعانى من اضطرابات فى النطق أو كهرباء زائدة فى المخ، وأخيرا حالات «متلازمة داون» ناتجة من تشابه جينات الأم والأب «زواج الأقارب».
في العريش المجاور لعريش "عبد الله وأهله " تجلس "فاطمة " بين بناتها الثلاث المعاقات ، وهي تشكو غياب النصير وحبس الإعاقة ، بكلمات ملؤها المرارة تقول "فاطمة "(أصبحت لا أزور قريباتي ، ولا أحضر مناسباتهم الاجتماعية ، ولا أذهب للتسوق لأني مشغولة برعاية بناتي والسهر على إطعامهن وسقايتهن في وسط جغرافي تتجاوز درجات الحرارة فيه الأربعين مئوية ).
تجاهل ونسيان رسمي
الوضع العام في قرية (جدة ) يشير بالجملة إلى غياب أي دور للدولة وأجهزتها ، الأمر الذي يمكن معه ملاحظة واقع النسيان لهذه القرية المبتلاة بالإعاقة ...
يتذكر أهالي المعاقين بكثير من الضجر يوم زارهم مسؤول رسمي ومنح لعشرة منهم معونة لا تتجاوز 15 دولارا ، معونة قَلّتْ ولم تعم ، هي كل ما وجدوه من الدولة منذ خرجوا إلى الحياة .
الإهمال الرسمي لذوي الإعاقات بجدة أنتج قرية كاملة تعيش على هامش الحياة ولا تلفت النظر إلا في المواسم الانتخابية ، ضحايا الإعاقة هنا فقدوا حياتهم قبل الأوان وعجزوا عن ممارسة وظائفهم الطبيعية فأصبحوا عالة على أسر في بلد تنعدم فيه مراكز رعاية وتأهيل المعاقين ...
وفي انتظار ان تجد آهات ذوي الاحتياجات الخاصة بجدة من يصغي إليها يبقى الرضا بالقضاء والقدر أكبر سلاح يحملونه في وجه الإعاقة ...