تستضيف الجزائر غدًا الجولة الثانية من المفاوضات بين الحكومة المالية وست حركات مسلحة ناشطة في مالي بمشاركة فاعلين إقليميين وقاريين.
وقد أكد رمطان لعمامرة وزير خارجية الجزائر أن الجزائر ستستضيف حوارا "عميقا"، بين الأطراف المالية حول الوضع في شمال مالي في إطار احترام سيادة الدولة والشعب المالي.

وكانت الجولة الأولى من مفاوضات تسوية الأزمة قد عقدت خلال الفترة من 17 وحتى 24 يوليو الماضي، بمشاركة الجزائر ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا والاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لتنمية دول غرب أفريقيا والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي وكذلك بحضور ممثل سام عن الرئيس المالي المكلف بالحوار المالي الشامل موديبو كيت.

وقد عقدت الجولة الأولي غداة تنظيم عملية إنسانية تحت إشراف الجزائر تتعلق بتبادل الأسرى بين الحكومة المالية والحركات السياسية-العسكرية لشمال مالي والتي تمثلت في إطلاق سراح حركات شمال مالي لـ 45 شخصا (مدنيين وعسكريين) تابعيين للحكومة المالية مقابل تحرير 42 من أعضاء ومؤيدين ماليين للحركات السياسية العسكرية.

وانتهت الجولة الأولى بتوقيع الحكومة المالية والحركات السياسية عسكرية من شمال مالي على وثيقتين تمثل إحداهما "خارطة الطريق للمفاوضات في إطار مسار الجزائر" والثانية تتعلق ب"وقف الاقتتال" .. كما وقع الوثيقتين فريق الوساطة الذى شارك في الحوار.. وكان التوقيع على هاتين الوثيقتين في ختام المرحلة الأولي من الحوار المالي/المالي، نتيجة مرضية لكافة الأطراف.

ويأتي استكمال الجولة الثانية من الحوار بعد تجديد مالي ثقتها في وساطة الحكومة الجزائرية من أجل تحقيق السلم والاستقرار في شمال مالي ... بيد أن هذه الجولة تأتي في ظل تطورات فرضت نفسها مؤخرا على المشهد وأهمها انشقاق ثلاثة قياديين عن أهم فصيل مسلح هو الحركة العربية الأزوادية.. حيث أصدر القياديون الثلاثة وهم أبوبكر ولد الطالب المتحدث باسم الحركة العربية الأزوادية؛ والداه ولد البشير الملحق العسكري لدى المكتب التنفيذي للحركة العربية الأزوادية، ومحمد العمراني الأمين السياسي للحركة العربية الأزوادية في بيان لهم انشقاقهم عن الحركة العربية الأزوادية مبررين ذلك برفضهم التام والمطلق للاقتتال الداخلي بين الأشقاء من أبناء شعب أزواد.

يأتي هذا الانشقاق إثر تمرد الحركات الأزوادية على اتفاقيات وقف إطلاق النار الأمر الذي لا يصب في صالح الجزائر التي وضعت أهم شرط في مفاوضات التهدئة وهو "وحدة الصفوف" وبالتالي فإن هذه الانشقاقات ستصعب مهمة الدبلوماسية الجزائرية في التوصل إلى حل سلمى يعيد الاستقرار إلى المنطقة بعد تهدئة لم تدم سوى أسابيع قليلة نظرا لصعوبة إيجاد الأطراف التي يمكن التفاوض معها في بداية سبتمبر المقبل في إطار الجولة الأخيرة والنهائية من المفاوضات.

وقد أكد ولد الطالب ـ وهو أحد المنشقين ـ أن الجولة الجديدة من المفاوضات ستكون جولة صعبة جدا على كافة الأطراف باعتبار أنها ستحكم على مصير الشعب الأزوادي الذي يسعى إلى العيش في سلام، مشيرا إلى أن الحكومة المالية بعيدة عن تحقيق هذه الغاية ... مشيرا إلى إن المناطق الحدودية تشهد توترا شديدا بفعل نشاط الجماعات الجهادية المسلحة التي تخوض حروبا، والأخطر هي تجارة المخدرات التي بلغت مستويات قياسية ومن هنا وجب تكثيف الجهود من أجل التوصل إلى حل يرضى جميع الأطراف.

وفى هذا الصدد، قال الدكتور إسماعيل دباش أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3 لوكالة أنباء الشرق الأوسط إن المفاوضات وصلت إلى مرحلة متقدمة حيث يتم تنفيذ برنامج عمل وكل جماعة تريد أن يكون لها مكانة كبرى في المفاوضات لتحقيق مكاسب سياسية في التفاوض مع الحكومة المركزية.

ويرى المحلل السياسي الجزائري أن المشكلة تكمن في وجود أطراف خارجية لا تريد نجاح هذه المفاوضات وعلى رأسها فرنسا التي ليس في مصلحتها ان يتحقق هذا المكسب الكبير الذى يفضى إلى حل للمشكلة وهى تريد ان يكون لها اليد العليا لتبرر وجودها العسكري في مالي .. وهذا ماحدث عام 2012 عندما تدخلت عسكريا في مالي في وقت كانت المفاوضات وقتها قد وصلت إلى مراحل متقدمة ولم تأخذ في الاعتبار الحل السياسي.

وأشار إلى أن هناك عناصر متطرفة تشجع فرنسا لإلغاء المفاوضات فيما يميل الرئيس المالي ابراهيم ابوبكر كيتا تجاه الجزائر لعلمه بثقلها الدبلوماسي القوى ولكنه أيضا بين نارين بين الحل السياسي للجزائر وبين إرضاء فرنسا ..

ويؤكد الدكتور إسماعيل دباش ان فرنسا ليست الطرف الخارجي الوحيد المؤثر في المفاوضات بل هناك أيضا بوركينا فاسو وكوت ديفوار اللذان يختلف توجههما عن الجزائر وعن دول الميدان مما يضع الحكومة المركزية في مالي في وضع حرج.

وما يؤكد ذلك هو استضافة بوركينا فاسو لاجتماع ضم سبع حركات سياسية وعسكرية تمثل العرب والطوارق في ازاواد في الأسبوع الماضي أفضي إلى إعلان اتفاق يوم "الخميس" الماضي أكدت فيه توحيد صفوفها في مواجهة حكومة مالي والدخول بصوت واحد في المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق شامل وكامل لا يستثنى أيا من القضايا المطروحة.

واكد الدكتور دباش أن ما يحدث في شمال مالي ينعكس على المنطقة العربية والأفريقية ومن هنا ظهرت في الأفق ليبيا وتونس اللتان تؤيدان الحل السياسي سعيا لترتيب الوضع الأمني في المنطقة ككل.

وثمة حجر عثرة أخرى في طريق المفاوضات تتمثل في إعلان جماعات مسلحة من الطوارق في شمال مالي عن تشكيل فرق للدفاع الذاتي تحت اسم "مجموعة الدفاع الذاتي للطوارق" "ايمجاد" تتمثل مهمتها في التصدي لمطالب الحكم الذاتي التي تجارب من أجلها الحركة الوطنية لتحرير الازواد حيث أعلن آغ المحمود الأمين العام للمجموعة أن حركته تدعم عملية السلام وتعترف بسيادة الأراضي المالية ولا تطالب بالحكم الذاتي.

وذكرت تقارير صحفية عن خبراء قولها إن "إيمجاد" هي عبارة عن قبيلة ذات أغلبية من الطوارق في مالي تضم أكثر من مليون شخص وهي تشكل دعما لجهود مكافحة الإرهاب في إقليم الازواد الذي انتشرت به جماعات إسلامية متطرفة تابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

وتسعى الجزائر منذ سيطرة جماعات مسلحة على شمال مالي عام 2012 على العمل على إعادة الاستقرار والأمن في هذه المنطقة والحيلولة دون إقامة كيان مستقل عن الحكومة المركزية في العاصمة باماكو .. وبعد عامين من الجهود الحثيثة وقعت ثلاث حركات مسلحة ـ الحركة الوطنية لتحرير الازواد والمجلس الأعلى لوحدة الازواد وفرع من الحركة العربية للازواد ـ على إعلان الجزائر في التاسع من يونيو الماضي ... ثم انضمت اليهم في وقت لاحق ثلاث حركات أخرى هي ائتلاف الشعب من أجل الازواد وتنسيقية الحركات والقوى القومية للمقاومة وفرع من الحركة العربية للازواد .

يذكر في هذا الصدد أن الحركات الست المعنية بالحوار المالي هي الحركة العربية الازوادية والتنسيقية من أجل شعب الازواد وتنسيقية الحركات والجبهات القومية للمقاومة والحركة الوطنية لتحرير الازواد والمجلس الأعلى لتوحيد الازواد والحركة العربية الازوادية "منشقة"، حسب وكالة انباء الشرق الأوسط.