لم تنتقل أحزاب السلطة الجزائرية التي تدور في فلك خطاب الرئاسة إلى مرحلة العمل السياسي على قاعدة المواطنة وممارسة الديمقراطية، فقد ظلت حبيسة الاحتقانات والخلافات الداخلية حول المناصب القيادية.

وأمام هذا الوضع برزت تيارات تجديدية داخل كل حزب تطالب بالتغيير وعزل القيادات التي لم تستطع مواكبة التطورات السياسية ورفع التحديات الكبرى التي تواجهها الجزائر.
 
تعيش أحزاب السلطة الجزائرية على وقع حراك سياسي كبير ترتب ضمنه أوراقها الداخلية، فالتجمع الوطني الديمقراطي المعروف بانضباطه الهيكلي والتنظيمي يدير توازناته في اتجاه تنحية عبدالقادر بن صالح بعد توقيع عريضة ضدّه من قبل قرابة 300 عضو في المجلس الوطني للحزب.

وأكد القيادي والنائب البرلماني عن محافظة تيزي وزو بلقاسم أزواو في تصريح لصحيفة ”العرب” أن قيادات الحزب أجمعت على ضرورة رحيل بن صالح، مقابل عودة الأمين العام الأسبق أحمد أويحيى على رأس الحزب.

وأكد أن بن صالح ينتهج سياسة الإقصاء والتهميش بغلق كل أبواب الحوار بين القيادة والقاعدة، وهي تقريبا نفس الانتقادات التي طالت أويحيى قبل تقديمه لاستقالته منذ سنوات.

أما جبهة التحرير الوطني فتتجه إلى عقد مؤتمرها العاشر أواخر شهر مايو الجاري، وسط حديث عن عودة محتملة للأمين العام الأسبق عبدالعزيز بلخادم إلى الواجهة.

ولا شك أن المؤتمر القادم لجبهة التحرير سيكون إطارا لتصفية الحسابات وفرصة أمام معارضي عمار سعداني (الأمين العام الحالي للجبهة) للإطاحة به.

ويبدو أن هذا الحراك في أكبر أحزاب السلطة يؤشّر إلى وجود تغيير مرتقب على مستوى القيادة بضخّ دماء جديدة في أوصالها ستؤدي إلى عزل قيادات لم تعد قادرة على العمل ضمن منطق تشاركي وخلق ديناميكية حزبية تؤثث المشهد السياسي الجزائري.

ويرى مراقبون أن هذا الحراك المتزامن مع طرح أبرز ملفات الفساد على القضاء، يشكل تحولا لافتا يرمي إلى طي مرحلة معينة والاستعداد لمرحلة لم تبح بأسرارها إلى حد الآن، وأن الأحزاب المذكورة التي تعد مجرد “أجهزة” لا تتحرك إلا بإشارة من هرم السلطة، يؤشر إلى أن الحراك المتسارع في صفوفها يسبق خطوات تنوي السلطة الإقدام عليها قريبا.

ويقول خبير القانون الدستوري والمحلل السياسي عامر رخيلة إن “السلطة أدركت ترهل شعبيتها وتقلص امتداداتها السياسية، بفعل الانسداد السياسي الذي دخلته البلاد بعد العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة، ولذلك تعمل على إعادة تأهيل أذرعها السياسية واستعادة بريقها المتآكل أمام تنامي دور المعارضة السياسية، وتفاقم الاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية وعلى رأسها رفض مشروع الحكومة لاستغلال الغاز الصخري”.

وأضاف “السلطة لا تريد المضي إلى الاستحقاقات القادمة بتركيبة سياسية هشة، لا تضمن لها الاستمرار في مواقعها مهما كانت درجة التزوير، كما أن الدستور القادم يتطلب تعبئة سياسية لتمريره سواء بضمان الأغلبية المريحة في البرلمان، أو في الشارع في حالة الاستفتاء الشعبي”.

لكن في المقابل تذهب بعض القراءات إلى أن الأمر أكبر من الاستعداد لاستحقاقات معينة، بالنظر للتوجهات الجارية في صفوف الحزب الحاكم، الذي منح صفة الانخراط في صفوفه لعدد من الوزراء مثل عبدالمالك بوضياف وعبدالمجيد تبون إلى جانب رئيس الوزراء عبدالمالك سلال، وهو ما يدفع لطرح عدة استفهامات عن أبعاد وأهداف إلحاق وزراء بوتفليقة بحزب الأغلبية.

كما أن عودة أحمد أويحيى للواجهة لا تنتهي عند طموحات شغل منصب رئيس الحكومة، الذي تداول عليه منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، فأنظاره تشرئب إلى قصر المرادية، وهو الطموح الذي يقاسمه إياه عبدالعزيز بلخادم، الذي تمّ إبعاده بسبب طموحه السياسي وهو الذي يملك تنظيما شعبيا ينحدر من جبهة التحرير الوطني عبر مجمل محافظات البلاد، ينتظر منه الإشارة للشروع في التعبئة الشعبية، خاصة مع العودة التدريجية له للأضواء.

وعموما تعاني الجزائر من أزمة سياسية خانقة، اشتدّت منذ فوز بوتفليقة بعهدة رابعة في الاستحقاقات الانتخابية الماضية التي طالتها اتهامات عديدة بـ”التزوير”، ولم تفلح الحكومة في بلورة حوار جدّي مع أقطاب المعارضة في البلاد ولا في عقد مشاورات معها بخصوص مشروع تعديل الدستور الذي لم ير النور إلى الآن.

وتتجه السلطة حسب تسريبات صحفية غير مؤكدة إلى القيام بتعديل حكومي حيث أكدت مصادر أن معطيات كثيرة تراكمت على كاهل الحكومة، مما يدفعها لضخ دماء جديدة في أوصالها من أجل الحفاظ على موقعها، خاصة في ظل الاحتجاجات الاجتماعية المتنامية، وأزمة تهاوي أسعار النفط في الأسواق الدولية. لكن أحزاب المعارضة تعتبر أن عملية الانتقال الديمقراطي لا يمكن أن تنجح دون القيام بتعديلات جذرية وأساسية أولها استحداث هيئة مستقلة للانتخابات تنهي معضلة التزوير.