في وقت تتكثف فيه الجهود محليا ودوليا في محاولة لإيجاد حل سياسي ينهي أزمة الصراع المتواصل في ليبيا التي تعاني منذ سنوات من تداعيات الانقسامات على جميع المستويات، تواصل تركيا مسلسل التصعيد عبر مزيد من التدخلات في الشأن الليبي ما ينذر بتأجيج الصراع واطالة أمد الأزمة في البلاد والتي ستكون تأثيراتها كبيرة على المنطقة ككل.

تحتضن مدينة بني وليد، جنوب شرقي العاصمة طرابلس، لقاءا تشاوريا للقبائل الليبية يهدف إلى المساهمة في حل الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد. وتوافدت على المدينة، وفود من المجالس الاجتماعية لقبائل عدة بأنحاء البلاد كافة، استجابة لدعوة سابقة للمجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة للتباحث حيال ما يجرى على الساحة الليبية والمساهمة بكل فعلية وإيجابية في إنهاء أزمة ليبيا.

وقال خالد الغويل، مستشار الشؤون الخارجية لرئيس المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية، إن المؤتمر يسعى في المقام الأول إلى التحاور بين مختلف المجالس الاجتماعية في عموم البلاد، التي توافدت أمس على مدينة بني وليد، بهدف مناقشة الأوضاع والأزمات التي تمر بها ليبيا، مشيراً إلى أن هذا "اللقاء التشاوري، المقرر اليوم، يعد خطوة إيجابية تستبق الدعوة لمؤتمر جامع لكل الأطياف المجتمعية".

ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن الغويل، تأكيده أن "لقاء قيادات القبائل ليس له أجندة مسبقة، لكنه سيتمحور حول إرساء دعائم الدولة الوطنية، ورفض كل أشكال التدخل الخارجي، والاتفاق على مؤتمر يضم كل الليبيين، والاصطفاف خلف القوات المسلحة العربية، بالإضافة إلى خريطة طريق موحدة يتفق الجميع عليها".

ويؤكد مراقبون على دور القبلية على المساعدة في المصالحة في المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد كبديل للمؤتمرات الخارجية التي أثبتت فشلها خلال السنوات الماضية. واعتبر الشيخ محمد البرغوثي أحد أعيان بني وليد، أن هذا الاجتماع يأتي بعد وصل الليبيون إلى "مرحلة اليأس من اللقاءات الخارجية وآخرها مؤتمر برلين، ومن مبدأ أن الشعب الليبي مطلبه أن يكون الحوار ليبي-ليبي".

وأشار البرغوثي في تصريح "لبوابة إفريقيا الإخبارية"، الى أن "بني وليد بكل قبائلها تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف ولم ننضم إلى أي جهة"، مضيفا "رسالتنا إلى كل الليبيين للتحرك والتآزر والسعي إلى لم الشمل والحرص على بلادنا فإنها ستضيع منا قريباً إذا لم يتحرك الجميع وهذه هي رسالتنا في بني وليد".

وتعد قبيلة الورفله من أكبر القبائل الليبية، إذ يتجاوز عدد أبنائها مليون نسمة. وتنتشر في معظم أنحاء ليبيا شرقاً وغرباً وجنوباً وحتى خارج ليبيا. وتحظى باحترام كل القبائل الليبية. وكانت ورفلة اختارت الولاء لنظام الزعيم الراحل معمر القذافي ورفض التدخل الخارجي في الصراعات الداخلية مما جعلها عرضة لقصف التحالف الدولي بشكل غير مسبوق، كما تعرضت للهجوم من قبل الميلشيات في أكثر من مناسبة.

وفي رحلة البحث عن المصالحة ولم الشمل، فقد المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة، في سبتمبر 2017، الشيخ عبد الله نطاط، رئيس لجنة المصالحة، والشيخ خميس أسباقة، اللذين اغتيلا مع مرافقيهما، أثناء عودتهم من مهمة اجتماعية، لمتابعة قضية المصالحة بين قبائل الزنتان والمشاشية. وتعهّد المجلس في بيانٍ له حينها باستكمال مشوارهِ، وأن التضحيات لن تقف أمام سعيه لململة شمل الوطن، وحقن دماء شبابه.

ويأتي هذا الحراك القبائلي، بموازاة المؤتمرات والتحركات الدولية، سعياً لمنع إطالة أمد الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ 8 أعوام وأكثر، وآخرها الاجتماع الذي تستعد العاصمة السويسرية "جنيف" لاحتضانه نهاية الشهر الحالي، وذلك بهدف وضع آلية لتفعيل بنود مخرجات مؤتمر برلين الدولي الأخير، والعمل على وضع خارطة طريق واضحة لإخراج البلاد من أزمتها الراهنة والتي أدت لحالة من عدم الاستقرار.

وتضم اللجنة، التي اقترحتها البعثة الأممية لبحث المسار السياسي، 40 شخصية ليبية، و13 نائباً عن البرلمان، ومثلهم من المجلس الأعلى للدولة، بالإضافة إلى 14 شخصية مستقلة، تمثل كل المدن الليبية، تختارهم البعثة سعياً لحوار سياسي فاعل بين مختلف الأفرقاء. وكانت البعثة قد أعلنت أنها تسلمت القائمة "5+5"، التي تضم 5 ضباط نظاميين من كل طرف، حيث من المقرر وفقاً لمصادر أنها ستعقد أول اجتماعاتها في جنيف خلال أيام قليلة.

ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن مصدر مطلع في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، تأكيده أن التحضيرات ما تزال جارية لإطلاق الحوار بين أعضاء اللجنة التي ستجمع 5 شخصيات ممثلة للجيش الوطني مع 5 مرشحين آخرين من طرف الوفاق بهدف الإشراف على الترتيبات الأمنية، بناء على مخرجات مؤتمر برلين. ونفى ذات المصدر تحديد البعثة الأممية لأي موعد رسمي سابق لعقد اللجنة، مشيراً إلى أنه لا يُمكن القول أن الاجتماع قد تأجل.

وتأتي هذه التحركات محليا ودوليا لإنهاء الأزمة في ليبيا، في وقت تواصل فيه تركيا سياسة التصعيد في البلاد في محاولة لتأجيج الصراع واطالة أمده. ففي تطور جديد، بدأت تركيا محاولاتها لغزو ليبيا حيث أكدت تقارير محلية وشهود عيان، إنزال بارجتين تركيتين جنودا أتراكا في ميناء طرابلس الليبي، فجر الأربعاء 29 يناير 2020، لدعم القوات الموالية لحكومة الوفاق في حربها ضد الجيش الوطني الليبي.

تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، صورا لبوارج حربية تركية، قيل إنها وصلت إلى ميناء طرابلس، وعلى متنها جنود أتراك. وبحسب ما نشرته مصادر إعلامية مطلعة، فأن بارجتين يحملان أسماء غازي عنتاب" و"قيديز"، يرافقهما سفينة شحن قاموا بإنزال دبابات وشاحنات عسكرية، لافتة إلى أنه تم نقل العتاد والذخائر إلى قاعدة معيتيقة الجوية وسط العاصمة طرابلس.

ويتزامن ذلك مع تواصل ارسال تركيا للمرتزقة والارهابيين الى الأراضي الليبية حيث كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الثلاثاء، عن إن عددا كبيرا من المسلحين في إدلب بسوريا يتوجه إلى ليبيا، في خرق للقرارات الدولية. وأضاف لافروف في مؤتمر صحفي مع وزيرة خارجية جنوب السودان "عدد كبير من المسلحين يسافرون إلى ليبيا، خلافا لقرارات مجلس الأمن، للتدخل في الشؤون الداخلية الليبية (..) ولذلك تواصلنا مع وزير الخارجية التركي" في هذا الشأن.

وكان المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي أحمد المسماري، قد أكد أن تركيا سرعت من عمليات نقل الإرهابيين من سوريا للقتال في ليبيا. وقال المسماري في مؤتمر صحفي، الأحد: "حتى اللحظة تواصل تركيا إرسال الإرهابيين والمرتزقة دعما لحكومة الوفاق"، مبينا، أن إرسال تركيا للإرهابيين خرق للقانون الدولي ومؤتمر برلين، مشيرا إلى أن مخطط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لإرسال آلاف المرتزقة إلى ليبيا معلن، وفق قوله.

وقامت تركيا بإرسال الآلاف من المرتزقة السوريين للقتال في ليبيا، وهي خطوة يؤكد كثيرون أن تبعاتها خطيرة، ليست فقط على ليبيا ومساعي وقف إطلاق النار والحل السياسي فيها، لكن على كل المنطقة، بالنظر إلى التجربة السورية. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان في وقت سابق إن أكثر من 3600 مقاتل انتقلوا من سوريا إلى ليبيا في الآونة الأخيرة.

ويأتي هذا التصعيد الخطير على الرغم من موافقة تركيا على بنود المؤتمر الذي عقد في برلين الأسبوع الماضي. والتزم قادة أبرز الدول المعنية بالنزاع في ليبيا احترام حظر إرسال الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة عام 2011، ودعوا إلى وقف العمليات القتالية وخفض التصعيد والتزام "وقف دائم لإطلاق النار" في البلاد. وقالت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل للصحافيين إثر المؤتمر: "توافقنا على احترام هذا الحظر على الأسلحة وعلى مراقبته بشكل أكثر حزماً من السابق. كما اتفقنا على عدم دعم أطراف الصراع الليبية عسكرياً".

لكن هذه التطورات على الأرض تكشف التفاف أردوغان على تعهداته الدولية واستمراره في العبث بأمن ليبيا والمنطقة دمة لأجنداته المشبوهة. وتضع هذه التطورات البعثة الأممية في موقف حرج خاصة بعد أن أكد رئيس البعثة غسان سلامة، أنه سيحاسب الرئيس التركي اذا أخل بتعهداته بعدم إرسال قوات أو مرتزقة إلى ليبيا. وقال سلامة حينها: "أنا لدي ورقة ولدي ما أحاسبه عليه وقبل ذلك هذا الأمر لم يكن متوفرا.. ولدي الآن تعهد منه".