حالة من الحزن و الأسى سادت مواقع التواصل الاجتماعي عامة و قلوب الجزائريين بصفة خاصة، سادت بعد المشاهد و الفيديوهات المتداولة لغابات الجزائر التي غدر بها فأحرقت، و خسائر الأرواح و الحيوان والمساكن و الحقول، يوم أسود بوصف الجميع و ليلة بيضاء قضاها الكثير تضامنا وخوفا على أحبة أو أقارب مهددين بتلك النيران، التي زادت الطين بلة في ظل الأزمة الوبائية التي تعيشها الجزائر، و بالخصوص على مستوى الولايات التي تشهد سلسلة الحرائق. ناهيك عن انقطاع الكهرباء المصاحب لذلك  و مشاهد الدمار التي حولت أجمل المناطق الطبيعية في الجزائر الى رماد. ولم تؤثر ألسنة النيران الملتهبة، حسرة و صدمة  الجزائريين فقط، وإنما خلفت حسرة و صدمة كبيرتين لرواد التواصل الاجتماعي في الداخل و الخارج، ورفع الجميع أكف الدعاء لله عزوجل، لرفع البلاء و الوباء و حماية الجزائر من كيد الكائدين، في ظل التأكيد الدرك الجزائري ومحافظي الغابات، أن غالبية الحرائق مفتعلة.

الأحداث التي عاشتها عديد الولايات الشمالية، امتدت الى منازل المواطنين و مستثمراتهم الفلاحية، وخلفت أزيد من 65 قتيلا لحد كتابة هذه الأسطر من بين المواطنين وعناصر الجيش و الحماية المدنية. مشهد وصفه رواد التواصل الاجتماعي بـ" سياسة الأرض المحروقة" التي انتهجها المستعمر الفرنسي أيام الاحتلال، واصفين الصور و الفيديوهات المرعبة بالجريمة في حق الانسان و الحيوان و الطبيعة.



فكانت صور النيران الأكثر تداولا على مختلف منصات التواصل الاجتماعي ليلة الاثنين والثلاثاء، وفي الجزائر، وفي معظم الدول العربية، وكتب مواطن على فايسبوك بعد نشره صورا لحرائق “هذه قريتي بتيزي وزو، التي تضم 18 ألف نسمة، أحرقت فيها 10 منازل.. العائلات هربت والنيران تحاصرنا من كل جهة “، وطالب رواد التواصل الاجتماعي، تسليط عقوبات صارمة، على المتورطين في جريمة اشعال النيران، واصفين الفعل بأنه “ارهاب حقيقي وخيانة للوطن”، داعين الجميع إلى التبليغ عن أي تصرف مشبوه داخل الغابات.
وشهدت مواقع التواصل حملات تضامن واسعة مع ضحايا الحرائق بين من طالب بالتدخل لإطفاء النيران، ومن المواطنين من اعلنوا فتح بيوتهم للنازحين والهاربين من الحرائق، وسارع آخرون إلى جمع التبرعات لمساعدة المتضررين وفي مقدمتهم المرضى.

وأفاد النقيب مراد يوسفي، المكلف بالإعلام في المديرية العامة للحماية المدنية، في تصريح لقناة الشروق الجزائرية يوم أمس، أن 31 حريقا اندلع يوم الاثنين، موزعين على 14 ولاية.. حيث سجلت ولاية تيزي وزو أزيد من 27 حريق، أما ولايات جيجل 4 حرائق، البويرة 2 حريقين، سطيف 3 حرائق، خنشلة و قالمة وبجاية حريقين، برج بوعريريج بومرداس البليدة المدية سكيكدة تبسة حريق واحد.  

وأكد المتحدث بأن المديرية العامة للحماية المدنية، شرعت ومنذ شهر ماي/أيار المنصرم، في القيام بعمليات تحسيسية وتوعوية، قائلا " توجهنا إلى القرى والمداشر، الواقعة بمحاذاة الغابات، وقمنا معهم بمناورات، كما قدمنا لهم تكوينا حول كيفية التصدي عند بداية حريق وكيفية الإبلاغ، ليسهل لنا التدخل السريع لاحقا".

ونصح المواطنين القاطنين على مسافة 30 مترا من الغابات، بتنقية المحيط من الأعشاب وبعض الشجيرات الجافة، ومن المخلفات التي قد تساعد في اشتعال النيران، وأيضا وضع صهاريج مياه تكون بعيدة عن متناول الأطفال. كما شدد على مرتادي الغابات، بعد غلق الشواطئ بسبب كورونا، بإحضار الأكل جاهزا من المنازل، وتجنب الطبخ وسط الغابات، وعدم الرمي العشوائي للبلاستيك وقارورات الألومنيوم والزجاج، وكل مادة بإمكانها عكس أشعة الشمس واشعال النيران.
ليختتم حديثه قائلا، بأن اندلاع أكثر من 31 حريقا وفي وقت واحد، لا يستبعد فيه العمل الإجرامي، وهو ما ستكشفه الجهات الأمنية بعد التحقيقات.

ومن جهة أخرى، أكد محمد مقراني المختص في الشؤون القانونية، بأن المشرع الجزائري، كيّف جرائم الحرق كجناية، وحدد العقوبة المسلطة على كل من وضع النار عمدا في الغابات، بين 10 و20 سنة سجنا نافذا.
وقد تصل العقوبة لكل من يقوم بفعل متعمد سواء فردا كان أو جماعة، الى السجن المؤبد وحتى الإعدام، كون القصد الجنائي في الفعل يكون ثابتا اذا ما طال الحرق أملاك الدولة. باعتبار أن المساس بالثروة الغابية، يدخل ضمن نطاق أملاك الدولة التي لا تقل أهمية عن الثروات الباطنية التي يزخر بها وطننا .
واعتبر محدثنا، أن هذه الحرائق لا تضر بالغابات فقط، وإنما تهدد سكينة وأمن المواطنين، الذين أصيبوا بحالة هلع كبيرة جراء هذه الأفعال التخريبية، وقال “يجب تحيين كل القوانين الخاصة بنظام الغابات، والتي أكل عليها الدهر وشرب، وأصبحت لا تتماشى مع الواقع المعاش”.
وحسبه، التبليغ عن هذه الجريمة "هي مسؤولية كل المواطنين، لتحريك الدعوى العمومية، باعتبار أن المصالح الأمنية والجهات الوصية، لا يمكنها تغطية كل الثروة الغابية الشاسعة التي تزخر بها الجزائر."