في هذا الحوار المثير والغزير بالمعطيات والحقائق التي تنشر لاول مرة عن الجماعات الاسلامية في الجزائر خلال سنوات الدم والارهاب التي تلت توقيف المسار الانتخابي، وحل الجبهة الاسلامية للانقاذ والتحاق الآلاف من مناضليها بالعمل المسلح بدعوى الجهاد ضد الحكام، يتحدث القيادي و عضو مجلس شورى الجماعات الاسلامية المسلحة سابقا الجزائري بن يخلف قرمزلي، الذي يعد حاليا من أبرز دعاة المصالحة الوطنية في الجزائر ، وعضو ناشط ضمن رابطة علماء الساحل، ومؤلف كتاب " درء شبهات التكفير عند أبي محمد المقدسي والجماعات الاسلامية المسلحة" الصادر حديثا عن دار نشر جزائرية، بشكل حصري لبوابة افريقيا الاخبارية،  عن عدة حقائق تاريخية تخص الجماعات الاسلامية في الجزائر، يتحدث عن الفكر التكفيري وعن غياب أدنى مبرر للجهاد في الجزائر، يكشف عن لقاءه ببلمختار المنشق عن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي.

 ويفصح عن نقاط غامضة تخص تورط المخابرات الاجنبية عربية وغربية في زرع الفتنة في الجزائر، يقول إنه يعرف بأن كل ما جرى في الجزائر من مجازر من قتل للابرياء، من الشعب الجزائري سواء من المدنيين او العسكريين، كله كان بايعاز من الخارج، من قطر ، من فرنسا وبريطانيا، من المغرب التي كانت تسمح بدخول السلاح الذي كان يشتريه رابح كبير القيادي الاسبق في الجبهة الاسلامية للانقاذ، يتحدث عن فتاوى محمد المقدسي وعن علاقة عبد المالك دروكدال بالقاعدة واسامة بن لادن، ومن بعده ايمن الظواهري، يتحدث عن تغلغل المخابرات المغربية والفرنسية في الساحل ومحاولات رزع عدم الاستقرار في شمال مالي، وعن الجهاديين الليبيين وعلاقاتهم بالجماعات الاسلامية في الجزائر سنوات تسعينيات القرن الماضي، عن مراسلته لبلمختار بالحاح  وعدم رد بلمختار عليه، يكشف جوانب من شخصية دروكدال ، وجمال زيتوني وقضية رهبان تيبحيرين، وكثير من الحقائق التي خفيت عن الرأي العام الجزائري والعربي حول ما يصطلح على تسميته حاليا بالجهاد.

البوابة: قبل الحديث عن كتابكم، بودنا أن نعرف من هو قرمزلي

 أنا اشتغلت الإمامة في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينات، ولي بعض الجلسات مع الأئمة وبعض العلماء وبعض المشايخ، يعني، ومنذ ذلك الوقت تقريبا، لم أعد أمارس هذا العمل، أي بعد الأحداث ( سنوات الإرهاب في الجزائر )، يعني الآن أنا معتزل  في بيتي، إلا أن لي بعض النشاطات التي أقوم بها في رابطة علماء الساحل ونشاط في البوليساريو، وفي بعض المحاضرات بالجزائر، ولي بعض الكتابات منها هذا الكتاب ( درء شبهات التكفير عند أبي محمد المقدسي والجماعات الإسلامية المسلحة) وهناك بعض الكتابات التي لم تصدر بعد.. هذا هو الشخص المتمثل في بن يخلف قرمزلي.

البوابة: من خلال كتابك، يظهر أنك ركزت على ما تطرحه جماعة التكفير من أفكار، على ضوء هذا، هل ترى أن مثل هذه الأفكار مازالت متبناة الآن من طرف الجماعات المسلحة وبالأخص تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي؟

قرمزلي: هو تقريبا هذه الجماعات الإسلامية المسلحة بصفة عامة ليسوا على منهج سواء، ليسوا جميعا على منهج واضح بحيث أنهم جميعا يلتزمون بهذا المنهج، فتجد هناك بعض التكفيريين الذين الذين غلوا في التكفير إلى درجة أنهم يكفرون عامة المسلمين، وهناك من يكفرون الأنظمة فقط مثلا يقاتلون العسكر، وهناك من يكفرون الأنظمة ولكنهم لا يمارسون العمل القتالي زعما أن هذا العمل لا ينتج وليس فيه فائدة، أذكر لك سبب كتابة هذا الكتاب، وهو أنه كان هناك مشروع طرحته الدولة يتمثل في زيارة السجون ومراجعة الجماعات المسلحة في السجون، وفعلا قمنا بهذا المشروع على أمل أن يطلق سراح بعض الإخوة من كبار السن والمرضى، ممن طالت مدة سجنهم...يعني مشينا في هذا المشروع والحمد لله وجدنا التالي: ربما هي الصورة التي تعكس الصورة التي هي خارج السجن، الصورة كالتالي: وجدنا كثيرا من الإخوة ( أقول كثيرا وأضع عدة خطوط تحت كلمة كثيرا) من الناس الذين تراجعوا عن هذا الفكر. يبقى بعض الشباب تقريبا من صغار السن وكذا، متمسكين بهذا الفكر، بالفكر التكفيري، وكل ما يستدلون به وما يعتمدون عليه هو كتابات أبي محمد المقدسي، فلهذا السبب حاولت أن أقرء كتب هذا الرجل وأحاول أن أرد على ما أمكن الرد عليه.

البوابة: على ذكر ذلك، على من يأخذ دروكدال حاليا فتاواه برأيك؟ فالمقدسي نفى إصداره فترى تبيح قتل الجزائريين وأنه لم تكن له أي مراسلات مع زعيم تنظيم قاعدة المغرب الإسلامي، هل لك أن توضح لنا هذه النقطة أيضا؟

قرمزلي: هو الجماعات التكفيرية لا يحتاجوا إلى فتوى، يعني بالمناسبة حتى تعرف هذا الأمر، هم أصلا عندهم مساءل مقررة ومسلمة وبالتالي لا يحتاجون إلى من يفتي لهم. معنى هذا أنهم لما يقرؤون كتابات المقدسي، هم يكفرون من لم يحكم لما أنزل الله مطلقا، والذي يحكم بغير ما أنزل الله فهو عندهم كافر والكافر يجب قتله في اعتقادهم.

البوابة: ودروكدال؟

قرزملي: يعني.. هو لا يحتاج إلى أبي محمد.. هو عنده فتوى جاهزة في كتابات أبي محمد، وأبو محمد المقدسي لا يفتي لهم بأن اقتلوا فلان أو فلان هو يقرر قواعد واصول، وكتاباتهم هي معتمدة في مراكز الجماعات القتالية، الآن مثلا يعني..دروكدال أو غيره، لو تبحث عن من هم الذين يفتون لدروكدال اليوم في الواقع معه لا نجد...نجد أأ أنا أعرفهم جيدا، هناك هذا المسمى أبو الحسن رشيد حلوية، هذا رجل ما عنده علم وهو إنسان بعيد كل البعد هذا الذي يفتي اليوم مع دروكدال..يعني ..هو كان معنا ( يقصد في الجبال سنوات التسعينات ) هو انسان يعني حتى ذلك الوقت ما كانت له قيمة كبيرة، ولم تكن له مسؤولية، كان مجرد إنسان عادي جدا، اليوم صار هو الذي يتصدر المجالس وهو الذي يفتي  حتى أنه أصبح حسب ما نقرأ في الانترنت، هو رئيس الهيئة الشرعية للتنظيم، وحتى دروكدال مستواه عادي، هو صحيح أنه جامعي وكذا، لكن مستواه الفكري والسياسي..يعني يمكنك القول إنه رجل عامي ( كأي شخص من العامة ) حتى انه كان في تلك السنوات التي كنا فيها مع بعض، هو كان رئيس قسم التفجير، يعني مختص في التفجير بحكم دراسته الجامعية.

البوابة: هل عرفت دروكدال شخصيا؟

قرمزلي: نعم اعرفه جيدا.

البوابة: هل اشتغلت معه؟

قرمزلي: ( يضحك ) هو اشتغل معنا، لأنه كان جديا عاديا.

البوابة: حدثنا عن شخصيته؟

قرمزلي: شخصيته. هو رجل ذو خلق يعني نقولها للأمانة...لكن هو إنسان عادي ولم تكن لديه تلك النظرة ( يقصد بعد النظر ) وذاك التصور الفكري الذي يمكن أن يبني عليه أحكام ويبني عليه مواقف وأشياء، لا هو عادي اعني في ذلك الوقت ( نحن نتكلم عن المدة التي عرفته فيها ).

البوابة: ما هي علاقته ببن لادن ومع الظواهري؟

قرمزلي: هم..شوف...هو لما كانت الجيا ( الجماعة الإسلامية المسلحة ) وكانت أيام زيتوني ( جمال زيتوني أمير الجيا )، كان ذلك الوقت بن لادن الذي حاول أن يتصل بالجماعة الإسلامية المسلحة.

البوابة: هل اتصل بدروكدال؟

قرمزلي: لا ..بزيتوني، لأن دروكدال في ذلك الوقت لم يكن موجودا في القيادة، فقد كان جمال زيتوني، فأسامة بن لادن اتصل بزينوني سنة 1995.

البوابة: من أوفد؟

قرمزلي: أوفد بعض الليبيين، وهم عبد الحكيم الليبي وعبد الرحمان الليبي، وجاء معهم صخر الليبي، وبعض الليبيين أوفدهم بن لادن على أساس أن هذا الأخير يدخل للجزائر وتكون له قاعدة، بمعنى أنه طلب أن يأخذ منطقة من المناطق، يعني ويباشر عمله وأن يكون مستقل عن الجماعة الإسلامية المسلحة، كما سارت الأمور في أفغانستان.

البوابة: ما كان عرضه لزيتوني؟

قرمزلي: هو عرض أن يجلب معه حوالي 10 ألاف كلاشنكوف، وغيرها من الأسلحة يحضرها للجزائر، لكن زيتوني في هذه النقطة ما وافق، قال زيتوني " إذا أردت أن تدخل للجزائر وأن تكون ضمن المجموعة ( الجماعة الإسلامية المسلحة) أهلا وسهلا، إما أنك تستقل بتنظيم وحدك فلا "، ومنذ ذلك الوقت لا توجد علاقة بين القاعدة والجماعة الإسلامية، ولما وقع هذا التفكك وهذا النزاع الذي وقع في الجماعات الإسلامية المسلحة في أواخر  1995 ، كل واحد استقل بتنظيمه، فنحن ذهبنا إلى الشراربة ( جنوب العاصمة ) وبقينا فيها، ولما خرجنا عن زيتوني أصبحنا مستقلين ولم تكن تحت أي مسمى، لكننا كنا ننتمي إلى منطقة الوسط ( العاصمة كلها أي الحراش، بلكور، الشراربة والكاليتوس، تابلاط، خميس الخشنة )، لكن حسان حطاب ( مؤسس الجماعة السلفية للدعوة والقتال ) لم يستقل عن زيتوني في نفس السنة أي 1995، حيث خرج عنه واستقل بالمنطقة الثانية.

البوابة: من هي القيادات التي كانت معكم؟

قرمزلي: نعم. كان معنا خالد ساحلي، هذا نائب أمير الجماعة، يعني هذا الذي كان معنا في ذلك الوقت في المنطقة التي أسسنا بها جماعتنا ( منطقة الوسط).

البوابة: وأنت هل كنت في القيادة؟ ما كان دورك؟

قرمزلي: أنا كنت في مجلس الشورى مع الأخ خالد وكنت أيضا في الهيئة الشرعية، أنا كنت اشرف عليها.

البوابة: كم كان عددكم في ذلك الوقت؟

قرمزلي: في ذلك الوقت كنا نفوق الألف، وفي الأخير كلهم نزلوا معي.

البوابة: متى كان ذلك؟ في فترة زيتوني؟

قرمزلي: لا، نحن خرجنا على زيتوني في أواخر 1995، وكان فك ارتباطنا بجماعته لأسباب معروفة، منها قتل النساء والأطفال.. قلت لك ابتعدنا في هذه المرحلة عن زيتوني لأسباب كثيرة وموضوعية ومقبولة، المهم بقينا نحن التنظيم ( يقصد بعد انشقاقهم عن زيتوني ) وحسان حطاب خرج هو الآخر بتنظيم، يعني هو جمع الإخوة الذين كانوا في الشرق، ونحن الذين كنا نخرج عن زيتوني، كنا ندعو الآخرين للخروج عنه، هؤلاء كنا نتصل بهم عن طريق مجلة الأنصار في بريطانيا، والمجلة في بريطانيا هي التي توصل رسائلنا إلى مكان هؤلاء في الجزائر، يعني وفعلا اقتنع الكثير منهم بمضمون رسائلنا.

البوابة: هل كانت لكم علاقة بقمر الدين خربان؟

قرمزلي: شوف أنا أذكر لك أن مجلة الأنصار لم يكن عندنا علاقة مباشرة، فمثلا لما كنا في وقت زيتوني، كانت القيادة تتعامل مع الناس الذين يكتبون في مجلة الأنصار، منهم أبو قتادة الفلسطيني وأبو محمد المقدسي و أبو بصير الطرطوسي وأبو يحي الليبي، وغيرهم، يعني هؤلاء هم الذين كانوا يكتبون، وهم الذين كانوا يتواصلون معنا ليتثبتوا من بعض الأحداث التي وجدت في الجماعة، مثلا يسألوننا كيف الآن تقتلون النساء والأطفال يعني أسئلتهم كانت تطرح بهذا الشكل. أما على زيتوني، فهذا كان ينكر ويقول لا نحن لم نفعل كذا، لم نقتل محمد السعيد ( أحد القيادات في الجماعة )، حيث أصدر بيان بأن النظام ( السلطة ) قتلته ثم تراجع وهكذا.. يعني كان التواصل معهم ( مجلة الأنصار ) على هذا الشكل، ولما ذهبنا للشراربة، طبعا كان تواصلنا معهم وحكينا لهم كل شيء، لكن مجلة الأنصار بالذات، نحن لما خرجنا على زيتوني ما عاد عدنا نثق فيها. أدركنا بأن مجلة الأنصار ..القائمون عليها كانوا سببا في إحداث هذه الفتنة، وحتى أنني أحيانا كنت أقول للإخوة أن هذه الجماعة ( يقصد المجلة والقائمين عليها ) هم يسيرون بمحرك، مستحيل أنهم كانوا يمشوا بشكل عادي، لأن ...

البواية: هل كانوا مخترقين من المخابرات الغربية؟

قرمزلي: أنا لا أقدر أن أقول أنهم كانوا.. أعني أن لا يمكنني أن أقول إن فلان كان مخابرات أو  فلان يتعامل مع الغرب أو مع النظام الجزائري، أو ..لكن أصابع المخابرات البريطانية كان عندها يد، يعني تحس أن هؤلاء كانت يد تسيرهم، بدليل أنه لو نرجع لكل البيانات التي أصدرها زيتوني إلا وتجد أنه كان لها علاقة بما كان يكتب في مجلة الأنصار.

البوابة: كيف ذلك؟

قرمزلي: كل أمر أصدره زيتوني، إلا وكان قد كتب من قبل في المقالات التي كانت تنشر، أعطيك على سبيل المثال فتوى قتل النساء والأطفال، فقبل أن يصدر زيتوني بيانا يجيز قتل النساء والأطفال، كان أبو قتادة الفلسطيني كتب حوالي ثلاثة أو أربعة مقالات تتحدث عن جواز قتل النساء والأطفال، وقبل أن يصدر البيان الخاص بفتوى جواز قتل الأئمة، كان أبو محمد وأبو قتادة أصدرا بيانات قالوا بجواز ذلك، وأعطوا أمثلة عن ذلك من التاريخ، مثلا عن دولة بني عبيد في الدولة الفاطمية المعروفة في الشام، والذين كانوا يقتلون الأئمة، يعني أحضروا دلائل كيف كان أهل السنة في تلك الفترة يقتلون أئمة بني عبيد، فالمقدسي وأبو قتادة أحضرا هذه الأدلة ويكتبوا عنها في مجلة الأنصار ويتم إثراء مقالاتهم بالنقاش وكذا، حتى يهيئوا الناس الذين يحملون السلاح ويحركوا الرأي العام المتواجد في الجبل، ...وهذا ليس بيان واحد أو غيره، بل ..يعني الإنسان لو مثلا يقوم بدراسة يجد حقيقة هذه المسألة كما قلتها لك الآن.

البوابة: ألا ترى أن الجماعات المسلحة في الجزائر كانت مخترقة ليس فقط من طرف المخابرات البريطانية، بل حتى من بعض المخابرات الأخرى فرنسا ، أعني حتى بعض المخابرات العربية كليبيا قطر... ؟

قرمزلي: نعم، أنا أتكلم مثلا، أعطيك على سبيل المثال المخابرات المغربية، لو نلاحظ مثلا ماذا يفعلون في البوليساريو، أنا ذهبت إلى هناك ضمن رابطة علماء الساحل، ذهبنا وعالجنا الموضوع، ليس بشكل كلي لكن الحمد لله، ... ونرى أيضا هذه الجماعة التي تسمى نفسها التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، هل تعرف أن البوليساريو ليس لديهم هذا الفكر، هم ناس مسالمين ناس عرب .... دخلهم هذا الفكر بسبب المغاربة، فقد جندوا مؤخرا حوالي 50 حسب إحصائيات رسمية، وأقول لك كلام موثق، أي جندوا 51 عضو في جماعة التوحيد والجهاد، وذهبوا إلى مالي.

البوابة: هل عندك أسماءهم ؟

قرمزلي: لا ما عندي أسماء لدي فقط إحصاء بخصوص عددهم. 51 شخص ذهبوا إلى مالي، وكل شخصي يطلع ( يدخل ) إلى مالي لديه حصة من الأموال أي حوالي 9 آلاف يورو أو شيء من هذا. وفعلا الكثير منهم ذهبوا إلى هناك، وهذا الفكر وجدناه عندما ذهبنا إلى الصحراء ( عند البوليساريو ) حيث تناقشنا معهم وشرحنا لهم أن هذا العمل يظهرهم بأنهم إرهابيون، وفي الأخير تمكنوا من إقناع الكثيرين منهم بالعودة.

البوابة: ماذا فعلتم كيف تجمعوا شمل الجماعات المسلحة تحت مسمى واحد؟ وكيف كانت علاقتكم بالجيش الإسلامي للإنقاذ؟

قرمزي: هو ..شوف.. الجماعة الإسلامية المسلحة يعني، في 1994 اجتمعت تحت المسمى الوحدة المعروف..تمت في الشريعة ( البليدة ) وحضر محمد السعيد، ورجام، وحضرت بعض الأطراف المنتمية للجبهة وتوحدوا مع الجماعة الإسلامية المسلحة التي كان على رأسها أناداك أبو عبد الله شريف قواسمي، وكل هؤلاء توحدوا تحت إطار الجماعة الإسلامية المسلحة .. يعني هناك كثير من الناس لا يعرفون هذه الحقائق. هناك من يقول مثلا أن بن حجر المنحدر من المدية، أو بعض الناس الآخرين لم يكونوا ضمن جناح زيتوني، لم يتوحدوا، لا.. بعد 1994 كل من كان يحمل السلاح أصبح ينتمي إلى الجيا، إلا جماعة مدنى مزراق حوالي 400 عنصر وجماعة بن عائشة حوالي 200 حتى 250 فقط، بينما كل المسلحين في الجزائر فكانوا تابعين للجماعة الإسلامية المسلحة، بعد ذلك، فالجماعة المسلحة لقادة بن شيحة في الغرب فكانت تارة تظهر أنها مع الجيا وتارة أخرى ليست معها، يعني بن شيحة كان معهم وليس معهم، كان عنده مشكل نقص الأسلحة بينه وبين زيتوني والجماعة، .. وهذا التجمع الذي كان موجود ( الجيا ) لم يكن تجمع أفكار، كان في الحقيقة تجمع أشخاص وتنظيم فقط ، غير أنه لو نرى ما في هذه الجماعة، نجد داخلها جماعة يسمون بالعرب الأفغان، كان هناك جماعة الجزأرة وكان هناك السلفيين الذين لم يكونوا مؤطرين في تنظيم معين، وكان هناك أطراف من (الجبهة الإسلامية للإنقاذ )، يعني كانت هناك أفكار عديد في الجماعة وهو ما خلف بعدها ذلك الخلاف في صفوفها، ثم الاقتتال فيما بينهم، إلى غير ذلك، لأنه لم يكن لديهم هدف واحد ولا تصور واحد، كان هناك من كان يقاتل من أجل الضغط على النظام كي يحاوره، وهؤلاء هم جماعة الجزأرة، وهناك جماعة العرب الأفغان وجماعة السلفيين الذين حملوا بعد ذلك الفكر التكفيري وكذا، هؤلاء لم يكونوا مؤمنين بأنهم يقاتلون النظام ليحاوره، بل كانوا يقاتلون النظام وفي زعمهم أنهم يقيمون الدولة الإسلامية، لا حوار لا مصالحة ..إلى آخره. هذا الاختلاف في الأفكار وفي الصور والتوجهات هي التي جعلتهم في ما بعد يتعاركونويتقاتلون فيما بينهم، بعدما يقول زيتوني ... ( لا أعلم إن كانت هذه المعلومة صحيحة أم لا ) أي لما يقول أن جماعة الجزأرة كانت عندهم اتصالات مع بعض الأطراف في الخارج، مثلا مع حزب الله في لبنان، مع فتحي الشقاقي، يعني هذا معروف وقد قتل من بعد، ومع وزير خارجية سوريا، مع القذافي،..يعني كانت عندهم علاقات من هذا النوع.

البوابة: يقال أن بعض قيادات الجبهة تمكنوا من ربط علاقات مع حزب الله في لبنان، وكانت لديهم علاقة مع إمام شيعي، وجرت اتصالات بينهم، وأنه كانت هناك عملية جمع أموال كانت توجه للجماعات الإسلامية في الجزائر، ما تعليقك؟

قرمزلي: يعني اليوم، أنا دائما أتأسف لما أرى هؤلاء الذين كانوا في الجبهة، في مرحلة معينة كانوا مؤيدين للجماعة المسلحة، ولما الأمور لم تصل إلى المبتغى، صار كل واحد يقول أنا يدي نظيفة من الدم، وهناك الكثير منهم، مثل أنور هدام ورابح كبير، وأحمد الزاوي ودهينة، كلهم كانوا مؤيدين، أنا أقول لك أكثر من هذا، أن رابح كبير قالوا له أرسل لنا سلاح وكان يدخله عن طريق المغرب ( رابح كبير يقيم في ألمانيا ) واليوم لما ترى من بقي ضحية، تجد ذاك الشاب المسكين لذي صعد للجبل بسذاجته، نعم تجد في الأخير بعض الناس تقول " نحن لم نلطخ أيدينا بالدم " " نحن نظيفي اليد "..

البوابة: ألا ترى أن هؤلاء على شاكلة دهينة، ورابح كبير وقمر الدين خربان وغيرهم، عاشوا حياتهم في الغرب يتنعمون وأنبائهم درسوا في الجامعات وكذا من حياة الترف، وبالمقابل كانوا يقولون للشباب هنا في الجزائر ..اصعدوا للجبال وحاربوا من أجل استرجاع الحق وما إلى ذلك من شعارات كانوا يطلقونها من الخارج، يقود إلى التساؤل عن حقيقة ما كانوا يفعلون، وأنهم خدموا أجندات غربية في الجزائر، بدليل أن هذه البلدان كانت تحاول النيل من الجزائر واستقرارها لتحقيق أهداف معينة؟

قرمزلي: أرى أن هؤلاء أرادوا السلطة بأي ثمن، ويتصفون بالطمع فقط، وهذا ما جعلهم يقعون في ذلك، أنت لما ترى مثلا لقاء سانت ايجيديو، لما ذهبوا إلى هناك، الذي أخذهم إلى هناك الآن أصبحوا ينادوه الشيخ ولا داعي لذكر اسمه، وليس في تلك الفترة فقط التي تعامل فيها مع جماعة سانت ايجيديو، ولكن هذا ( الشيخ ) كان لما يطلع للجبل ينسى بعض الأحيان أن يذهب للصلاة، وسكان المدية كلهم يعرفونه..فالأمور أكبر من التي نتصورها نحن، وللأسف الشديد تجد حتى الناس الكبار مثلا كعبد الحميد مهري رحمه الله، وبن بلة وقعوا في هذه الأمور، فلما ترى مهري ذاهب إلى سانت ايجيديو ..يعني أن كل الناس ( يقصد الأطراف السياسية ) اجتمعوا تحت رعاية الغرب، والفاتيكان وغيرها..

البوابة: هل كان هناك جناح سياسي في جماعتكم؟ ماهي المرجعيات الفكرية التي انبنى عليها الفكر الجهادي في تلك الفترة؟

قرمزلي: يعني الإنسان لما يرى الجيا مثلا.. أحيانا يوجد عندك تنظيم فيه أفراد معينين يكون تنظيم قوي، لنتحدث عن حماس مثلا أو حزب الله بغض النظر عن الأمور التي تعنيهم، هم قليلون مقارنة بما كان لدى الجيا، ولكن هم تنظيم قوي، فهم لديهم أعضاء في المستوى منهم العسكريون والسياسيون والمثقفين تجدهم في الصحافة تجدهم في مختلف الميادين، أما الجيا لم يكن لديها هذه الأمور مثلما يتصور البعض، فهم أناس جد عاديين، تصور معي لو نقم تقييم بسيط نتعرف على المستوى، فمثلا إن أردت أن تعرف عنصرا مسلحا ابحث من أميره أولا وهكذا، ولما نقلب في أسماء الأمراء الذين تعاقبوا على الجماعة الإسلامية المسلحة، من هم؟ أنظر مثلا محمد الليبي من هو؟ جاء من بريطانيا وهو إنسان عامي كان يعيش في بريطانيا ولما جاء إلى هنا صار أميرا، تقول لي جعفر الأفغاني، جعفر الأفغاني هذا ذهب إلى أفغانستان ولما عاد إلى هنا صارا أميرا، عبد الحق العيادة إنسان أمي، حسان حطاب كهربائي، جمال زيتوني كان يبيع الدجاج، وقس على ذلك، يعني لما ترى هؤلاء على هرم هذا التنظيم ( الجيا)، فلا تسأل أي مستوى ستجده في القاعدة ( معناه مقارنة بين القمة – القيادة، والقاعدة – الجنود )، فهم أميون وكانوا قد رفعوا شعار " بدأها الأميون وسينهيها الأميون ".

البوابة: كيف كانت القيادات في مجلس الشورى مثلا ترى البيانات السياسية التي كان يصدرها عباسي مدني أو علي بلحاج؟ هل كانت الجماعة تعتبر هؤلاء مرجعا لها؟ مثلا علي بلحاج مرجع، الهاشمي سحنوني مرجع، وعباسي مدني مرجع، يعني كيف كنتم ترون هؤلاء من حيث الولاء لشيوخ الجبهة؟

قرمزلي: يعني الجبهة والولاء..كل هذه الأمور جاءت بعد توقيف المسار الانتخابي، فالناس بقي ولائها للجبهة، وولاءها لما يسمى بالشيوخ أو شيوخ الحزب عباسي مدني وعلي بلحاج، بقيت هذه النظرة عند الناس وعند المقاتلين وعند الآخرين، وحتى أنهم ( أي الجيا ) طلبوا في بعض بياناتهم في عملية الطائرة ( الأرباص الفرنسية عام 1994 ) طبلوا إطلاق سراح الشيوخ عباسي وعلي بلحاج، من بعد لما علي بلحاج صار يتعامل مع الجبهة كجماعة من ضمن الجماعات التي كانت في الجبل، بمعنى أنه لم يكن يراها أنها الجماعة الوحيدة التي لديها الحق في مقاتلة النظام، من غير الجماعات الأخرى منها الجيش الإسلامي للإنقاذ، إذن بلحاج كان يدعو.أنصاره في الجبهة بالقول أنه برغم أنكم مختلفون كان يقول لهم حاولوا أنكم تتعاونوا، وكذا ..يعني هذا الذي ترك القيادات في الجماعة الإسلامية المسلحة توقف عضوية علي بلحاج في مجلس الشورى لأنه في الأول كانوا قد وضعوا اسما علي بلحاج وعباسي مدني كأعضاء شرف في الجماعة لما تم إعلان الوحدة، يعني هذا الذي ترك القيادات الإسلامية في الجبهة تنقم على علي بلحاج، خاصة بعد أن ظهر موقفه من خلال كتابة البيانات، وأذكر مرة أننا كنا نحن أعضاء مجلس الشورى جالسين، كنت أنا ومحمد السعيد ورجال وزيتوني، في بوقرة، وعباسي أرسل رسالة إلى زيتوني، قال له فيها " إن النظام بعث يعرض الحوار فما رأيك؟ " وهذا في

أيام زروال، أي لما زارهم زروال في السجن عام 1995، قال له بأن النظام مستعد للحوار، وأن قرأت الرسالة، قال لنا زيتوني هاكم اقرؤوا ما كتب عباسي، وبعدها احرقها، أعني هناك أن الجماعة لم تكن تحتفظ بالأرشيف لكونهم ذوو مستويات جد عادية، دعني أسرد لك حقيقة، لما كنا جالسين يومها كانت النار مشتعلة ونحن حولها نناقش ما في الرسالة، فلما فرغنا منها رماها في النار لتحترق، وهذا لم يكن بدواعي أنية والسرية وما إلى ذلك، بل لدرجة الأمية التي كان عليها أغلب من كانوا في الجبل، لم يكن لديهم تلك الفكرة عن ضرورة الاحتفاظ ببيانات ورسائل كوثائق تاريخية، وكان ذلك هو رده، فالجماعة هي التي كانت تقرر من الداخل، وكان هناك أناس فتحت لهم بابا وهو إن رغب أي شخص أن يساعد الجماعة في الخارج بأية طريقة سواء عن طريق الكتابة في أي مبنر إعلامي، أو ي شخص عنده أشياء يريد إرسالها فهو مرحب به، عندك علاقة تجمع أموال لا بأس وهكذا لكن بأن تتكلم باسم الجماعة فهذا غير مقبول.

س: ما كانت دوافعك من وراء تأليف كتاب " درء شبهات التكفير عند أبي محمد المقدسي والجماعات الإسلامية المسلحة؟ هل هو رسالة لهؤلاء؟ وهل مازال هناك مبرر لما يسمى بالجهاد في الجزائر حسب رأيك؟

ج: في الحقيقة، هناك الكثير من الإخوة الذين نزلوا من الجبال، وحتى أجيب عن سؤالك دعني أخبرك بأمر هام، فنحن قبل أن ننزل من الجبل قمنا بثورة...فمن السهل جدا أن تقنع الناس أن يصعدوا للجبل، لكن من الصعب إقناعهم بالنزول، وقد أقنعنا الكثيرين بترك السلاح والنزول من الجبل وهذه هي الثورة الحقيقية التي قمنا بها.

س: كم بقيت في الجبل؟

ج: بقيت حوالي ثلاث سنوات

س: ومتى نزلت؟

ج: نحن لم ننزل في المصالحة، نحن نزلنا من قبل..سأحكي لك كيف. فأنا كنت أقول لمن كانوا معي أنه لم يكن هناك جهاد، فانا لما التحقت بالجبل ورأيت ما رأيت ما كان هناك لم اقتنع، وصراحة لم تكن لدي قناعة شرعية كاملة، وكان يسود الخوف وأشياء كثيرة كانت في تلك الفترة.

س: هل كنت مؤثرا؟

ج: نعم كنت جد مؤثرا، كان لي تأثير كبير ومقنع وهذا أقوله بكل فخر واعتزاز. فاليوم لما ألتقي بالكثيرين من الذين كنت سببا في إقناعهم بترك العمل المسلح، يقولون لي " لولا أن الله أرسلك إلينا ما كنا فعلنا شيء.." يعني يمكنك القول أنني كنت من الناس الذين فجروا الجماعات المسلحة بحيث تفككت بعد ذلك، فقد كان زيتوني يمسك بزمام الأمور، لكن قبل خروجي عنه، كانت جماعة الأربعاء ( في ولاية البليدة ) قد خرجت عليه لأنها تعرف المنطقة جيدان لكني تأخرت في الخروج لكوني لم أكن من أبناء المنطقة، لذلك لم أعرف كيف وإلى أين أتجه، فهم كانوا يضعوننا في السجن ( يقصد كل من رفض الجهاد كان يتم حجزه في مكان كي لا يهرب )، فأنا بالمناسبة كنت مسجونا عندهم ( يقصد: عند جماعة زيتوني أمير الجيا )، لكني فور خروجي عنه تمكنت من إخراج الجماعة عليه، ففي الجبل كنت أتحين الفرصة كي أبين للجميع أن هذا ليس بجهاد شرعي، لكن الأمر كان صعبا جدا. دعني أحكي لك كيف جاءني الفرصة.. كنت ماكثا في قرية صغيرة تسمى وادي الاثنين وهي منطقة جبلية في تابلاط، وقد أقمت لفترة طويلة عند إحدى العائلات، ولم أكن أبالي بما كان يحدث في الجبل ( في المكان الذي كانت تتمركز فيه الجماعات المسلحة ) وفي الأيام التي كانت الدولة ترمي بصورنا من فوق الطائرات وتعرض مبالغ مالية لكل من يقبض علينا أحياء، جاءت إلي جماعة وقالت لي "صورتك أيضا رميت ووضعوا لك ثمنا لمن يمسك بك حياّ،" كان ثمني 300 مليون سنتيم، وقال لي أحدهم " لماذا أنت هنا؟ " قلت له أنا لست مقتنعا بالعمل المسلح نهائيا، وكان هذا الأخ الذي سألني مقرب لي ويستمع لي كثير، لكنه ما استساغ كلامي عن عدم قناعتي بالجهاد، فقام ووجه رشاشه صوب رأسي وقال " هل أفرغ فيك كل هذه الذخيرة ؟ " ثم أضاف " هل تريد أن تحدث فتنة بهذا الكلام الذي تقوله " وبقي يتكلم معي ويبقي بصدق ويقول لي " وإخوتنا وأخواتنا في السجون.." لكنني قلت له " لا يوجد جهاد " ومضيت أحاول إقناعه بكل ما أتيت من حجج، ولما كان الرجل مثقف وله أخلاق كنت قد اخترته عن قصد فقد لمست عنده ذلك الاندفاع والإحساس وقلت في نفسي هذا الذي يمكنه أن يساعدني في مهمتي، وفعلا لما قلت له ذلك الكلام، طلبت منه أن يغادر المكان، فقال لي " عدني أن لا تتحدث لأحد في هذا الأمر " فأجبته أن اذهب وفكر في الأمر واجلس مع نفسك وبعدها تمعن في كلامي إن كان صحيحا ما أقول أم لا، فذهب الرجل وبقيت أنا في مكاني، فمكث في الجبل 20 يوما وبعدها عاد إلي، لمحته قادم من بعيد مبتسما فعرفت أنه اقتنع بكلامي، فلما وصل عندي قال " إن الذي قلته صحيح " وسألني " ما العمل الآن ؟ " فأجبته أننا سنعمل على إقناع بقية الإخوة، فبدأنا بالأقرب فالأقرب حتى توسعت دائرة المقتنعين فكانت في الأول 70 ثم ارتفع عددهم إلى مائة..

س: مصادر تمويل الجماعات المسلحة، من أين كانت تأتي؟

ج: في البداية كانت تأتينا أموال من الخارج، لم تكن تأتينا من الدول بل من جمعيات خيرية.

س: ما كانت هويات هذه الجمعيات؟ عربية؟!

ج: نعم كانت من بينها جمعيات ، ولكن أيضا من أوروبا كفرنسا، ألمانيا وبريطانيا، كانت تأتينا أموال كثيرة من هؤلاء. الحقيقة أنه في بداية الأمر كانت تصلنا أموال كثيرة، لكن بعد ذلك اتجهت الجماعات المسلحة إلى الاعتداء على أموال الناس، حيث في البداية لم يكن هذا النوع من الاعتداءات لكون الجماعات لم يكونوا في حاجة إلى أموال كي يأكلوا ويشربوا، فأسواق الفلاح كانت موجودة..

س: والسلاح، من أين كان يأتيكم؟

ج: السلاح لم نكن نجبله من الخارج، لكن كانت تأتينا بعض الكميات من الأسلحة التي كان رابح كبير يتكفل بإرسالها من ألمانيا عن طريق المغرب ثم تدخل عبر الحدود لتصل إلينا، أو حتى تلك الأسلحة التي كان يجبلها لنا خالد بلعور ( مختار بلمختار ).

س: على ذكر بلمختار، هل عرفته عن قرب؟

ج: نعم، أعرفه. أعرفه جيدا، ففي الأيام التي أحضر فيها السلاح، التقيته في بوغرة ( جبل بولاية البليدة جنوب العاصمة )، وقد احضر يومها أنوعا كثيرة من الأسلحة منها الـ 12 كا وغيرها.

س:  والأسلحة الأخرى من أين كانت تأتي؟

ج: كان معظمها يأتي من مواجهات مع العسكر.

س: ما هي ابرز مواجهة شاركت فيها؟

ج: هل تصدقني إن قلت لك أنني لم أشارك في مواجهات، إلا إن كنت أمشي مع جماعة والتقينا بالعسكر فنشتبك، أما أنني شاركت في كمائن فهذا لم يحدث، لم أشارك في نصب أي كمين، هل تعلم أن الجماعات المسلحة كانوا يختارون المقاتلين بعناية؟

س: لكن هل واجهتم العسكر مرة؟

ج: نعم واجهنا، فمرة أذكر أننا كنا في منطقة الشراربة ( جنوب العاصمة )، كنا نهم بقطع الطريق فإذا بالعسكر أمامنا، فتواجهنا فأطلقوا النار وأطلقنا، لكننا نجونا وأكملنا سيرنا، هذا ما اذكره فقط. أما مواجهات الجماعات المسلحة مع الجيش فكانت كثيرة، مثلا نصبوا كمينا للجيش في منطقة شرشار في الشريعة ( ولاية البليدة )، وقتل خلالها قرابة 50 جنديا، واسترجع في تلك العملية: 50 قطعة سلاح، 48 رشاش وأيضا سلاح " آر بي جي"، وعدة قطع أخرى من الأسلحة، وهناك أيضا العمليات الكبيرة التي استهدفت ثكنات الجيش، مثل ثكنة سبدو وثكنة أخرى في منطقة الغرب قام بها القيادي في الجماعة الإسلامية المسلحة المدعو قادة بن شيحة، فبتلك العمليات كسب عتادا حربيا، مما خلق انسدادا بينه وبين زيتوني.

س: هل كان الانسداد بسبب توزيع الغنائم؟

ج: نعم. مسألة الغنائم كانت سببا في الخلاف بين الرجلين.

س: أي مبرر شرعي للجهاد بقي لدى الجماعات المسلحة الآن؟

ج: دعني أحدثك عن هذا الأمر. فلما كنت قد سردت لك بعضا من العمليات والاعتداءات التي قامت بها الجماعات المسلحة، أردت أن أؤكد لك حقيقة أنه لم يكن هناك جهاد في تلك الفترة وليس هناك جهاد الآن، ففي بداياته، فالفساد يختلف من فترة لأخرى، ففي الفترة الأولى كانت المواجهات بين الجماعات والعسكر والدرك والشرطة، لكن فيما بعد تحولت الجماعات إلى الاعتداء على النساء والأطفال، يعني أن الفساد الذي كان موجودا في تلك الفترة ليس كالفساد الموجود الآن، لكن في النهاية كله غير شرعي.

س: مدني مزراق، الأمير الوطني للجيش الإسلامي للإنقاذ أو ما يسمى بالأيياس، حاولت خلق مبررات جديدة للعودة إلى الساحة السياسية، أنت كواحد من الفاعلين في هذا المجال، ماذا تعرف عن الرجل؟ أو لنقل ماذا يعني لك هذا الرجل؟

ج: أنا والله دائما أقول لهم انصحوه أن يذهب لزيارة طبيب نفسي، أرى أنى عليه أن يذهب للعلاج، فاليوم، كثير من الناس الذين حملوا السلاح كانوا يعتقدون أنهم يحققون مشروع الدولة الإسلامية، لكن لم يكن في مخيلتهم أنهم هم من سيقود هذه الدولة، فأي واحد منهم كانوا يقول أنا جندي أحقق المشروع ومن بعد يأت من هم أكفاء وقادرون على التسيير، فأنت لا تسير بلدية بل تعمل على مشروع دولة. يعني أنا مثلا اليوم، اسمح لي أن أخرج عن السؤال قليلا، دخلت إلى الإنترنت ورأيت فيديوهات عباسي مدني لما ظهر في حصة لقاء الصحافة التي كانت تبث في بداية التسعينات، فأجاب يومها عن سؤال الصحفي بخصوص مشروع الجبهة الإسلامية للإنقاذ الاقتصادي لتسيير الدولة، فكان الجواب أن قال عباسي :" نعتمد على البترول والغاز "، بالله عليك، هذا دكتور جامعة يقول هذا الكلام، فنحن في الجزائر كان المشكل كيف نقلل من الاعتماد على البترول والغاز، فأنت ما الذي سيتقدمه كإضافة، وتحدث عباسي أيضا عن اعتماده على الزكاة.. والله أنا أتأسف من طريقة تفكير كهذه، والآن أين يعيشيون؟ في ترف في الخارج، فهم أناس يحبون الدنيا، وهذا الشخص منهم ( يقصد مزراق )، فالعلمانيين مع أنني أختلف معهم لكنني أحترمهم، ففيهم بعض الناس شرفاء مثل المحامي مقران آيت العربي، هذا رجل علماني لكني أحترمه كثيرا، عكس بعض الإسلاميين اليوم، فهناك فرق بين الإسلام ومن يدعي أنه إسلامي، في الحقيقة هناك فقط من يحمل شعار الإسلام لكنه بعيدا عن تطبيقه، فلما أرى رجلا مثل أبو درة ( مزراق ) أتأسف.

س: مختار بلمختار أصبح الآن من أهم المطلوبين من طرف الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما والجزائر أيضا، كيف أصبح بهذه القوة؟ أين تمكن قوته؟ حدثنا عن كل ما تعرفه عن هذا الرجل؟

ج: أنا حتى أكون صادقا معكم، لم أعرفه كصديق، بل مكث معنا في الجبل لمدة شهر ونصف في بوغرة ( جبل في ولاية البليدة ) لما أحضر السلاح. ففي تلك الفترة كنا نلتقي مع بعض. فالرجل كان قد جاء من مالي في 1995، والمعروف أن كل نشاطه كان متمركزا في الساحل وشمال مالي، كان يلقب بكنية " بلعور " وهو خالد أبو العباس، فهذا الرجل الذي يلقب الآن ببلعور، اسمه الحقيقي مختار بمختار، أقول لك أنه التحق بالجهاد في أفغانستان وعمره 17 عاما، واليوم هو في الخمسينات من العمر، يعني هذا الإنسان لم يعش حياة السلم، فصعب جدا لك أن تقنعه بوضع السلاح، هو ابتعد عن الحياة العادية لأنه في الحقيقة تعد حياة السلاح هي الحياة العادية لمثل هؤلاء، فإن وضع السلاح ستصبح حياته غير عادية، ففي أفغانستان يعلمون أولادهم منذ الصغر حمل الكلاشنكوف، فكيف تطلب من أناس كهؤلاء أن يتركوا السلاح ويعيشوا حياة عادية ويدخلوا في مشروع سياسي، هم لا يؤمنون بهذه الأشياء.

س: حدثنا عنه أكثر؟

ج: هو إنسان عادي، لما جاء في تلك الفترة، كان هناك قتال بين الجيش الإسلامي للإنقاذ والجيا، وتم مبايعة محفوظ بوطاجين أميرا على الجماعة المسلحة، ثم بعد رفضهم من طرف البعض، بويع جمال زيتوني مكانه، فكان الصراع بين جماعتين، فرض بوطاجين كان لكونه من تيار الجزأرة، بينما زيتوني كان سلفيا، فرفض هذا ذاك فوقعت الفوضى، وكان زيتوني قد أرسل الحبشي ( أمير المنطقة الأولى الذي قتلوه فيما بعد ) إلى الغرب ليؤخذ البيعة له، لكن الحبشي ألب عليه جماعة الغرب، فزيتوني في الحقيقة أرسله إلى هناك كي يتخلص منه، فالحبشي لما التقى جماعة الغرب ( يقصد الجماعة التي كانت تنشط في ولايات الغرب الجزائري ) وقال لهم أن زيتوني لا يستحق أن يكون أميرا، لكن بعد عودة الحبشي عقب قضاءه فترة في الغرب، قتله زيتوني، هنا، جاءت جماعة الغرب كي تفهم ما يجري، وجاءت جماعة خالد ( بلعور )، فخالد كان معتاد على إرسال السلاح مع أشخاص، لكن هذه المرة جلب شحنة السلاح بنفسهن في الحقيقة جاء ليرى ما يحصل، وهي أول مرة يأتي فيها إلى منطقة الوسط، فهو من غرداية، وكان يعرف أحد العناصر في الجماعة اسمه ميلود حبي المدعو أبو الوليد، وهو ابن غرداية أيضا ونشأ معه، وكان حبي هذا يحكي عن بلعور فيقول إنه انسان عادي وليس له مستوى ثقافي.. ما رأيته أنا في تلك الأيام هو أن بلمختار جاء ليستخبر الأمور، لكنه وجد نفسه يقاتل مع جماعة ضد أخرى، أنا كنت مسجونا ثم بعدها هربت، لكن زيتوني أخذ بمختار وذهبا ليقاتلا جماعة الأربعاء، وهم من جماعة الجزأرة.

س: كيف وصل بلمختار إلى المكانة التي هو عليها الآن؟

ج: هو في الحقيقة لما يتعلق الأمر بالقتال، فإن بلمختار رجل متمكن، يتخذ قرارات ومواقف. فأنا مثلا لو تسألني عن زيتوني أو عبد الرزاق البارا أو حسان حطاب أو عن بلمختار، أقول لك أن كل هؤلاء لديهم قوة وقدرات كبيرة في الجانب القتالي وفي التكتيك القتالي، ففي هذا الجانب، هم لم يكونوا أناس عاديين كما يتصور البعض، هم فعلا أقوياء لكن لم يكن لديهم فكر أو رؤية سياسية، هم كانوا متمكنين فقط في القتال.

س: من أين كسبوا تلك القدرات على وضع الخطط والمناورات إدارة المعارك؟

ج: ابرز شيء يشترك في القائد قبل الجانب القتالي هو الشجاعة، فالذي يقود الجماعة يجب أن يكون شجاعا، ثم يشترط أيضا أن تكون له تجربة، فمثلا عبد الرزاق البارا بحكم أنه كان في الجيش، حسان حطاب ربما لم يكن ظاهرا في البداية لكنه أصبح إنسانا مؤثرا واكتسب خبرة، وحطاب في قضية الرهبان مثلا، كان قد صرح وقال " لقد ذهبت إلى زيتوني وحذرته وقلت له إياك أن تقتلهم.." ولما قتلهم زيتوني، حطاب صرح انه خرج عليه مباشرة.. لكن هذا كذب وغير صحيح، أنظر، سأطلعك على حقيقة، حتى أكون صادقا معك، أنا لم أكن أجرأ أن أقول لزيتوني كلمة أو نصف كلمة، في البداية صح، كان زيتوني قريب مني فنحن كنا سويا في المعتقل، لكن من بعد لما تطورت الأمور وصار يقتل بالجملة، لم يكن أحد يتجرأ ويقول له كلمة، خوفا طبعا، فمن ذا الذي كان يجرأ ويقول لزيتوني ماذا تفعل.. أقول لك، الجماعة الإسلامية كانت متكونة من مجموعات، فالذي لديه مجموعته يمكنه الحديث إلى زيتوني، فكانت الجيا متكونة من جماعة أولاد إعيش من البليدة، وجماعة القصبة وجماعة بير خادم وكانت أيضا جماعتا براقي وبوفاريك، ومن كان ينتمي لتلك الجماعات كان له الحق والشجاعة كي يتكلم مع زيتوني، فجماعة بوفاريك كان يمثلها بوكابوس ورابح بونيبة، كان لجماعة البليدة نفس الحق يمثلهم رضوان مكادور وآخرون، وجماعة بوفاريك يتحدث عنهم عنتر زوابري والجماعة، مجموعة بير خادم يتحدث عنهم عبد الرحيم ومن معه، فحسان حطاب جاء  من بن زرقة شرق العاصمة ولم تكن له جماعة، لذلك لم يكن يقدر، فأنا لماذا قلت أن تصريحات حطاب بخصوص تحذيره لزيتوني من قتل الرهبان غير صحيحة، لأنه ما بين قتل الرهبان إلى الوقت الذي خرج فيه حطاب عن زيتوني أكثر من عام، فلماذا يقول حطاب أنه خرج عنه فور قتلهم، وحساب حطاب خرج على عنتر زوابري وليس على زيتوني، ويمكنكم العودة للبيان الذي اصدره يوم خروجه حتى تتأكدوا من كلامي.

س: هل حقا كان عنتر زوابري يشتغل لصالح المخابرات الجزائرية؟

ج: المخابرات لا توظف مثل هؤلاء، فهو كان عربيدا، ولم يكن زوابري سوى شخص يحمل جينات الإجرام، فهو كان يقتل باسم الجهاد، تماما مثل كل الذين صاروا يسرقون باسم الغنيمة ويزنون باسم السبي، وهذا وجدناه عند اناس كان لديهم تاريخ اسود، إذن فليست المخابرات هي التي زكته بل أخوه علي زوابري كان من أبناء المساجد وذهب إلى العراق من قبل، فشقيق زوابري كان لديه سمعة طيبة عند الناس، ولما صعد عنتر إلى الجبل بقي يمشي بتاريخ أخيه.

س: في العملية الأخيرة التي استهدفت معمل الغاز بتغنتورين، واشرف عليها بمختار، كانت بتمويل قطري، أعطنا قراءتك لهذا؟

ج: نعم. كل شيء ممكن، فأنا سمعت بأنه حتى السيارات التي دخلوا بها عبر الحدود الليبية، كانت بلوحات ترقيم قطرية، وأيضا الكاميرات التي عثر عليها هناك كانت من قطر، فأنا لا أقول لك قطر أو غير قطر من دعم هذا، لكن أصابع الخارج موجودة، سواء فرنسا و أوروبية، أو عربية، ويمكن أيضا قراءة الهجوم على معمل الغاز، فالذين يتهمون قطر يرجعون الأمر لكون مبيعات الغاز القطري تراجعت في تلك الفترة وفقد سوقها، لذل أرادوا ضرب هذا المكان في الجزائر حتى يتمكنوا من استغلال سوق الغاز العالمي، وهذه قراءة من بين القراءات لعملية تغنتورين، وأضف إلى  ذلك، ولا يمكنني الجزم بحكم عدم خبرتي بهكذا أمور، لكني متيقن أن هذه الجماعات من وراءها يد خارجية تحرك فيها، ولو ترجع لهم، فتجدهم أناس صادقين مؤمنين بأن ما يقومون به هو قتال، ومن جهة أخرى، لما نرى فرنسا جاءت إلى مالي، نتساءل لماذا وما هو مبررها في التواجد في المنطقة؟

س: ما حقيقة الدور الفرنسي الساحل؟ ولماذا انتقلت القاعدة إلى الصحراء؟

ج: هناك لدى أفراد الجماعات المسلحة فكر يعتنقونه، وهو أنهم يقاتلون العدو القريب، يعني مقاتلة "حكامنا المرتدين"، هذا هو التكوين العام للجماعات التي تأسست محليا في الدول العربية، وهذا هو الفكر الذي يعتنقه زعيم تنظيم القاعدة الجديد اين الظواهري، لكن اسامة بن لادن لم يكن لديه هذا الفكر، فبن لادن بحكم التربية التي تربى عليها وقتاله في افغانستان، فهو كان يقاتل الدور الكافرة التي هي روسيا، وبالتالي كان يبني فكره على قتال العدو الكافر، فكل ما قام به هو ضربه للمصالح الغربية فقط، فضرب البرجين ( في نيويورك ) 11 سبمتبر 2001، وضرب المدمرة كول وضرب ايضا السفارتين في افريقيا، فكل الأعمال التي قام بها هي مصالح غربية، وهذا هو الفكر الذي انتهجه بن لادن، في حين يختلف الأمر مع الظواهري، فهذا الأخير تربى وسط جماعة الجهاد المصرية، ومنطلقها هو قتال العدو القريب وهم الحكام المرتدين في نظر معتنقي هذا الفكر، إذن نحن اليوم نرى أن هذه الجماعات الإسلامية المسلحة التي تنقلت إلى الساحل والصحراء الكبرى، انضموا للقاعدة واعلنوا انفسهم تابعين للظواهري، وبالمناسبة فحتى بن لادن لم يبارك قبل وفاته، التحاق الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية بالقاعدة، فالذي بارك هو الظواهري. إذن نرى أنهم لجؤوا للساحل وبقيت مجموعات ليلة هنا ( بالجزائر ) وأنا بحكم أنني زرت السجون الجزائرية والتقيت ببعض المسجونين من التنظيم، قالوا لي أن قادة القاعدة أصبحوا بقنعونهم بأن الجهاد أصبح الآن في الساحل وليس هنا ( بالجزائر )، ويقولون لهم أن هناك ( أي في الجزائر ) المخابرات تكتشف أمكنة تواجدكم بسهولة لذلك فالافضل لكم هو الساحل، وهذه الفكرة التي اقنعتهم بالتوجه للساحلن في نظري هو عمل استخباراتي فرنسي حتى يجمعوا كل الجماعات المسلحة هناك كي تجد فرنسا مبررا للدخول إلى مالي والساحل وغيرها من المناطق، ومثلا حركة أنصار الدين كانت الجزائر حذرتهم من الدخول إلى تمبكتو ( شمال مالي ) لانه لو فعلوا ستدخل فرنسا إلى المنطقة، وفعلا لما دخلوها أعنلت فرنسا عملية سرفال، إذن من قال لهم اهبطوا تمبكتو، هذا دليل على وجود ناس تسير في هذه الجماعات.

س: ما هي قراءتك لما يحدث في ليبيا وتونس الآن؟

ج: أنا كنت اقترحت على الإخوة في رابطة علماء الساحل أن ننشط في هذه المناكق أي في تونس وليبيا، بحكم أن هناك حدود مشتركة ومصالح بين هذه الدول والشعوب، ومن منطلق أنه إن كان هناك شر في بيت جارك فالأكيد أنه سيلحق إلى بيتك، وهكذا.

س: هل قمت بزيارات ميدانية في اطار الرابطة؟

ج: نعم قمنا بزيارات ولقاءات، كمحاولة لقاء أبي محمد المقدسي في الأردن، وكان ذلك منذ حوالي ثلاث سنوات، فقد مشينا إلى هناك لكننا لم نلتقي به بحكم انه كان مسجونا من طرف السلطات الأردنية.

س: بحكم معرفتك بهذه الجماعات ونشاطك في الرابطة، ربما لديك محاولات للقاء هؤلاء بإقناعهم بالتوبة، هل فكرت في مبادرة من هذا النوع؟ هل فكرت أن تراسل البعض منهم من أجل اظهار الحق من الباطل لهؤلاء؟ 

ج: نعم نحن راسلنا بعضهم، حتى أنني راسلت خالد لعور (يقصد: مختار بلمختار )، فقد كتبت له رسالة وقد وصلته وتأكدت من ذلك، وارسلتها منذ حوالي عامين، لكن بمختار لم يرد علي.

س: هل لديك نسخة من الرسالة التي أرسلتها لبلمختار؟

ج: لا. ليست معي الآن.

س: عذرا سيدي، قلت لي أنك راست بلمختار منذ سنتين، ما فحوى الرسالة التي بعثت بها إليه؟

ج: فحوى الرسالة كان أنني ذكرته بأن هذا العمل ( الجهاد ) غير مشروع، ودعوته إلى فتح الحوار معي شخصيا، وقلت له حتى لو أنك غير مقتنع بكلامي لكن ينبغي أن نتواصل عن طريق الحوار، فالرسالة كانت مجرد رؤوس اقلام فقط هدفها ربط الاتصال مع بلعور، ولم يكن بها دلائل أو نصوص تشرح الموقف، فطلبي كان التوصل إلى فتح الحوار معا، وقلت له إن كان لديك مشكل مع السلطات، هناك اجراءات يمكننا عبرها الوصول إلى حل، وأعطيته امثلة، كحالة حسان حطاب مثلا، لكن بلعور لحد الساعة لم يرد، أما في ليبيا، فأعتقد أن الذين كانوا في الجماعة المقاتلة حدثت عندهم بعض المراجعات الفكرية في أيام القذافي، فعبد الحكيم بلحاج كان منهم، أي من الجماعة الليبية المقاتلة، ونشروا كتابا فيه مراجعاتهم الفكرية، وقد قرات بعضا منه عبر الإنترنت، يتحدثون فيه عن تراجعهم عن هذا الفكر ( الجهادي )، وأنهم كانوا مخطئين، وانهم لم يسيروا في تلك لاطريق إلا بعد أن صدت الأبواب في وجوههم، وأن النظام لما بادر بقمعهم اتجهوا لذاك الأمر، والآن الحمد لله، قد اقلعوا عن الفكر التكفيري، وفي كتاباتهم، أنا لما قرأت، اقول لك يجب أن نفرق بين من يبتعد عن العمل المسلح ومن يبتعد عن الفكر التكفيري، واذكر أنني ذات مرة كنت مع مسؤول كبير في الدولة الجزائرية ايام الزيارات التي كنا نقوم بها للسجون ونتحدث إلى المساجين الإسلاميين، هذا المسؤول كان ضابط سامي في الجيش وهو من المعارضين لفكرة اطلاق سراح المساجين من المتورطين في هكذا أعمال، فقلت له الأولى أن يتم اكطلاق سراح هؤلاء،و كانت قد بدأت ما يسمى بالثورات العربية، ونصحته من باب أن هؤلاء هناك منهم من قضى 20 سنة في السجن، وقد اتعضوا ويستحيل أن يعودوا إلى العمل المسلح، فقلت له أن الأولى ان يطلق سراحهم، لكن الأمر بقي على حاله.

س: هل تعتقد أن ما يحدث في ليبيا الآن يمكنه أن يحول المنطقة طلها إلى ساحة وغى؟

ج: أنا كتبت في خاتمة كتابي عن ما كان يحدث في ليبيا أيام الحرب على القذافي، وبالضبط لما كان يتحدث القراضاوي عبر قناة الجزيرة ويقول لقد انتهى القذافي لقد انتهى القذافي..، فقلت في خاتمة كتابي..م ماذا بعد، أي ماذا بعد القذافي، فأنتم جلبتم الناتو ليحكم، ونرى ايضا أن فرنسا لديها يد كبيرة فيما يحدث في المنطقة، ففرنسا قامت بتشييد ساحة كبيرة في باريس باسم محمد البوعزيزي في تونس، فكل هذا الذي حدث ويحدث يجعلك تحس بأن هؤلاء الناس ( الغرب ) يريدون شرا بهذه الأمة، فهم لا يريدون أن يتم استتباب الأمن، يحبون دوما أن تختلط الأمور وتعم الفوضى الأمنية..

س: كيف ترى تجربتك في الجماعات المسلحة كقيادي فيها؟ هل تشعر بندم؟ هل ترى أنها كانت تجبرة لابد منها؟ وكيف تقيم مشروع المصالحة الوطنية؟

ج: أنت قلت لي هل تشعر بندم، لكني أقول لك أنا أشعر بألم، لأن في تلك المرحلة، الإنسان الذي خرج منها بندم فقط ولم يتالم للأحداث التي وقعت لهده البلاد، كأنما لم يخرج بشيء، وأذكر أن بعض من الشباب كانوا يأتون عندي ويسألونني عن الإلتحاق بالجبل فأقول لهم الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام الذي رواه الصحابي ابو الغادية، بايع النبي تحت الشجرة وقاتل في بدر وأحد، وعاش حتى إلى عهد معاوية رضي الله عنه، هذا الصحابي روى حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، والحديث هو: " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض "، وهذا حديث سمعه عن النبي، لكن لما وقعت لافتنة في عهد معاوية دخل في القتال ونسي الحديث، وماذا فعل، قتل عمار بن ياسرن فهذا صحابي، ولما نحن نقرء هذا في كتب وما شابه ذلك، فتأخذنا عفلة أو خوف أو اشياء أخرى، والكل يجد عذرا يقدمه، وأنا همي الكبير هو أنني أحاول دائما أن أنصح الشباب وأقول أن هذا الطريق يجب على الإنسان ان يبتعد عليه وإن ترآءى لك بأن فيه مصلحة، ففي البداية تظهر لك أن هذا هو الحق وإلى آخره، لكن لما تدخل وترى الفتنة هذه، تقول لنفسك هل كنت مجنونا، وبالتالي فهذا الكتاب الذي ألفته وهذا العمل والمشاركة في الرابطة وحضورنا في كل مرة نستدعى من أجل تعزيز مسعىة المصالحة وغيرها من الأعمال.