يعاني الموروث الأثري في ليبيا من عمليات نهب وتدمير واسعة بواسطة عصابات تستهدف التنقيب عن القطع الأثرية وتهريبها، مستغلة في ذلك الفراغ الأمني الذي عصف بالبلاد منذ العام 2011، والانقسامات السياسية التي كرست الفوضى في البلاد في ظل غياب سلطة موحدة قادرة على فرض الأمن والاستقرار.

 ومع تواصل الجهود الرسمية لاستعادة الآثار المنهوبة وحماية ثروة البلاد الأثرية، يعمل مواطنون ليبيون على المساعدة في هذه الجهود من خلال اعادة بعض القطع التاريخية التي تقع في أيديهم. حيث أعلنت مصلحة الآثار تسلمها احدى عشر قطعة اثرية من الفخار الملون تعود للعصر الاغريقي، موضحةً أن المواطن طارق الشلماني رئيس عرفاء بالإدارة العامة للدعم المركزي عثر عليها بمنطقة توكرة وقام بتسليمها.

وأوضحت المصلحة عبر مكتبها الإعلامي أن رئيس لجنة استلام القطع الاثرية بمصلحة الآثار انتقل الى مدينة بنغازي وبالتحديد الى مقر الادارة العامة للإحصاء والمعلومات التابعة لوزارة الداخلية بالحكومة المؤقتة وبرفقته مراقب آثار توكرة ومدير مكتب آثار طلميثة لاستلام القطع الاثرية من العقيد الغرياني ادريس بوشناف.

وتقدمت مصلحة الآثار بالشكر والتقدير للمواطن طارق الشلماني على ما قام به من عمل وطني مشرف كما ثمنت دور العاملين في الادارة العامة للإحصاء والمعلومات على دورهم كحلقة وصل بين مصلحة الآثار والمواطن.

قصة الشلماني ليست الأولي، فقد تعددت عمليات اعادة المواطنين للقطع الأثرية في ليبيا، ففي يونيو الماضي، سلّم مواطن وابنه قطعة أثرية تتمثل في رأس تمثال يعود للعصر الإغريقي، إلى إدارة فروع جهاز الشرطة السياحية وحماية الآثار بالمنطقة الشرقية. وقال الجهاز بصفحته في "فيسبوك"، إن المواطن ميلود عيسى وابنه "الجالي ميلود"، قاما بتسليم القطعة الأثرية بحضور مراقبة آثار شحات. وأشار الجهاز إلى أن القطعة الأثرية هي عبارة عن "رأس تمثال للمؤلهة ديمتري تعود للعصر الإغريقي"، متوجها بالشكر للمواطن وابنه لحرصهما على حماية الآثار من النهب والتهريب.

وفي يوليو الماضي، سلم المواطن فتحي جمعة أرحيم قطعة أثرية وجدها خارج الحرم الأثري بمنطقة قرزة، إلى جهاز الشرطة السياحية وحماية الآثار بحضور رئيس الجهاز، ورئيس قسم التحري وجمع الاستدلالات، وأحد الباحثين من مصلحة الآثار. وحسب الصفحة الرسمية للوزارة بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" فإن القطعة الأثرية هي فانوس (قنديل) أثري يرجع لأحد الكهنة المسيحيين في القرن الرابع الميلادي.

وفي أغسطس الماضي، سلم الشاب محمد فرج فضل اجويدة مصلحة الآثار الليبية، مجموعة من الكسر الفخارية، التي اكتشفت عن طريق الصدفة. وجدد الموقع الذي عثر فيه على هذه القطع ليصبح تحت إدارة مراقبة آثار شحات، وتعود هذه القطع متنوعة الأشكال والأحجام للعصر الروماني، وفقًا للمكتب الإعلامي للمصلحة. وكلفت لجنة متخصصة من قبل رئيس مصلحة الآثار الليبية باستلام القطع، واعتبرت المصلحة هذه الخطوة نجاح لحملة التوعية التي أطلقتها منذ أشهر لتحفيز وتشجيع المواطنين على تسليم الاثار المكتشفة للجهات المتخصصة.

وفي أكتوبر الماضي، أكدت مصلحة الآثار تسلمها قطعا أثرية بمنطقة الجزمة جنوب وادي بونجلة، من مواطن يدعى مرعى سعيد سالم الوافي. وأوضحت المصلحة بحسابها الرسمي، أن القطع الأثرية تسلمها مدير مكتب آثار الأبرق عطية بوشوال، وتضم أثاثا جنائزيا، وتمثالا نصفيا جنائزيا لامرأة وجدت قرب من عين مرسين.

ما قام به هؤلاء المواطنون يعتبر مثالا يحتذى وقد تكرر خلال السنوات الماضية. يأتي ذلك السلوك الذي يتسم بالوطنية، بالتزامن مع جهود رسمية لاسترجاع الآثار المنهوبة. ففي أكتوبر الماضي، نجحت جهود وزارة الخارجية التابعة لحكومة ومصلحة الآثار الليبية، في تعليق بيع رأس تمثال أثري بأحد المزادات في الولايات المتحدة، بعد تثبت الجهات الأميركية من مستندات الإثبات التي تؤكد ملكية ليبيا للأثر التاريخي.

وجاء تسليم رأس التمثال المسروقة تنفيذاً لمذكرة تفاهم موقعة بين ليبيا والولايات المتحدة، مطلع العام الماضي بشأن فرض قيود على القطع الأثرية والممتلكات الثقافية والتاريخية الليبية المنقولة من دون إثبات. وقالت مصلحة الآثار الليبية، في بيان لها، إن استعادة هذا التمثال "خطوة تتوج مجهودات مصلحة الآثار بحكومة الوفاق في محاربة الاتجار غير المشروع في الممتلكات الثقافية الليبية، من خلال مدّ جسور التواصل مع الأطراف المحلية والدولية المعنية بالآثار".

وفي سبتمبر الماضي، نجحت ليبيا، في استعادة مجموعة من القطع الأثرية، التي وصفت بأنها مهمة، كانت مهربة إلى دولة إيطاليا، في سابقة وصفت بأنها الأولى من نوعها. وجرت عملية التسليم في مقر السفارة الليبية بإيطاليا، بحضور رئيس مصلحة الآثار الليبية، الدكتور أحمد حسين، وتتضمن القطع مجموعة من الأواني الفخارية، وأسهما تعود لعصور ما قبل التاريخ. وقالت السفارة الليبية في بيان، "إن هذه القطع المهمة، بداية لإعادة قطع أكثر أهمية سبق وتم تهريبها خارج البلاد".

ويأتي هذا العمل كثمرة لجهود عمل مصلحة الأثار التي تتابع وتحصر وتبحث منذ فترة طويلة عن هذه القطع الأثرية المهربة سواء في إيطاليا وغيرها من الدول. فخلال السنوات الماضية وجدت الآثار الليبية طريقها للأسواق العالمية، وبعضها وصل إلى دور المزادات في آسيا وأوروبا. ففي أكتوبر 2016، نقلت صحيفة ذي ديلي بيست الأمريكية عن عالم الآثار الفرنسي، مورغان بلزيغ، قوله إن هناك عمليات اتّجار بالقطع الأثرية في ليبيا، يديرها رجال العصابات والجهاديون وسرّاق القبور الأثرية، وتصل إلى المعارض الفنية في باريس ونيويورك، وذلك بعد تحقيق أجراه بلزيغ عن سرقة الآثار من ليبيا خاصة من مدينة شحات.

وتعمل مصلحة الآثار على استعادة الآثار وفق الأنظمة والاتفاقيات الدولية سواء داخل البلاد أو خارجها. كما تعمل المصلحة على الحفاظ على التراث الليبي، وخاصة المخطوطات من التجريف، حيث اتفقت إدارة التنمية المستدامة بالمؤسسة الوطنية للنفط مع مصلحة الآثار الليبية، في سبتمبر الماضي، على دعم مشروع الأرشيف المركزي لمصلحة الآثار ومشروع تجهيز منظومة إلكترونية لمكتبة المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية.

وأدى ضعف الأجهزة الأمنية وانقسام المؤسسات المعنية بالآثار في البلاد، إلى تفشي جريمة تهريب الآثار في ليبيا إلى حدّ إعلان تجار الآثار عن بضائعهم على شبكة الإنترنت، وعلاوة على ذلك، وقعت الآثار الليبية في مرمى التنظيمات الإرهابية التي حولتها لمصدر تمويل لأنشطتها الإرهابية، حيث تحدثت تقارير سابقة عن أن عصابات المافيا الإيطالية تحصل مقابل السلاح على آثار يونانية ورومانية من مقاتلي داعش تمكنوا من سرقتها أو السطو عليها خلال المعارك التي يخوضونها في ليبيا.

وسارعت منظمة اليونسكو إلى التحرك باتجاه الدفاع عن الآثار في ليبيا، حيث ساهمت بورشات عمل، في العام 2013، في مجال مكافحة سرقة الآثار الليبية، خاصة بعد تزايد حالات السرقة. والتي كان أشهرها سرقة الكنز القوريني الذي يضم مجموعة من قطع العملات الذهبية والفضية والعقيق والقلائد والأقراط والتماثيل البرونزية الصغيرة من المصرف التجاري ببنغازي في مايو 2011

وسبق للجنة التراث العالمي "يونيسكو" أن وضعت 5 مدن أثرية ليبية على قائمة المدن المهددة بالخطر، وهي لبدة الكبرى، وصبراتة، وشحات، ومواقع الفن الصخري في أكاكوس، ومدينة غدامس القديمة، بسبب الأضرار التي لحقت بها والتهديدات الكثيرة المحيطة بها. وتسعى مصلحة الآثار الليبية حالياً إلى رفعها من قائمة الخطر.