باتت الحدود الجنوبية والجنوبية الشرقية مصدر قلق كبير للحكومة الجزائرية، في ظل التدهور المستمر للوضع الأمني في المنطقة، وكذلك نتيجة تنامي نشاط التنظيمات المسلحة المرتبطة بالقاعدة، وفوضى السلاح والمليشيات في ليبيا. وهو ما يقف وراء تسخيرها لإمكانيات عسكرية ولوجيستية ضخمة حفاظا على حدودها وأمنها القومي، مما حدا بالجزائر إلى إصدار قرار غير معلن رسميا يقضي بإعلان حدودها مع مالي وليبيا “منطقة حرب”.

كشفت مصادر متابعة للشأن الأمني في الجزائر لـ”العرب” أن القيادة العسكرية في البلاد، قررت إعلان الحدود الجنوبية مع دولة مالي، والجنوبية الشرقية مع ليبيا “منطقة حرب” بصفة عملية لكنّها غير رسمية، كما أوعزت إلى قيادة الناحيتين العسكريتين الرابعة بورقلة والسادسة بتمنراست منذ أيام، باتخاذ التدابير العسكرية اللازمة في إطار تنفيذ القرار على الميدان.

وأضافت المصادر أن الحدود المذكورة، تشهد منذ الإطاحة بالرئيس المالي السابق، وسقوط نظام القذافي في ليبيا، تعزيزات أمنية وعسكرية غير مسبوقة، من حيث تعداد أفراد الجيش والعتاد الحربي والحضور الأمني المنتظم، إذ فاقت التعزيزات المئة ألف عسكري وضابط، ينتشرون على طول الشريط الحدودي.

وتشدد السلطات الجزائرية على جدية المخاطر الكبيرة التي تهدد سلامتها ووحدتها الترابية في الحدود الجنوبية، وهو الأمر الذي يملي عليها التحلي باليقظة والحذر، وتركيز حضورها الأمني والعسكري في المنطقة، والدفع بالمزيد من الإمكانيات البشرية واللوجستية لتأمين الحدود، وإقامة مراكز مراقبة مستمرة على الأرض، وهو ما مكنها منذ أسابيع فقط من إحباط عملية توغل كبيرة، إذ قضت على 12 مسلحا من تنظيم القاعدة، وتدمير ترسانة معتبرة من الأسلحة كانت بحوزة المجموعة.

إلى ذلك هوّنت مصادر مقربة من وزارة الدفاع الجزائرية، من القرار غير المعلن القاضي باعتبار الشريط الحدودي منطقة حرب، لكنها أكّدت أن التعزيز الأمني الهام الذي يشمل الناحيتين العسكريتين الرابعة والسادسة، هو شيء طبيعي في ظل الظروف الأمنية التي تعيشها الدول المجاورة.

وأكدت أنّ الناحيتين تشهدان بالفعل تعزيزات أمنية وعسكرية إضافية، بالنظر إلى التدهور الأمني الذي تشهده المنطقة، خاصة على الحدود مع مالي وليبيا، لكن ذلك لا يعني في جميع الأحوال إعلانها منطقة حرب، كما قد يروج له، فالقيادة العسكرية لا تتصرف بمنطق الحرب، ولا على أساس أنّ المنطقة منطقة حربية.

ويتحدث المراقبون عن رقعة حدودية طويلة وتضاريس جغرافية قاسية، تجمع الدول الثلاث على مسافة تقارب الـ 2000 كلم، بداية من ولاية إليزي إلى غاية تمنراست، ويتم الآن تأمينها بشكل غير مسبوق، استجابة لواقع تفرضه التطورات الأمنية التي تشهدها دول الجوار.

ولعل ما يعيق الجزائر هو أنها وجدت نفسها وحيدة في مواجهة التهديدات القائمة، بالنظر إلى هشاشة المؤسسة العسكرية في مالي، وانهيار الدولة بالكامل في ليبيا، كذلك سقوط مناطق برمتها في التراب الليبي، في قبضة المليشيات المسلحة من مختلف التوجهات الفكرية والأيديولوجية.

ويقول مراقبون أن تعقيدات الوضع في منطقة الساحل وتذبذب الوضع الأمني في الشمال المالي، وتدهوره بالكامل في ليبيا، يدفع الحكومة الجزائرية، إلى تسخير إمكانيات عسكرية وأمنية ضخمة لتأمين حدودها، كما يعدّ السبب الرئيسي الذي يقف وراء إبرام صفقات جديدة للحصول على معدات وتجهيزات عسكرية متطورة، من بعض الدول.

وفي المقابل تقوم الجزائر بمساعٍ حثيثة لإرساء حلول سياسية في المنطقة، كاحتضان حوار الفصائل المتمرّدة في مالي مع حكومة باماكو نهاية الشّهر الجاري، وهو اعتقاد راسخ لدى الدبلوماسية الجزائرية، بأنّ الحلول الأمنية وحدها غير كافية لاستتباب الأمن والاستقرار في المنطقة، في ظلّ النزاعات الإقليمية غير المعلنة، وتقاطع مصالح بعض القوى الفاعلة في المنطقة.

 

*نقلا عن العرب اللندنية