لم تتوقف أطماع التنظيمات المتطرفة في الاستيلاء على مناطق واسعة من الدول التي أنهكتها الصراعات الداخلية وتعنت أنظمتها ضد الانفتاح والنأي بالمجتمع عن الطائفية، مثلما حدث أخيرا في العراق بعد إعلان ما يسمى بالخلافة على يد “داعش”. بل إن “خطر الموت الأسود” بدأ في الزحف غربا، وتحديدا على الحدود المصرية الليبية، ما دفع بالدول المحيطة بليبيا (أساسا تونس ومصر والجزائر) إلى عقد اجتماع على مستوى قياداتها الأمنية والعسكرية والسياسية لبحث سبل القضاء على المتطرفين وتنظيماتهم، وهو فعلا ما بدأه المصريون على حدودهم الغربية.

أكد مسؤولون أمنيون مصريون أن حالة الفوضى في ليبيا سمحت للمتشددين بإقامة معسكرات مؤقتة “فقط على بعد كيلومترات من الحدود المصرية مع ليبيا”، كما أكد أهالي القبائل التي تقطن تلك المناطق أن تحركات مسلحة تجري بشكل يومي في المجال الحدودي الليبي المصري، وهذا ما يهيئ لانتظار تصعيد في المدة القادمة.

 

من سيناء إلى درنة

الهجومات المتقطعة (التي انطبعت بالوحشية والدموية) من قبل الجماعات الإرهابية في سيناء ليست جديدة على القوات الأمنية والعسكرية المصرية. فمنذ ثمانينات القرن الماضي، تمثل منطقة سيناء الصحراوية شمال شرق مصر مسرحا لعمليات إرهابية طالت أساسا جنود القوات المسلحة والسواح والمدنيين، تقوم بها تنظيمات إسلامية متشددة، منها من هو سليل حركة الإخوان المسلمين وأزماتها المتكررة مع الدولة (مثل تنظيم أنصار بيت المقدس الذي قام بعمليات ردا على ثورة 30 يونيو وإسقاط الإخوان)، أو تنظيمات جهادية مختلفة (مثل تنظيم القاعدة).

الجديد في الأمر أن هذه المجموعات الإرهابية وجدت فسحة من الزمن دامت لأشهر (بعد عملية طابا التي راح ضحيتها سواح كوريون) لينتقل جزء منها إلى الحدود الغربية والدخول إلى ليبيا للتأهب والتخطيط للقيام بعمليات إرهابية تستهدف مصر، مصحوبين بالخبرات القتالية الميدانية التي تعود من سوريا كلما دعت الحاجة إليهم.

وهو ما يؤكد تصورات المراقبين للوضع الأمني في الشرق الأوسط، في أن “فتح جبهة غربية سوف يشتت انتباه القوات العسكرية المصرية بالإضافة إلى تصعيد ما على مستوى العمليات في سيناء شرقا ومنطقة “سيوه” و”السلوم” في الصحراء الغربية والتي تطل على منطقة درنة الليبية التي تحوي عددا من المعسكرات لتدريب الإرهابيين.

وقد أكد ذلك أحد ضباط القوات العسكرية المسؤولة عن مراقبة الحدود الليبية قائلا إن المخابرات المصرية “على علم بوجود ثلاثة معسكرات في صحراء درنة الليبية القريبة من الحدود المصرية حيث يجري تدريب مئات المتشددين”. وهو ما يطرح تساؤلات حول دور الدولة الليبية التي تعاني من عدم استقرار سياسي وأمني فيما تحكم الميليشيات الإرهابية مناطق واسعة من شرق البلاد.

 

بارونات التهريب والإرهاب

يتمكن الإرهابيون من إدخال الأسلحة والعتاد وتهريب الأشخاص والأموال عبر شبكة معقدة من المهربين المتمرسين في معرفة المنطقة وثغراتها والطرق الملتوية للدخول والخروج من وإلى الأراضي المصرية أو الليبية، خاصة وأن المناطق الحدودية بين البلدين هي مناطق وعرة وصحراوية من الصعب السيطرة عليها بشكل دائم.

وقد أكدت العديد من المصادر الأمنية والعسكرية من كلا البلدين أن شبكات التهريب ليست فقط تلك المجموعات الخارجة عن القانون والتي تهرب سلعا في الاتجاهين، بل إن كثيرا من المهربين هم في الأصل عناصر من التنظيمات الإرهابية تقوم بانتداب مئات الأشخاص للحماية والرصد والمرافقة وتأمين الطرقات للمرور بالأسلحة والمؤونة للمعسكرات التي تتدرب فيها عناصر القاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى.

وقد أكدت السلطات المصرية في العديد من بياناتها وتصريحات قيادات عسكرية ميدانية أن تحركات مشبوهة دائمة الحصول في تلك المناطق وأن بعض العمليات العسكرية الناجحة تمكنت من ضبط أسلحة بصدد تهريبها والقبض على مطلوبين مصنفين لدى السلطات المصرية على أنهم خطرين.

وقال اللواء عناني حمودة قائد فرق حراسة الحدود المصرية الليبية في الجيش المصري، “إن السلطات كشفت في الشهر الماضي عن نقل شحنة عبر الحدود تضم أكثر من ألف قطعة من الأسلحة من بينها مدافع رشاشة وبضعة قذائف صاروخية”، وهو ما يؤكد وجود المعسكرات التي تحوي عناصر إرهابية خطيرة. أما السكان المحليون فقد أكدوا أن “تفادي التفتيش الأمني والحصول على أي مواد من الجانب الآخر من الحدود أمر ميسور لمن يستطيع دفع المقابل المادي”، وهو ما أكده عنصر من المهربين الذي أشار إلى أنهم “يتقاضون مليون جنيه مصري (140 ألف دولار) لنقل الأسلحة في عربات رباعية الدفع على امتداد طرق صحراوية لا يعلم الجيش بأمرها”.

 

داعش في مصر

ذهب العديد من المحللين إلى الإقرار بأن خيطا ما يربط بين سقوط الإخوان المسلمين في مصر والجماعات الجهادية التي تأججت وقويت في مناطق مختلفة من الشرق العربي، وقد ارتكز هذا الموقف إلى جملة من الإشارات التي صدرت مثلا عن تنظيم “داعش” الذي هدد بقتل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

فقد تداول نشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي شريطا مصورا يحوي رسالة موجهة إلى السيسي من قبل عناصر إرهابية من الدولة الإسلامية في العراق والشام، وهم يهددون فيه باغتيال السيسي، ومحاربة الجيش المصري، وقتل أقباط مصر وإرسال انتحاريين للأراضي المصرية.

كما هدد التنظيم بتحويل مصر إلى جحيم، قائلا: “عندنا جهاديون قادرون على أن يقلبوا مصر إلى جحيم، ونحن نستعين بالله عز وجل وتقاتل معنا الملائكة، ولن ينجو من أيدينا أحد، وسنتخلص من السيسي، وسنتخلص من الصليبيين نصارى مصر وسنحرر بيت المقدس”.

تساءل الكثير من المراقبين عن عدم توجيه مثل هذه الرسائل إلى الرئيس السابق الإخواني محمد مرسي، ولماذا لم ترتكب هذه الجماعات الإرهابية أي جرائم في عهد المخلوع، بل إن وتيرتها زادت بعد ثورة 30 يونيو، رغم أن محمد مرسي سبق وأن بعث برسالة إلى “الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز” وصفه فيها بـ”عزيزي وصديقي العظيم”؟

وبالتالي فإن اتجاه تفسير تصاعد وتيرة التهديدات والتأهب للقيام بأعمال إرهابية داخل مصر مرتبط بردود الأفعال المتواصلة منذ أكثر من سنة عن سقوط الإخوان المسلمين وخلعهم من سدة الحكم، وقد استغل التنظيم الدولي للإخوان بشكل جيد الأوضاع الإقليمية والعربية للتمركز المسلح والاقتراب شيئا فشيئا من المحيط المصري بعد التمكن من السيطرة على مناطق مختلفة إن في الشرق العربي وأساسا العراق وشمال شرقي سوريا، أو في الغرب العربي وأساسا في ليبيا ووصولا جنوبا إلى مالي.

ويضاف إلى ذلك، جملة التقارير الصادرة في الأشهر الماضية والتي تؤكد وجود نواة لما يسمى “الجيش المصري الحر” والذي تحوم شكوك حول وقوف قطر وراء تكوينه وتمويله وتدريبه ورسم خططه الهجومية.

 

*نقلا عن العرب اللندنية