في أعقاب سقوط نظام العقيد الراحل، معمر القذافي، تحولت ليبيا، التي يحكمها "الثوار" تحت أصوات التكبير ومقاتلات حلف شمال الأطلسي، إلى ساحة خلفية لدعم الجماعات الجهادية المسلحة شرقاً وغرباً. في تونس ومالي والجزائر والنيجر ومصر وخاصة في سوريا.
دور الجماعة المقاتلة في تسليح «جماعات إرهابية سورية»
بدأت العلاقات تتطور بين الجماعات الإرهابية الليبية ونظيرتها السورية منذ خريف العام 2011 من خلال تدفق العشرات من المقاتلين الليبيين إلى الساحة السورية يقودهم المهدي الحاراتي، أمير فيلق الأمة الذي كان يقاتل ضد الجيش السوري، والذي كان نائباً لعبد الحكيم بلحاج، أمير المجلس العسكري لطرابلس والأمير السابق للجماعة الليبية المقاتلة.
لكن الدور الأبرز للنظام "الثوري" الليبي الجديد في تغذية الفوضى في سوريا كانت تتمثل في كميات السلاح الكبيرة التي ضخها الليبيون هناك، من خلال دور قطري كبير في ذلك. لجهة ارتباطات الجماعات الإرهابية الليبية مع النظام القطري وخاصة الجماعة الليبية المقاتلة. هذا الدعم الذي كانت تتحدث عنه وسائل الإعلام وتقارير أمنية هنا وهناك، لم يكن رجماً بالغيب، بل أكدته تقارير رسمية صادرة عن منظمة الأمم المتحدة.
ويكشف تقرير فريق خبراء منظمة الأمم المتحدة بشأن ليبيا لسنة 2015 أنه ومنذ العام 2012، أفاد الفريق بوقوع العديد من عمليات نقل الأسلحة من ليبيا إلى الجمهورية العربية السورية أو بضبط أسلحة وهي في طريقها إلى سوريا. وجمع الفريق، خلال ولايته الحالية، أدلة إضافية تؤكد عمليات النقل.
وأكد الفريق وجود شبكة في ليبيا تقدم الدعم اللوجستي، بما في ذلك كميات كبيرة من الأسلحة، إلى المتمردين السوريين في أعقاب الثورة الليبية. وتضم هذه الشبكة ليبيين يشغلون مناصب رسمية في وزارة الداخلية ووزارة الدفاع. وفي البداية، كانت الشبكة تعتمد على الأسلحة المجمعة من داخل ليبيا، ولكنها سرعان ما بدأت تحصل على الأسلحة من مصادر في الخارج، بحيث لا يمر بعض الشحنات عبر ليبيا على الإطلاق. ولحد الآن، تبين ضلوع الشبكة في ثلاث عمليات نقل على الأقل إلى سوريا، ويجري التحقيق في عمليات أخرى.
بدأت القصة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 عندما أعلن خفر السواحل اليونانيون عن ضبط سفينة شحن تحمل على متنها شحنة كبيرة من الأسلحة والذخيرة قرب جزيرة سيمي في بحر ايجة كانت مبحرة، حسب بعض المعلومات الى تركيا، فيما قالت اخرى ان وجهتها سورية او لبنان. وكشفت وسائل الاعلام المحلية عن الحديث يدور عن سفينة "Nour M" التي كانت تبحر تحت علم سيراليون من أحد موانئ اوكرانيا الى ميناء الإسكندريون التركي محملة بالسلاح.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، قام فريق خبراء الأمم المتحدة بتفتيش حمولة السفينةNour M، التي ضُبطت في اليونان في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، والتي كانت تشمل 55 حاوية وما يزيد عن 32 مليون طلقة ذخيرة (103 1 أطنان) للبنادق الهجومية والرشاشات، وهي في طريقها إلى طرابلس. وزودت السلطات اليونانية اللجنة والفريق بمعلومات ووثائق كاملة. وتشير هذه الوثائق إلى أن الشركة الشاحنة هي UKRINMASH، وهي شركة حكومية أوكرانية، وأن المرسل إليه هو وزارة الدفاع الليبية وأن شركةTSS SILAH VE SAVUNMA TICARET LIMITED SIRKETT SANAYI، وهي شركة تركية، قد توسطت في الصفقة. وترجع ملكية السفينة إلى شركة TSS GROUP TUTUN SIGARA SANAYI VE، وهي شركة تركية أخرى. ولم تبدأ اليونان حتى الآن أي ملاحقات قضائية بشأن حالة الانتهاك هذه. وكانت المذكرة التي تؤكد فيها السلطات الليبية للسلطات الأوكرانية أنها مستعدة لقبول الحمولة بتوقيع خالد الشريف، وكيل وزارة الدفاع الليبية بعد سقوط القذافي، وهو نفسه المسؤول الأمني في الجماعة الليبية المقاتلة وكنيته "أبو حازم".
ويقول تقرير خبراء الأمم المتحدة: وقد اتصلنا بأوكرانيا للحصول على معلومات عن دور شركة UKRINMASH، وتفاصيل الدفع، ولتحديد ما إذا تم التوصل إلى تسوية نهائية. وردت أوكرانيا بأن الشحنة التي نقلت على متن السفينةNour M هي الجزء الأول من البضائع المقرر نقلها إلى ليبيا بموجب العقد الموقع بين شركتي UKRINMASH وTSS SILAH VE SAVUNMA SANAYI DIS TICARET LIMITED SIRKET في عام 2013، الذي تمت تسويته تماما. وفي آب/أغسطس 2014، قام ممثلو الشركة التركية ووزارة الدفاع الليبية بزيارة إلى أوكرانيا ومرافق التخزين التي يُحتفظ فيها بالأعتدة المتبقية، وهي بنادق هجومية وذخيرة للأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة. ولم يُطلب من اللجنة حتى الآن أي استثناء بشأن هذه الأعتدة، وسيتصل الفريق بأوكرانيا مرة أخرى ليطلب توضيح ذلك.
ووردت إلى الفريق مزاعم بأن خالد الشريف وشعبان هدية (أمير تنظيم متطرف) سافرا إلى أوكرانيا في آب/أغسطس 2014، للتفاوض على صفقات الأسلحة. وأكدت أوكرانيا هذه الزيارات، مضيفة أنهما” في الوقت نفسه لم يقوما بزيارة لأي جهة تصدير خاصة لإجراء مفاوضات بشأن عمليات نقل الأسلحة“.
واتصل الفريق بتركيا أيضا للحصول على مزيد من المعلومات عن الشركة السمسار والشركة التي تعود إليها ملكية السفن، وإثبات ما إذا كانت الشركة السمسار قد طلبت رخصة تصدير من السلطات التركية لعملية النقل هذه النقل. وطلب الفريق أيضا جميع المعلومات والوثائق المتصلة بالمدفوعات. وردت تركيا بأن أنشطة السمسرة لم تكن قد نظمت بعد وأن الشركات الوسيطة لا تحتاج إلى طلب إذن إذا كانت البضائع لم تمس الأراضي التركية. وتعمل تركيا حاليا على مواءمة تشريعاتها مع الأحكام ذات الصلة المتعلقة بتجارة الأسلحة.
وأخيرا، أوضحت السلطات اليونانية أيضا أن هذه المصادرة تشكل عبئاً لوجستا وماليا كبيرا، مما يثير مسألة إدارة عمليات المصادرة التي تتم وفقا لتدابير الحظر التي تفرضها الأمم المتحدة وعدم وجود الدعم المناسب من الأمم المتحدة للتصرف بالأعتدة.
ويؤكد التقرير الأممي أن الأسلحة اتي اشتراها خالد الشريف من أوكرانيا وشحنها على متن السفينة "نور" لم تكن ليبيا وجهتها النهائية. فعلى الرغم من أن وثائق النقل، التي وقعها نائب وزير الدفاع السابق في ليبيا، خالد الشريف، تشير إلى أن ليبيا هي المقصد النهائي. بيد أن الفريق أثبت، استناداً إلى بيانات حركة المرور البحري وإعلان من أحد أفراد الطاقم، أن السفينة لم تكن متجهة إلى ليبيا، بل إلى إسكندرون، في تركيا. وكانت الشحنة ستنقلها بعد ذلك جماعة لم تحدد هويتها من تركيا إلى سوريا.