ألقى اليوم السبت رئيس الحكومة  التونسية المؤقتة مهدي جمعة كلمة بمناسبة لقائه بالمثقفين والمبدعين والفنانين بدار الضيافة بقرطاج. 
وفي مستهلّ كلمته عبّر جمعة عن "سعادته" بلقاء هذه النخبة "كإيمانا منه بدورهم في إشاعة قيم الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية وهي القيم الإنسانية التي تمثل مطالب الشعب على درب بناء الدولة المدنية الحاضنة لكافة أبنائها والمجذّرة لروح المواطنة لديهم بكلّ ما في المواطنة من بذل ومداومة للبذل حتى تحقيق الأهداف المنشودة"، حسب قوله ووفق ما أوردته رئاسة الحكومة.
وقال : "إني أرى في هذا الحضور الكريم الذي يضم نخبا ثقافية من مختلف الاختصاصات والقطاعات والجهات والأجيال صورة تونس الجديدة المتميزة بالتنوع والثراء... ومن هذا المنطلق نحن واعون بأهمّية دَوْرِكُمْ في بناء تونس الجديدة، تونس الفكر والإبداع والعمل والإنتاج والتجديد. كما نحن واعون بأنه لا يمكن لهذا الدور أن يتحقق مالم تُطرحْ على بساط الدرس والإنجاز قضايا محورية نحن على تمام الوعي بأهمّيتها وبأهمية التشاور بشأنها".
وأبرز إن سياسة الحكومة في هذا الميدان الحيوي والاستراتيجي ترتكز على تفعيل ما جاء في دستور البلاد الجديد من حق كلّ مواطن في الثقافة بمعناها الواسع، وحقّه في ملكية ما ينتجه ويبدعه في هذا المجال، باعتبار انّ حماية هذا الحقّ هي الضمانة الأساسية لنمو الإبداع بكلّ أشكاله.
كما اعتبر انّه لا مجال للشكّ أن الدولة لا تصنع الثقافة، ولكنها مؤتمنة على توفير المناخ الذي يساعد على الإنتاج الفكري والأدبي والفنّي، ووضع الضمانات التي تحميه وتمكّن من وصوله إلى كافة فئات الشعب وإبرازه إلى الخارج لتثبيت مساهمة بلادنا في الحضارة الكونية على أن تبقى الحرّية من أهمّ هذه الضمانات باعتبارها أساس الإبداع.
وبيّن أنه من هذا المنطلق تمّ وضع مرتكزات سياسة ثقافية تستجيب لتطلّعات النخبة المثقفة المشروعة، وتفتح أمامهم مجالات الانتاج والإبداع والترويج لما تجود به قرائحهم حيث سيكون المجلس الأعلى للثقافة، بعد تفعيله، واحتضانه لأهمّ الشخصيات الثقافية من مختلف الاتجاهات والقطاعات والأجيال والجهات، الضامن لاستقلاليتهم والحامي لحريتهم.
ومن جهة أخرى، أكّد أنّ دعم الانتاج الثقافي "واجب من واجبات الدّولة مهما كانت طبيعة اختياراتها الاقتصادية، لكن هذا الواجب يحتّم تأمين استفادة المبدع والمتلقي من هذا الدعم، لذلك ستتم إعادة النظر في الآليات المعتمدة حاليا، وسيتمّ وضع مقاييس عادلة وفاعلة، وستسعى الحكومة، أيضا، إلى تدعيم اللامركزية الثقافية باعتبارها جوهر ديمقراطية الثقافة، وسيقع تأهيل المؤسّسات وتمكينها من تطوير أدائها والارتقاء بمضامين أنشطتها وتوسيع مجالات إشعاعها، كما ستعمل الحكومة على إدراجها، مثل بقية الهياكل الثقافية،على غرار مدينة الثقافة، في سياق منظومة إلكترونية متطوّرة لتعزيز هذه الثقافة التي فرضت واقعًا جديدًا وملزمًا".
وقال : "وإن كانت بلادنا قد عُرفت منذ قرون عديدة بانفتاحها وتواصلها المثمر مع الثقافات الأخرى، فإنّها اليوم بحاجة أكيدة إلى توظيف هذه الخصوصية في تعديل الموازين بين تقبّل ثقافة الآخر والترويج لثقافتنا، حتى لا نبقى مستهلكين سلبيين لا إضافة لنا في الحضارة الإنسانية....ومن هذا المنظور سنعيد هيكلة التظاهرات الثقافية لتساعد على ترويج إبداعاتنا والتعريف بخصوصياتنا الثقافية مع احتضان الثقافات الأخرى واستيعابها، وسنضع خطة عملية لتثمين تراثنا الزاخر، المادي منه وغير المادي، وبالتالي توظيفه توظيفا محكمًا في الدّورة الاقتصادية للبلاد وفي إثراء منتوج السياحة الثقافية، التي سنُراهن على جعلها رافدًا من روافد الحركة السياحية في شموليتها. لكن هذه الأهداف لن تتحقّق إلاّ في إطار منظومة تشريعية وهيكلية متطوّرة للاستثمار، يكون فيها المجال الثقافي ملازمًا للمجالات الاقتصادية الأخرى، وهو ما سنعمل على البدء في إنجازه بتشريك الخبراء والاستئناس بالتجارب العالمية الناجحة في هذا المجال.... كما إن مستقبل الثقافة سيبقى رهين انصهارها في المسيرة التنموية وتفاعلها مع الدورة الاقتصادية انتاجا وتمويلا وتسويقا ولدينا في هذا الاطار نماذج عالمية ناجحة".
ودعا جمعة إلى ضرورة تشجيع المبادرات الخاصة لدعم الصناعات الثقافية و فتح افاق اوسع امامها وخاصة منها الخدمات ذات القدرة الصناعية والتصديرية الواعدة معتبرا ان هذه المسؤولية مشتركة بين الدولة والمثقفين والقطاع الخاص.وأضاف : "قد تبدو لكم هذه المشاريع طموحة بالنسبة لحكومة انتقالية قد لا يتجاوز عمرها السنة الواحدة، ولكننا لا نعمل على المدى القريب فقط وإنّما نبني للمستقبل ونؤسّس لجمهورية ثانية تكون فيها الثقافة هي علامتها المميّزة، ويكون فيها المثقف هو ضميرها الحيّ...لئن نجحت تونس سياسيا في صياغة دستورٍ مفخرةٍ هو مكسب سياسي مازال العالم يُحَيِّيه، فإن تجسيم قيَمِ هذا الدستور ومضامينه على أرض الواقع تحتاج منّا إلى أن نحوّلها إلى ثقافة نحياها وسلوك نمارسه وهذا تحدي كبير يستوجب اديمومة المتواصلة....وإنني على يقين بأن المثقف التونسي مدرك لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه للمساهمة في انجاح التجربة الديمقراطية من خلال ترسيخ ثقافة الديمقراطية والحرية وقيم المواطنة والمسؤولية وهي شروط أساسية لتحقيق التنمية في مفهومها الشامل والارتقاء بتونمس إلى مصاف الدول المتقدمة".
وفي ختام كلمته، أكّد جمعة عزم حكومته الصادق على دعم المثقفين ومنحهم الضمانات اللاّزمة وصيانة حرياتهم وتوفير الظروف الملائمة للإبداع الراقي، وترويجه حتى يصل إلى المتلقي بالداخل والخارج، آملا أن يكون هذا اللقاء وغيره من اللقاءات القادمة مناسبة سانحة للحديث مع أهل الفكر والإبداع والثقافة تكريسا لها في شتى مجالات الفن والإبداع على المستوى الوطني أو الجهوري أو عبر مختلف التظاهرات والمناسبات الثقافية والإبداعية في تونس