يتواصل انسداد الأفق السياسي في ليبيا مع تواصل تعنت الأطراف المتصارعة وغياب روح التوافق بينها في وقت تترنح فيه الهدنة المعلنة وتتزايد بوادر سقوطها.وعلى وقع هذا المشهد المضطرب تواصل تركيا جرائمها في ليبيا معتمدة في ذلك على حلفائها وسط صمت أممي مريب بالرغم من الدلائل المتواصلة على الأرض.
جريمة جديدة في حق الليبيين،ارتكبها الطيران التركي المسير الذي استهدف،الخميس 27 فبراير/شباط 2020،سيارة مدنية ما أدى الى سقوط 5 ضحايا من عائلة واحدة.ونشر اللواء أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي،مقطع فيديو لما قال إنه قصف طيران مسير تركي على مدنيين في طرابلس.
وقال المسماري في منشور عبر صفحته على "فيسبوك": "جريمة جديدة ارتكبها الطيران التركي المسير في منطقة الرواجح جنوبي العاصمة طرابلس".وأشار المسماري إلى أن السيارات تعود إلى مدنيين يعيشون في العاصمة الليبية، وتم قصفها من قبل الطيران التركي.وتابع:"الضحايا هم الأب سالم المبروك جمعة، والأم عائشة فرج جمعة، والأبناء أحمد سالم، وأميرة سالم، وأبرار سالم"، مضيفًا:"هذه جريمة من جرائم أردوغان في ليبيا في إطار تنفيذ مخططه الاستعماري الجديد".

ولم تجد هذه الجريمة التركية الجديدة أي ردود فعل منددة من البعثة الأممية ما دفع المتحدث الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي الى التساؤل قائلا،"لازلنا ننتظر بيان من غسان سلامة (المبعوث الأممي لليبيا) صاحب المكتب، الذي قال إنه افتتحه باسم الأمم المتحدة للتأكد من مدى مدنية مطار معيتيقة".
وكانت البعثة الأممية قد سارعت،الخميس،للاعراب عن ادانتها للقصف المتكرر على مدى اليومين الماضيين لمطار معيتيقة،دون أن تندد بتحول المطار الى قاعدة عسكرية تركية.وبحسب ما أوردت إذاعة "أر. أف. آي" الفرنسية، التي قالت إن معتيقية، وهو المطار الوحيد العامل في العاصمة الليبية، شهد في الآونة الأخيرة حركة دؤوبة لمقاتلين قادمين من تركيا على متن رحلات طيران غير مسجلة.
وتأتي هذه الجريمة التركية الجديدة في وقت اعتبر فيه  فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية،في تصريحات لوكالة أنباء "الأناضول" التركية، أن وجود تركيا العسكري في ليبيا، وتعاونها معها "حق شرعي" لها، وواجب سيادي لحماية مواطني ليبيا ممن وصفهم بـ"المعتدين"؛ في إشارة إلى الجيش الوطني الليبي.
وبدوره نفى فتحي باشاغا، وزير الداخلية بحكومة الوفاق،في مقابلة مع "فرانس 24" وجود مرتزقة في ليبيا، معتبراً أن مذكرة التفاهم مع تركيا "واضحة ومشروعة، ومن أرسلتهم تركيا هم مقاتلون تابعون لها، وهذه المذكرة مشروعة".وأشار باشاغا إلى أن الاتفاق مع تركيا لم يكن إلا للدفاع عن العاصمة طرابلس "ضد العدوان" حسب قوله.
دفاع مسؤولي الوفاق عن الجرائم التركي في ليبيا ليس بجديد ففي مايو/ايار الماضي،تفاخر رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، في تصريح لصحيفة الإندبندنت البريطانية، بأن "حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة حصلت على طائرات بدون طيار وعدلتها لمواجهة التأثير المدمر لطائرات السيد حفتر الحربية والمراقبة الجوية".دون أن يشير الى أن هذه الطائرات تسفك دماء الليبيين.
وفي يونيو الماضي، أعلنت حكومة الوفاق أن دولتي قطر وتركيا هما أكبر داعمين لمليشياتها في قتالها ضد قوات الجيش الوطني الليبي في العاصمة طرابلس.وقال وزير الداخلية المفوض في حكومة الوفاق فتحي باشاغا إن أقوى دولتين دعمت قوات الوفاق عسكرياً وسياسياً هما قطر وتركيا.وأشار باشاغا، وهو عضو مقاطع لمجلس النواب الليبي عن مدينة مصراتة، إلى أن "تركيا تعد بالمقام الأول الداعم السياسي الكامل والإنساني، وفتحت أبوابها لدعمنا"، واصفاً هذا الدعم  بـ"الممتاز جدا".


وتواصل حكومة الوفاق الليبية برئاسة فائز السراج توريط نفسها في المخططات التركية الهادفة الى مد نفوذ أنقرة في ليبيا ونهب ثرواتها.وفتحت حكومة السراج الباب أمام التدخل التركي الذي أغرق البلاد بشحنات السلاح التي تغذي العنف منذ سنوات وتحولت ليبيا الى قاعدة للمرتزقة والارهابيين الموالين لأنقرة التي تمارس الفضاعات ضد الليبيين.
وهذه ليست المرة الأولى التي يقتل فيها الطيران التركي المسيّر مدنيين،فالطائرات المسيرة التركية التي تجول في الأجواء الليبية بتواطئ من حكومة الوفاق،مارست جرائم كبرى في حق الليبيين وسفكت دماءهم على غرار استهداف احداها لعدد من السيارات المدنية بالقرب من محطة وقود السايح "شيل السايح" ،في الرابع من يوليو الماضي، مخلفة عددًا من القتلى والجرحى.
وبينت شعبة الإعلام الحربي حينها عبر صفحتها بموقع "فيسبوك" أن استهداف المدنيين جرى باستخدام طائرات تركية وقطرية،معتبرة أن الاستهداف يعد انتهاك صارخ لحقوقهم واستمرار لمسلسل الانتهاكات.وبثت شعبة الإعلام الحربي تسجيلا مصورًا يظهر تعرض عددا من السيارات للاحتراق والتدمير جراء القصف.
كما ارتكب الطيران التركي بدون طيار الذي تستعين به مليشيات طرابلس في ترهونة الليبية ما وصفه المجلس البلدي للمدينة بـ"جرائم حرب محرمة دوليا".وأدان المجلس مطلع شهر يوليو/تموز الماضي، استهداف الطيران التركي لمنازل المدنيين، لافتا إلى سقوط عدد من الضحايا بينهم أطفال ونساء بسبب قصف الطائرات التركية المسيرة لمنازل المدنيين.
وأكد مجلس ترهونة، في بيان، أن القصف الذي تقوم به المليشيات المسلحة المدعومة من أنقرة يندرج ضمن جرائم الحرب المحرمة دوليا.ونشر المجلس البلدي للمدينة على صفحته صورا ومقاطع مصورة تبين آثار الدمار الذي خلفه الاعتداء التركي.فيما قال المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة التابعة للجيش الوطني الليبي، إن الطائرات المسيرة يتولى تشغيلها ضباط أتراك فى طرابلس، وإن مضادات الجيش تتعامل مع هذه الطائرات لصد هجومها المتكرر على القوات والمدنيين.


ويتهم الجيش الليبي، دولة تركيا، بقيادة المعارك في المنطقة الغربية لصالح الميليشيات المسلّحة المدعومة من حكومة الوفاق، عن طريق دعمها بالأسلحة والمعدات العسكرية وكذلك الطائرات المسيّرة.وأكد مدير ادارة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة العربية  الليبية  العميد خالد المحجوب لبوابة افريقيا الاخبارية ان القوات المسلحة  دمرت في مطار معيتيقة جهازي رادار عسكري تستخدم لاغراض عسكرية  ، وغرفة قيادة طائرات مسيّرة استخدمت لضرب المدنيين.
واشار المحجوب الى "ان سكوت العالم على مايقوم به الرئيس التركي  اردوغان من ارسال اسلحة ومعدات ومرتزقة مسألة لايمكن تجاوزها امام ارواح  المدنيين وارزاقهم التي تستباح يوميا من هؤلاء ، لذلك  فعملية اسكات مصادر النيران ضرورة يمليها الوضع القائم عسكريا و ضروره عملياتية  فكل تمركزات الاتراك ومرتزقتهم تحت مرمى نيراننا"،مؤكدا على التزام القوات المسلحة بوقف اطلاق النار.
وفي وقت سابق،حذر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، من أن بعض الدول تستمر في تصدير أسلحة إلى ليبيا، في مخالفة للحظر الأممي، متوعدا إياها بالعقاب.وأعرب ماس،عن قناعته بأن تصرفات تلك الدول لن تبقى بدون رد، قائلا: "أنا على قناعة بأنه ستكون هناك عواقب للذين يواصلون خرق حظر تصدير السلاح اليوم". بحسب "روسيا اليوم".
لكن هذا التهديد الألماني يبقى بحسب مراقبين مجرد كلام بدون فعل،ويستشهد هؤلاء على تحذيرات سابقة لرئيس البعثة الأممية في ليبيا غسان سلامة التي هدد فيها بمحاسبة أردوغان بعد تعهداته في مؤتمر برلين السابق.وقال سلامة حينها "أنا لدي ورقة ولدي ما أحاسبه عليه وقبل ذلك هذا الأمر لم يكن متوفرا.. ولدي الآن تعهد منه.
لكن الرئيس التركي نقض تعهداته في برلين وتواصل ارسال شحنات السلاح والمرتزقة وعلاوة على الصور والفيديوهات المتداولة والتقارير المتكررة كانت اعترافات المسؤولين الأتراك ونظرائهم في حكومة الوفاق أكبر دليل على مواصلة تركيا تدخلاتها في الشأن الليبي،ومع ذلك ظلت ردود الفعل الاممية والدولية حبيسة التصريحات المنددة والقلقة،في حين مازال الشعب الليبي يدفع ثمن التدخلات الخارجية التي تقودها الأطماع في ثرواته.