بقلم /ناصر الهواري رئيس منظمة ضحايا لحقوق الإنسان
حقوق الإنسان في ليبيا إنها قيم وآداب راسخة فى عمق الضمير البشرى ، تلك التي تجمعنا على اختلاف ألواننا وأدياننا وأعراقنا ، إنها حقوق الإنسان ، الإنسان الذي من أجله أرسلت الرسل وأنزلت الكتب وبه عمر الكون ، ، عاش ذلك الإنسان في بلادنا عقوداً يُقاسي الظلم والقهر والتعذيب والديكتاتورية والاستبداد ، حتى جاء اليوم الذي ثار فيه نافضاً عن نفسه غبار السنين ، فكانت ثورات الربيع العربي ، التي بدأت شرارتها في منطقة سيدى بوزيد في تونس ، حيث كانت النار التي اشتعلت في جسد محمد بوعزيزى هى شرارة البدء ، فسرى لهيب الحرية فى هشيم الظلم وحوائط الطغيان ، فتحررت تونس ثم مصر فليبيا ، وانتظرت الشعوب أن يتحقق حلمها فى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، لكن كما يقال تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن ، فقد تحولت الضحية إلى جلاد المليشيات والسجون في ليبيا. تغير بعض الثوار الذين ثاروا وقاتلوا وحرروا ، وأزاحوا نظام ألقذافي ، وأصبحوا حجر عثرة فى طريق بناء ليبيا فقد أعادوا منظمومة الظلم أكثر من ذى قبل ، انتشرت المليشيات المسلحة فى كافة ربوع ليبيا وفى كثير من الأحيان أسست هذه المليشيات على أسس قبلية وجهوية وإيديولوجيات راديكالية ، وتبع انتشار المليشيات انتشار السجون والمعتقلات ، حتى أصبح لكل مليشيا سجن خاص ، وتم القبض على الآلاف من أبناء الشعب الليبي وزج بهم في غياهب السجون ، حتى بلغ عدد المعتقلين 8000 سجين حسب تقديرات وزارة العدل الليبية ، أغلبهم متهمون بالعمل والقتال فى صفوف النظام السابق ، والبعض منهم نتيجة لتصفية حسابات قبلية وعمليات ابتزاز مالي ، مارس أعضاء المليشيات كل أنواع التعذيب بحق هؤلاء السجناء ، حتى أصبح التعذيب الطريقة المثلى لانتزاع الاعترافات من هؤلاء السجناء. كالضرب بالسياط وكى بالنار وتكسير للعظام وصعق بالكهرباء والحرمان من النوم بل والتحرش الجنسي في بعض الأحيان ، هذا هو حال المعتقلين في سجون المليشيات ، الكثيرون منهم قاسوا جحيم الاعتقال لمدة تجاوزت العام بلا تهم ولا عرض على القضاء ، وفى المرات القليلة التي تمكن بعض السجناء من العرض على النيابة ، أفرجت عنهم بعد فترات اعتقال طويلة قاسوا فيها مرارة التعذيب بلا جريرة. العشرات قتلوا تحت التعذيب في مقار ومعتقلات هذه المليشيات ، ورغم توفر الأدلة في الكثير من الأحيان ، لكن يبقى المجرمون وهم في العادة قادة وجنود في هذه المليشيات ، طلقاء أحرار ، لعدم وجود السلطة القادرة على جلب هؤلاء وتقديمهم للعدالة . أصبح الإخفاء ألقسري والاعتقال التعسفي والقتل تحت التعذيب والاغتيال سمة أساسية ، ومعلماً يميز هذه الحقبة من تاريخ ليبيا .بل تحولت بعض السجون لمعتقلات تشبه معتقلات بوسليم وعين زارة فى عهد النظام السابق وعلى رأسها معتقل امعتيقية ، حيث يحتجز أمر السجن هيثم التاجورى العشرات من الرجال والنساء تحت سمع وبصر الدولة ولا يستطيع أحد التدخل أور فع الظلم عنهم وتقديمهم للنيابة . جهود الدولة الرسمية المجلس الانتقالي السابق أصدر القانون رقم 34 لسنة 2012 وفق المادة الرابعة تحت مظلة حماية الثورة لمن يقومون بالانتهاكات وجعلت كل ما يقومون به من قتل وتعذيب . حدث كل ما سبق على مرأى ومسمع من الدولة الرسمية التي لم تتخذ أية إجراءات لوقف الانتهاكات وتعزيز حقوق الإنسان في ليبيا ، فالمجلس الانتقالي السابق قام بخطوة غير متوقعة بأن أصدر القانون رقم 34 لسنة 2012 الذي وفرت المادة الرابعة منه مظلة قانونية لمن يقومون بالانتهاكات وجعلت كل ما يقومون به من قتل وتعذيب الهدف منه حماية الثورة ، ولم يكن المؤتمر الوطني أحسن حالاً من سابقه ، فقد قام بشرعنة الكتائب والمليشيات ومنحها الأموال والسلاح ، ولم يجرم ما يقومون به ، وأصبح بعض قادة الجماعات المتشددة الذين حصلوا على عضوية المؤتمر ، هم الذراع السياسية لهذه الكتائب . المؤتمر الوطني الليبي أصدر قرار رقم 7 لسنة 2012 للهجوم على مدينة بنى وليد بحجة أن قادة نظام ألقذافي وعلى رأسهم خميس معمر ألقذافي مختبئون فيها، وتهجير 50000 مواطن من سكان المدينة. وبلغ من عدوانهم أن أصدروا القرار رقم 7 لسنة 2012 والذى بموجبه تم الهجوم على مدينة بنى وليد بذرائع وأسباب واهية ، بحجة أن قادة نظام ألقذافي وعلى رأسهم خميس معمر ألقذافي مختبئون بها ، وكانت كذبة كبرى شارك فيها المؤتمر والحكومة ورئاسة الأركان ، قتل بموجبها العشرات من المدنيين نتيجة القصف بمدافع الهاون وصورايخ جراد ، وتم هدم مئات البيوت وتهجير 50000مواطن من سكان المدينة ، كل ذلك حتى شعار حملة الخير والتي قادها رئيس المؤتمر السابق محمد المقريف ورئيس الأركان يوسف المنقوش وبعض أعضاء المؤتمر الوطني وعلى رأسهم صلاح بادى وعبد الرحمن السويحلى . ومما يدل أن السلطات الرسمية غير مهتمة بحقوق الإنسان فقد تقدمت منظمة العفو الدولية بمبادرة لتعزيز حقوق الإنسان في ليبيا صوت عليها 52 عضو من أصل 200 هم أعضاء المؤتمر الوطني العام . التهجير ألقسري بدأ التهجير مع بداية الثورة ، حيث تم تصنيف مدن وقرى وقبائل وعائلات بتأييدها لنظام ألقذافي وحملت وزر ما حدث من قتل وانتهاكات خلال المواجهات مع النظام ، وما كادت الثورة أن تنجح ، حتى تم الفتك والقتل والتهجير لسكان العديد من المدن والقرى مثل : ” تاورغاء ، سرت ، المشاشية ، القواليش ، الرييانة الغربية ، الجعافرة ، وأخيراً درج ” ، لم تكتفي الكتائب بالتهجير بل قاموا بالقتل والسرقة ونهب الممتلكات ، وامتلأت السجون بأبناء هذه المدن ، ويظل مشهد قرابة 60 شخص مقيدين مقتولين برصاص فى الرأس والصدر بفندق المهاري بمدينة سرت صبيحة يوم مقتل ألقذافي يوم 21 أكتوبر 2011 شاهداً على الوحشية والهمجية لهؤلاء القتلة ، كذلك ما حدث لمدينة تاورغاء التى أصبحت ندبة في جبين الثورة الليبية ، هجر قرابة 40000 مواطن من تعداد المدينة وحرقت وهدمت المنازل وقتل بعض الرجال ،وأصبحت المدينة أشبه بمدينة للموتى ، لا يرى فيها سوى قبور وأطلال ، وأصبح كل تاورغى يكفى لأن توضع فى سجون مدينة مصراتة ، حتى بلغ بهم العدوان أن قاموا بجلب أبناء تاورغاء من كل مدن ليبيا وسجنهم وتعذيبهم في مدينة مصراتة ، وستبقى مقبرة جنات فى مصراتة والتى تحوى قبور آلاف الشباب شاهدة على مدى وحشية ودموية كتائب مصراتة وربما يأتى اليوم الذي يفتح فيه تحقيق حول تلك المجازر وما تحويه مقبرة جنات. التهجير ألقسري لليبيين في الخارج بلغ إلى المئات آلا لاف مُهجر. أما التهجير ألقسري خارج ليبيا فقد بلغ تعداد المهجرين مئات الآلاف بدول الجوار” مصر وتونس والمغرب والجزائر وتشاد وغيرها من مدن العالم ” ، هؤلاء المهجرين كل اتهاماتهم أنهم ينتمون لعائلات وصفت بأنها مؤيدة لنظام ألقذافي ، يعيش المهجرون بتلك الدول في ظروف معيشية صعبة فالكثير منهم تم قطع مرتبه ، وعجزوا عن توفير سبل المعيشة ، خاصة وأن الأزمة استمرت طيلة عامين ، ولازال هؤلاء المهجرون ينتظرون اليوم الذي يعودون فيه لبيوتهم وينعمون بدفء الوطن بعدما قاسوا مرارة الغربة والتهجير . القضاء والمحاكمات في ليبيا القضاء فى ليبيا أحد المشاكل الرئيسة وسبب من أسباب تفاقم المشاكل ، فالقضاء غير قادر على توفير ظروف وضمانات المحاكمة العادلة ليس لعيب فيه ، لكن بسبب تسلط وعدوان المليشيات ، فالكثير من قيادات النظام السابق لم يتحصل على حقهم في الدفاع أو الشهود ويعيشون ظروف اعتقال صعبة ، حتى أن بعضهم يتعرض للموت البطيء بسبب سوء ظروف الاعتقال حيث يمنع عنهم الطعام والدواء وعلى رأس هؤلاء عبد الله السنوسي رئيس المخابرات في عهد ألقذافي وأحمد إبراهيم والذي حكم عليه بالإعدام في مدينة مصراتة فى محاكمة هزلية افتقدت لكل شروط وضمانات المحاكمة العادلة ، وقد برهنت عملية اختطاف العنود أبنة عبدالله السنوسي على ضعف الدولة أمنياً وعدم قدرتها على حماية المتهمين وتوفير المحاكمات العادلة لهم ، فرغم كل ما تقوم به وزارة العدل من جهود لكن قوة وسيطرة الكتائب تقف حائلاً أمام تحقيق كل ما يقوم به وزير العدل صلاح المرغنى من جهود لتحقيق العدالة . القاعدة والتنظيمات المتشددة واختطاف رئيس وزراء ليبيا على زيدان يجب أن نعترف بأن التنظيمات المتشددة وعلى رأسها تنظيم القاعدة ( أنصار الشريعة ) أصبحت واقعاً ملموساً ، وأنها قد انتشرت أفقيا في العديد من المدن على رأسها درنة وبنغازي وسرت ، وقد بدأت هذه التنظيمات في بث سمومها والتهام ضحاياها ربما كأن أشهرهم اللواء عبد الفتاح يونس والسفير الأميركي ، انتشرت عمليات الاغتيال بشكل مريع حتى وصل عددهم أكثر من مائتين أغلبهم لضباط في الجيش والشرطة ونشطاء أشهرهم عبدا لسلام المسماري ، وأكدت التفجيرات الأخيرة وعمليات استهداف مقار البعثات الدبلوماسية وجود تنظيم القاعدة ، فأغلب عمليات القتل والتفجير تحمل بصمات تنظيم القاعدة ، وبلغ بهم أن قاموا باختطاف رئيس الوزراء على زيدان ، أستطيع القول أن ليبيا إن لم يتم تداركها فربما تتحول لمعقل لتنظيم القاعدة فى جنوب المتوسط . التهديد بالقتل للنشطاء ،مثل محمد الحجازي وعلى رأسهم مقتل عبد السلام المسماري كثرت التهديدات بالقتل وحاولت استهداف نشطاء المجتمع المدني مما حدا بالكثيرين منهم لترك ليبيا والهجرة خارجها ، فبعد مقتل عبد السلام المسماري ومحاولة قتل ناجى حماد ومحمود عيسي البر عصى وحنان المقوب والصحفي إبراهيم عبد الحميد والضابط محمد الحجازي وغيرهم أصبح واضحاً وجلياً أن هؤلا القتلة طيور الظلام لا يستكينوا حتى يسكتوا كل الأصوات المنادية بالحق والمدافعة عن المظلومين والساعية لبناء وطن تسوده قيم الحرية والعدالة والمساواة وأنا بدوري نظراً لنشاطي الحقوقي ووقوفي الدائم في وجه ظلم الكتائب والمليشيات تأتيني كل يوم تهديدات بالقتل وكان أخرها يوم 4 نوفمبر من أحد أعضاء القاعدة أو ما يسمى بتنظيم الشريعة يسمى نفسه جند الله جاء فيه : ” بسم الله الرحمن الرحيم : { قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ }.صدق اللَّهُ العظيم بأمر من الحاكم بأمر الله وشرعه في شرق البلاد ” ليبيا ” قررنا القصاص منكم خدمة لصالح البلاد والعباد حق شرعي منزل في شرع القصاص تطبيقاً لقوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }.صدق اللَّهُ العظيم ولتكون عبرة لمن ضل ، تحكيماً لشرع الله سبحانه وتعالى ، وقد وجب ونفذ مقاضاتك واستوجب القصاص منك ومن أزارك ومن على شاكلتك في الدنيا والآخرة والله المستعان على ما تصفون ” . المصالحة الوطنية مع افتقاد مقدرة القيادات لإنهاء وجود المليشيات ونشر العفو والتسامح بين الليبيين بعد سيطرة الخطاب الإقصائى العدواني على ليبيا لسنتين ، وكان نتاجه ما سبق وأسلفت في كلمتي ، لم يعد أمام ليبيا إلا الاختيار بين النموذج العراقي أو النموذج الجنوب الإفريقي ، فليبيا ليست أسوأ حالاً من رواندا ، لكنها تفتقد للقدرة والقيادات القادرة على إنهاء وجود المليشيات وإشاعة خطاب العفو والتسامح بين الليبيين ، نحتاج لإرادة سياسية ومساعدة دولية ، في إنهاء الوجود المسلح في ليبيا ، وإعادة بناء مؤسسات وهياكل الدولة ، فالدول التي ساعدتنا في التخلص من نظام ألقذافي ، أراها ملزمة بالتدخل من أجل الحفاظ على ما تبقى من السلم الأهلي والتعايش بين كل مكونات المجتمع الليبي قبل أن تتصاعد دوامة العنف وتحصد الكثير والكثير من الأرواح.