مع ثبات أسعار الصرف، وفي ظل نسب ديون وميزان مدفوعات بين الأسوأ في العالم، تدرك الحكومة اللبنانية الجديدة أنها تحتاج إلى التحرك سريعاً لتفادي سقوط البلاد في براثن أزمة اقتصادية كاملة.
ويبدو أن قدرة لبنان على تفادي كارثة مالية لأعوام حيرت المنتقدين، الذين لم يتحقق ما حذروا منه من تخلف عن سداد التزامات الدين، وأزمة في ميزان المدفوعات، وانهيار قيمة عملة البلاد الليرة، والأمل أن يستمر الوضع على هذا النحو، لكن الأرقام تبدو مرعبة.
وتبلغ نسبة الدين العام اللبناني 150% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما يقترب العجز في ميزان المعاملات الجارية من 25%، وهي أرقام تُظهر فعلياً حجم ما يقترضه لبنان من الخارج، فضلاً عن أنها تعد أكبر مبعث للقلق.
وتشير تقديرات وكالة موديز للتصنيف الائتماني إلى أن فاتورة الفائدة وحدها تستنزف نحو نصف إجمالي إيرادات الحكومة وتشكل حوالي ثلث الإنفاق الحكومي.
وفي الوقت ذاته، يبلغ حجم العجز في ميزان المعاملات الجارية نحو 15 مليار دولار، مع احتساب التضخم، بحسب تقديرات بنك غولدمان ساكس.
وفي الوقت الحالي، من السهل على لبنان تغطية مثل هذا العجز من احتياطيات البنك المركزي التي تقترب من 40 مليار دولار، وتعادل 71% من الناتج المحلي الإجمالي وتكفي لتغطية فاتورة واردات البلاد لمدة 13 شهراً.
ولدى لبنان أيضاً حيازات من الذهب بـ 11.8 مليار دولار، وهي ثاني أكبر حيازات من نوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد السعودية، لكن مع ربط الليرة بالدولار، فإن استنزاف تلك الأموال ربما يسبب مشاكل، وعلى السلطات حيازة كميات كافية من الدولارات للحفاظ على الثقة في سعر الصرف، وضمان استمرار التدفقات من الخارج لإبقاء الخزائن ممتلئة.
وفي ظل مثل هذا الدين المرتفع، يحتاج لبنان إلى خفض كبير في الإنفاق، أو إيجاد وسائل أخرى لحل مشاكله، لكنه لا يفعل أياً من ذلك، وتشير تقديرات غولدمان ساكس إلى أن بيروت مُطالبة بخفض الإنفاق بـ 8% لتحسين أوضاع المالية العامة للحكومة.
وفي الوقت ذاته، يتوقع معظم خبراء الاقتصاد أن يحقق لبنان نمواً يزيد في المتوسط قليلاً عن 2% من الآن وحتى 2021، وبينما سيشكل ذلك تحسناً في النمو مقارنةً مع العام العام الماضي، والذي تراوح بين 1 و1.5%، فإنه لايزال أقل من معدل ما بين 8 و10% في السنوات الأربع الماضية على اندلاع الحرب الأهلية في سوريا المجاورة في 2011.
ويعني ذلك أيضاً، كما تتوقع وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني، أن يُواصل الدين قياساً إلى الناتج المحلي الإجمالي صعوده في السنوات الثلاث المقبلة إلى 156%.
وقال غولدمان ساكس يوم الجمعة الماضي: "لا يزال وضع المالية العامة على أرضية أكثر متانة يشكل تحدياً رئيسياً، ويتطلب ذلك خفضاً في الإنفاق بنحو 8% من الناتج المحلي الإجمالي، في تقديرنا، وهو ما يشكل تحدياً كبيراً".
ويتمثل أحد أسباب نجاح لبنان في تفادي أزمة إقراض حتى الآن، في اللبنانيين المقيمين في الخارج، الذين يواصلون تحويل أموالهم إلى بنوك وسندات في البلاد.
ورغم ذلك، يتأزم الموقف بحسب موديز، فتغطية العجز المالي هذا العام ودفع استحقاق سندات دولية بالعملة الأجنبية بقيمة 2.6 مليار دولار دون سحب من احتياطيات النقد الأجنبي، سيتطلب تدفقات ودائع بنحو 6 إلى 7 مليارات دولار، مقارنةً مع 4 إلى 5 مليارات في 2018.