حسن حامد محمود الغزالي و الشهير بالشامي وُلد في بلاد الشام وبالتحديد في سوريا عام1891م.
قضى بدايات فترة شبابه متنقلًا من حرفة إلى أخرى إلى أن استقر اختياره على مهنة الحجامة أو الطبابة والتي كان يُعرف صاحبها في بلاد الشام بالحكيم ولسوء أحوال المعيشة هناك وسعياً وراء لقمة العيش قرر وهو ابن السابعة عشر أن يترك الشام و يذهب إلى ولاية طرابلس الغرب آخر الولايات التابعة للخلافة العثمانية.
كانت طرابلس في ذلك الوقت تعج بالحركة المشبوهة والتي أفضت في النهاية إلى احتلالها من قبل الإيطاليين بعد معارك شرسة مع المجاهدين الليبيين.
شهد حسن الشامي بدايات الغزو الإيطالي لليبيا وتنقل بين الأقاليم الطرابلسية فشارك الأهالي حياتهم القاسية وربما كان يساهم في جهادهم بما لديه من خبرة في مجال الطبابة.
وفي سنة1925م استقرّ به المقام في وادي بني وليد ولم يبرحه حتى وفاته لما وجد في أهله من حسن معشر ومحبة وتقدير لما رأوا منه من حسن خُلق وبشاشة ومهارة في مهنته والتي لم يعهدها أهل الوادي في ذلك الوقت، وهكذا صار حسن الشامي واحداً من أبناء بني وليد يشاركهم أفراحهم وأتراحهم ويلبس ملابسهم ويتحدث لهجتهم حتى أنه صاهرهم ثمان مرات
وبالرغم من الوشائج الوطيدة مع أهالي بني وليد فإنه لم يمارس المهن التي اعتاد الناس مزاولتها مثل الرعي والزراعة ولكنة آثر الانحياز إلى مهنته و قد أدرك أهميتها لأهالي المدينة فقد كان يقوم بكل ما يقوم به أطباء اليوم من ختان وتضميد جراح وخلع أسنان ومداواة وأحيانا التدخل في حالات الولادة المُتعسرة.
كان الشامي يجوب الوادي طولاً وعرضاً راكباً حماره مقدماً الخدمة لمستحقيها دون كلل أو ملل سالكاً الدروب الوعرة ليصل إلى كل بيت من بيوت بني وليد المعلقة على ضفتي الوادي ولم يقتصر نشاطه على وادي بني وليد بل كان يتوجه بين الفينة و الأخرى إلى النجوع المتناثرة في الوديان المجاورة مثل نفد وشميخ وتينيناي وكان الناس في هذه النجوع يفرحون لقدومه ويبادروا بإكرامه أيّما إكرام.
لم يكن حسن الشامي يحدد أجرة لخدماته بل كان يترك للمستفيد أن يمنحه ما يستطيع فكانت أجرته في الغالب تشمل البيض والشعير وزيت الزيتون لأن العملة ليست في متناول الكثيرين في ذلك الوقت.
و مع ولادة دولة ليبيا الحديثة سنة1951م عُين حسن الشامي ممرض بقطاع الصحة في بني وليد بمرتب لا يتجاوز جنيهين وهنا يبرز الدور الأهم لهذا الرجل ففي هذه الفترة بدأت الدولة الليبية وبمعونة منظمة الصحة العالمية حملات التطعيم ضد بعض الأمراض الفتّاكة والتي كانت تحصد كل عام آلاف الأرواح خاصة من الأطفال فلا تكاد تجد أسرة إلا وقد فقدت عدداً من أطفالها بسبب الجذري أو الحصبة أو التيفودأو السعال الديكي.
بدأت حملات التطعيم متواضعة وقد تولى الشامي هذه المهمة فقد كان يجوب وديان بني وليد سالكاً كل الدروب على حماره ليصل إلى كل طفل ليرسم على زنده الغض علامات التطعيم ضد الموت الحائم حوله والمتربص به...مئات بل آلاف الأطفال من جيل الخمسينيات وبداية الستينيات لازالوا يحملون علامات مبضع الشامي ويذكرون ألم خدشه لجلد زنودهم ليسمح للترياق بالنفاذ... كان صراخهم صراخ حياة كصراخ الوليد عند ولادته.
فبفضل الله أولا ثم فضله أنقذ الشامي آلاف الأطفال من الموت المحقق بتلك الأمراض الفتاكة ففي ذلك الوقت لم يكن الناس على درجة كافية من الوعي بأهمية و جدوى التطعيم فكان هو الشامي من يطرق أبوابهم و يحثهم على السماح له بتطعيم أبناءهم لينقذهم من موجات الآفات المتفشية.
قضى الشامي ثمانية وثلاثين عاماً بين ظهراني هذا الوادي يتتبع حناياه و يلج شعابه على حماره ليقارع الألم والموت وينشر الصحة والعافية ويمنح الأمل لكل أسرة إلى أن ترجل عن حماره ليكون في ذمة ربه عام1963م تاركاً المجال مهيئا لجيل جديد ليتم مسيرة قهر الموت والألم... رحم الله حسن الشامي طبيب بني وليد الأول و "أبو عصام" واديها.