أكد الباحث المصري المتخصص في الشؤون الليبية عبد الستار حتيتة أن الخلايا النائمة في ليبيا أصبحت تعمل علانية، لأنها تشعر أنها هي التي حققت الانتصار، كما أنها تحظى بدعم تركي شامل منذ أبريل 2019 مضيفا في لقاء مع بوابة إفريقيا الإخبارية أن هناك تحالف وتعاون كبير بين تنظيمي القاعدة وداعش في الجنوب الليبي حيث يتبادلان المنافع

إلى نص الحوار:

كيف تفسر عودة تحرك التنظيمات الارهابية في ليبيا؟ 

أعتقد أن عودة تحرك التنظيمات الإرهابية في ليبيا سببه النشاط التركي الإخواني الرامي إلى إرهاق الجيش الوطني الليبي، والقوى الوطنية الليبية الأخرى. يوجد ارتباط قوي بين تركيا والإرهاب وارتباط قوي بين نظام أردوغان والجماعات الإرهابية في أفريقيا وفي باقي الدول العربية. وتعد ليبيا، في الآونة الأخيرة، وجهة مهمة لتركيا لتحريك الجماعات الإرهابية في القارة السمراء لتحقيق أهداف عدة، منها، كما ذكرت، إرهاق الجيش الليبي، وكذلك محاولة الضغط على فرنسا وعلى الوجود الفرنسي في بعض الدول الأفريقية كمالي والنيجر

وأعتقد أنه إذا أحرزت تركيا تقدما جديدا لصالحها في ليبيا فسنشهد مزيدا من العمليات الإرهابية في ليبيا وفي دول الجوار الليبي أيضا. إن تركيا تستخدم الإرهابيين كأوراق ضغط على الدول التي تريد أن تضغط عليها، مثل تونس ومصر والجزائر وفرنسا وبعض الدول الأوربية الأخرى. إن ما تقوم به تركيا في هذا الصدد جريمة دولية.  

إلى أي مدى يمكن القول إن ليبيا أحد الدول التي تعاني من خطر الإرهاب؟

منذ وقت مبكر، أي منذ مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق، تمكنت الجماعات الإرهابية من الانتشار والتمدد والكمون أيضا في الداخل الليبي، مستغلة الفوضى والمساحة الصحراوية الشاسعة للدولة الليبية، للاختباء والانتظار وكذلك للحصول على الدعم اللوجستي من تنظيمات ومخابرات أجنبية من خارج الحدود الليبية ومن داخلها. هذا طبعا إلى جانب السنوات الصعبة التي كانت فيها الجماعات الإرهابية تحتل بنغازي ودرنة. كذلك معروف أن قادة من تنظيم القاعدة، لهم وجود قوي، ليس في الخفاء فقط، ولكن بعض من هذه القيادات أصبحت موجودة في المشهد في ملابس رسمية. بعض قادة الجماعات الإرهابية موجودون، للأسف، في المجلس الرئاسي وفي حكومة الوفاق، وهم معلومون بالاسم. ولديهم القدرة، بحكم مناصبهم، على الوصول للمعلومات الحساسة، بما فيها منظومة جوازات السفر، وأموال المصرف المركزي، وغيرها.   

هل تشكل الخلايا النائمة خطرا مضاعفا في البلاد؟

نعم.. هذا صحيح. فمما لا شك فيه أن هناك خلايا نائمة ما زالت موجودة حتى في بعض مدن الشرق والجنوب الليبي. أما فيما يتعلق بطرابلس، فقد كانت الخلايا النائمة تعمل في الخفاء حتى أبريل 2019، وهو موعد محاولة الجيش الوطني الدخول للعاصمة لتطهيرها من حملة السلاح من ميليشيا وإرهابيين. إلا أن حكومة الوفاق استعانت بكل أنواع الإرهابيين لمنع الجيش الوطني من دخول طرابلس. واليوم أصبحت الخلايا النائمة تعمل علانية، لأنها تشعر أنها هي التي حققت الانتصار، كما أنها تحظى بدعم تركي شامل منذ أبريل 2019 حتى اليوم.   

ماذا يمثل تعيين زعيم جديد لتنظيم "القاعدة" في المغرب العربي؟

هذا يعني أن تنظيم القاعدة في المغرب العربي - أو كما يسميه التنظيم "المغرب الإسلامي" - ما زال متماسكا وقويا وقادرا على العمل وعلى الحركة. لا ننسى أن هناك تنافسا منذ نحو ست سنوات بين تنظيم القاعدة وتنظيم داعش. وإذا سلمنا بأن تنظيم داعش في بعض الأوقات بدا وكأنه انتصر على تنظيم القاعدة في العراق والشام، إلا أن تنظيم القاعدة ظل يراهن على قدرته على التماسك في مناطق وجوده في دول مثل الجزائر ومالي والنيجر وغيرها، بالإضافة إلى ليبيا بطبيعة الحال. وخير مثال على أن التنظيم ما زال باقيا بقوة، استمرار نشاط الإرهابي القاعدي الجزائري مختار بلمختار، الملقب بالأعوار. فهذا الرجل ما زال مخلصا في تأييده لأيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة المقيم في مكان ما في باكستان، وبلمختار لديه كذلك القدرة على تنشيط تنظيم القاعدة مرة أخرى رغم الضربات التي تعرض لها سواء من الفرنسيين أو من الجيش الوطني الليبي، أو حتى من قوات الأمن في دول أخرى كمالي والجزائر والمغرب.    

هل يوجد تحالف بين القاعدة وداعش في الجنوب الليبي؟ 

 نعم. يوجد تحالف وتعاون كبير بين التنظيمين. وهذا التعاون ما زال مستمرا حتى الآن. إنهم يتبادلون المنافع، مثل وقود السيارات والطعام وإبلاغ الرسائل بواسطة الأشخاص لا الهواتف، للهروب من الرقابة. بالإضافة إلى استعانة كل منهما بالمرتزقة الأجانب والقيام بما يسمونه غزوات مشتركة لجلب الأموال والمؤن وخطف المواطنين وطلب الفدى وغيرها من أنشطة دموية.    

ما أسباب نشاط التنظيمات الارهابية في الجنوب الليبي تحديدا؟

أعتقد أن السبب يرجع إلى هشاشة الوضع الأمني في الجنوب الليبي. وهذه مشكلة قائمة منذ عشرات السنين. في الماضي، أي قبل عام 2011، كان مهربو المخدرات هم من يستفيدون من ضعف التواجد الأمني والمساحات الصحراوية الشاسعة. واليوم أصبحت الجماعات الإرهابية هي من تستغل الوضع لصالحها. أضف إلى كل ما سبق أن انتشار بعض أبناء القبائل على جانبي الحدود بين ليبيا ودول أخرى كالجزائر والنيجر وتشاد والسودان ومصر.. إن كل هذه الفوضى تسببت في صعوبة ملاحقة الجماعات الإرهابية أو تحجيم حركتها العابرة لحدود الدول مع ليبيا.    

حدثنا عن دور تركيا في إحياء التنظيمات الارهابية في ليبيا؟

نظام أردوغان يبحث عن كل الجماعات التي لديها القدرة على بيع بلادها وإظهار الولاء لتركيا، سواء بالأموال أو بالدعايات المغرضة مثل السعي لتأسيس دولة الخلافة. حين بدأ الكثير من أبناء القبائل الليبية يشعرون بالأطماع التركية في بلادهم، وتنادوا للوقوف ضد هذه الأطماع، أخذت تركيا تبحث عن البديل، ووجدت هذا البديل في الجماعات الإرهابية التي تبحث عن رعاة وعن أجهزة تمنحهم الدعم لتحقيق ما يسعون إليه. فالمصريون الإرهابيون في ليبيا، تغريهم تركيا بأنها سوف تعيدهم إلى بلادهم فاتحين، وكذلك تفعل مع باقي الإرهابيين في ليبيا، كالتونسيين والجزائريين والشوام والأفارقة والآسيويين. كما أنها تقدم نفسها للمجموعات الحاكمة في شمال غرب ليبيا باعتبار أنها حامية حمى الإسلام والمسلمين. بينما هي في الحقيقة تستخدم كل هذا الشباب العربي، من كل الدول العربية، كوقود لتوسعها العثماني الاستعماري، فهي تفعل ذلك في سوريا وفي العراق وفي ليبيا وفي الصومال. إنها تقف مع من يخدم مصالحها العليا، سواء أكان فايز السراج، أو حركة شباب المجاهدين الصومالية، أو أبو حيدرة التونسي، أحد قادة داعش في ليبيا.

ما تأثير ذلك على التطورات الأخيرة في الساحة الليبية؟

هذا يؤدي إلى إرباك العمل السياسي والأمني في عموم ليبيا. لاحظ أن الخلايا الإرهابية في الجنوب الليبي التي تم مهاجمتها بواسطة الجيش الوطني الليبي أخيرا، ظهرت، في رأيي، لكي تفسد نجاح اللجنة العسكرية 5+5، ولكي تفسد جهود الحوار السياسي الليبي في المغرب وتونس. إن تركيا حين تشعر بأنها قد تخسر تبدأ في استخدام الجماعات الإرهابية التي تديرها في المنطقة وفي ليبيا.  

كيف تنظر لتعامل المجتمع الدولي مع ملف الإرهاب في ليبيا؟

المجتمع الدولي، أو على الأقل بعض الأطراف فيه، هي أطراف غير جادة في محاربة الإرهاب. لقد ظل الجيش الوطني الليبي يحارب الجماعات الإرهابية في بنغازي وفي درنة وفي مناطق أخرى في جنوب البلاد، لسنوات، ولم نسمع من المجتمع الدولي أي كلمة إطراء أو مديح لهذه الجهود التي بذل فيها الليبيون أرواحهم. إن كثيرا من ضباط وضباط صف وجنود الجيش الليبي قدموا أرواحهم من أجل محاربة الإرهاب والقضاء عليه، إلا أن المجتمع الدولي لم يقدم يد العون، ولم يثني على هذه الجهود، بل استسلم على ما يبدو للدعايات الإخوانية، والدعايات التركية، وحاول، عن طريق الأمم المتحدة، الوقوف في صف الجماعات الإرهابية في الشرق الليبي. أنظر إلى تقارير الأمم المتحدة عن بنغازي وعن درنة حين كان الجيش يقوم بشن الحرب على الإرهابيين فيهما، من 2014 حتى 2018. كانت الأمم المتحدة تدعو إلى التوقف عن محاربتهم، وتوفير ممرات آمنة لهم لكي يهربوا إلى أماكن أخرى داخل ليبيا. إن المجتمع الدولي يعلم أن العماري زايد، نائب رئيس المجلس الرئاسي، ووزير التعليم في حكومة الوفاق، قيادي بارز في الجماعة الليبية المقاتلة الموالية لتنظيم القاعدة، وتعلم أنه أحد كبار الداعمين للجماعات الإرهابية في ليبيا والمنطقة، ومع ذلك تتعامل معه هي وحكومات بعض الدول الغربية باعتباره رجل سلام يسعى لبناء دولة ديمقراطية. هذا مجرد نموذج على طريقة تعامل المجتمع الدولي غير الجادة مع الإرهاب والإرهابيين في ليبيا.