في 12 سبتمبر/أيلول 2012 هاجم عشرات المنتمين إلى التيار السلفي الجهادي التونسي مقر السفارة الأمريكية بتونس و ذلك في أعقاب بث الفلم المسيء للرسول، والمعروف باسم "براءة المسلمين"و أدى الهجوم إلى حرق مقر السفارة و مقر المدرسة الأمريكية بتونس وقالت السلطات التونسية آنذاك إن التيار السلفي الجهادي كان وراء الصدامات التي أودت بحياة أربعة من المهاجمين وأصيب فيها العشرات خلال مواجهات مع الشرطة، وتم إحراق ونهب جانب من مبنى السفارة الأميركية والمدرسة الأميركية جزئياً بضاحية البحيرة .

شكلت هذه الحادثة تحول مفصلي في العلاقات بين الإدارة الأمريكية و النظام الحاكم في تونس بقيادة حركة النهضة الإسلامية و التي تمثل فرع جماعة الإخوان المسلمين في البلاد ة ،بعد أن اعتبرت واشنطن أن الحكومة التي تقودها النهضة برئاسة حمادي الجبالي و علي العريض وزيرا للداخلية مقصرة في حماية البعثة الدبلوماسية الأمريكية و إنها شريك غير مجدي في مناهضة الإرهاب ،كما شكلت أيضا الأحكام المخففة التي سلطتها القضاء التونسي فيما بعد على مهاجمي السفارة نقطة إزعاج أمريكية أخرى من الحركة الإسلامية في تونس ،فقد حكم القضاء التونسي قد حكم في 28 مايو/أيار 2013على 20 شخصاً ملاحقين لدورهم في مهاجمة السفارة الأميركية في تونس ، بالسجن عامين مع وقف التنفيذ، وذلك إثر محاكمة قصيرة، وفق المحامي الرئيسي للمتهمين،الأمر الذي جعل السفارة الأمريكية بتونس تعبر عن ما أسمته "شدة انزعاجها" من الأحكام التي صدرت بحق المتهمين بالهجوم على مقرها.

وقالت السفارة في بيان لها صدر مساء في 29 مايو/أيار2013: ''سفارة الولايات المتحدة الأميركية اطلعت على عدد من التقارير الإعلامية التي تخص الأحكام التي صدرت في شأن بعض المتهمين بالضلوع في الهجوم على السفارة الأميركية بتونس يوم 14 سبتمبر الماضي. ولا يسعنا إلاّ أن نعبّر عن شديد انزعاجنا من الأحكام التي قضت بإسعاف المتهمين بتأجيل التنفيذ إذ لا تتطابق هذه الأحكام اطلاقاً مع مدى خطورة أعمال العنف التي وقعت يوم 14 سبتمبر 2012 وحجم الأضرار التي لحقت السفارة ونؤكد على إجراء تحقيق شامل وتقديم مخططي الهجوم والباقين في حالة سراح إلى العدالة''.

واعتبرت السفارة في ذات البيان، أن الأحكام الصادرة قد كشفت عن فشل الحكومة التونسية مؤكدة أنه ''لا يمكن إطلاقاً التسامح مع الذين يشجعون على استعمال العنف ويستخدمونه لتحقيق أهدافهم''.وأضافت: "إن الحكومة التونسية مسؤولة بموجب القانون الدولي عن حماية جميع البعثات الدبلوماسية وموظفيها في تونس... وقد فشل الحكم الصادر في 28 مايو في هذا الصدد".

انعكست حادثة السفارة على السياسة الأمنية و العسكرية الأمريكية في تونس في اتجاه أكثر تشددا مع الجماعات الجهادية ،بعودة خيارات المواجهة المباشرة مع التيار الجهادي من خلال الضربات الخاطفة و العمليات المحدودة إلى جانب طرح "مبادرات" جديدة في علاقة مع النظام الحاكم .

و يؤكد ذلك عودة الجدل في تونس عن النوايا الأمريكية في نقل مقر القيادة الأفريقية الأمريكية (USAFRICOM) من مقرها المؤقت في  قاعدة شتوتغارت الألمانية إلى إحدى دول المغرب العربي و خاصة تونس و ليبيا و الجزائر جدل غذته الزيارات المتكررة لقيادة الأفريكوم إلى المنطقة في الآونة الأخيرة.

ففي أبريل/نيسان 2013 قام القائد الأعلى للقوات الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) الجنرال كارتر هام بزيارة إلى تونس وليبيا والجزائر و التقى خلالها القيادات السياسية و العسكرية في البلدان الثلاثة مؤكدا على مواصلة واشنطن السير في عقيدة "الحرب على الإرهاب" و هي السبب الرئيسي وراء إنشاء قيادة الأفريكوم،بحسب كثير من المراقبين،كما أعادت زيارة الجنرال ديفيد رودريغيز، قائد القوات الأميركية بإفريقيا "أفريكوم"، لتونس في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 إلى واجهة الأحداث الجدل حول النوايا الأميركية بإقامة قاعدة عسكرية على التراب التونسي، خاصة مع تطور نسق الدعم الأميركي لتونس في الملف الأمني والعسكري في المدة الأخيرة، خاصة في ما يسمى "المجهود العالمي لمكافحة الإرهاب".

و بالرغم من أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد ترغب كثيراً في الحضور العسكري المباشر في بؤر التوتر في العالم الإسلامي خاصة بعد الحرب على أفغانستان والعراق، غير أن الحالة "الجهادية في شمال إفريقيا" ستدفع واشنطن إلى إيجاد مركز أمني استخباراتي متقدم في عمق الصحراء التونسية، وتحديداً عند المثلث الحدودي (برج الخضراء- مسودة)بين تونس وليبيا والجزائر، لرصد ومتابعة تنظيم القاعدة ببلاد المغرب والجماعات الجهادية التابعة لها.

و كذلك السياسة الأمريكية الجديدة نحو وضع خطط جديد وضع خطط لحالات الطوارئ فيما يتعلق بالدبلوماسيين الأمريكيين والأصول الأمريكية في منطقة المغرب العربي حال تدهور الوضع. وبشكل أوسع نطاقاً، و قد كشف معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى،المقرب من الإدارة الأمريكية، في وقت سابق إلى أن "الولايات المتحدة قد تحتاج إلى  إعادة التفكير بشأن الطريقة التي ستحدث بها توازناً لهيكلها الأمني في المغرب العربي في الوقت الذي يتجه المسار بشكل إجمالي في المنطقة نحو الانحدار" و هذا الأمر قد ظهر بشكل كبير في الآونة الأخيرة حيث تعددت التحذيرات و الانذرات التي تصدرها البعثات الدبلوماسية الأمريكية في دول المغرب العربي لمواطنيها و تعمق العمل ألاستخباري الأمريكي في هذه الدول ،فقد كشفت الداخلية التونسية عن تلقيها لتحذيرات من المخابرات المركزية الأمريكية تفيد بإمكانية استهداف النائب الراحل محمد البراهمي قبل اغتياله بعشرة أيام.