فرضت جائحة كورونا، عددا من الإجراءات المستجدة في عدد من المجالات ، بهدف حماية ارواح العامة والحد من تفشي الوباء بينهم، بعضا من هذه الاجراءات التي كان الهدف منها الحفاظ على سير قطاعات معينة، بالتوازي مع التزام التدابير الاحترازية الصحية والتباعد الاجتماعي، خلقت نوعا من الجدل والاشكاليات والتحديات .

 من هذه المجالات مجال التقاضي، حيث تم لاول مرة اللجوء الى ما سمي القضاء والمحاكمة عن بعد في المغرب، لضمان استمرار مرفق القضاء وحماية حقوق المتهمين في تعجيل محاكمتهم ، ورغم استحسان العديد من الأشخاص لهذا الإجراء الى ان التجربة عرفت بعض الانتقادات ومطالب بتحسينها وتجويدها، لمناقشة ايجابيات وسلبيات هذا القضاء عن بعد وهل يضمن المحاكمة العادلة، اجرينا حوارا حصريا مع الاستاذ محمد المو الحقوقي والمحامي بهيئة المحامين  المغاربة بالرباط :

إلى نص الحوار

* في البداية ، كيف ترى الاجراءات الاحترازية التي اتخذها المغرب للحد من تفشي وبلء كورونا؟

**لا شك أن الإجراءات المتخذة من قبل المغرب بخصوص انتشار فيروس كورونا جنبت بلادنا مأساة إنسانية وصحية كانت منتظرة ووشيكة إذ أن إعلان حالة الطواريء الصحية وما واكبها من إجراءات ساهمت بشكل كبير في تنزيل خطة التباعد الاجتماعي و فرض الحجر المنزلي على المواطنين بوسائل متعددة توعوية أمنية اجتماعية .....وهو إجراء يمكن للمغاربة أن يشكروا عليه تضحيات رجال الأمن بمختلف تلاوينها .

لكن بالمقابل طفت إلى السطح صور سوداء عن بعض الخروقات الماسة بحقوق الإنسان خاصة الجانب المتعلق باستهداف السلامة الجسدية وهو الأمر الذي لا يمكن قبوله مهما كانت الغايات والضروف التي ارتكبت فيها .

لهذا فقد لعب المواطنين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي دورا رقابيا على هذه الانفلاتات الأمنية .


 *كيف سجلتم كمحامي تجاوب السلطات مع عملية رصد عدد من الخروقات ذات الطابع الحقوقي  ؟

** نعم كان هنا تجاوب وفعالية، اذ أدت حملات الضغط والرصد والتنديد إلى تفاعل السلطات إيجابيا  معها بمواقف ضمنية برفض هذه السلوكيات أو باتخاذ إجراءات موازية للتراجع عنها .وفي نفس الوقت فتح قنوات التواصل للتعبير عن الحفاظ على حقوق الأفراد رغم ما يمكن اتخاذه من إجراءات لتنزيل برنامج حالة الطواريء الصحية .


  *تجربة  المحاكمة عن بعد التي اعتمدها المغرب خلال فترة الجأىحة ،تستحق التأمل ،لكن بصفتكم محامي وحقوقي هل تصون حقوق المتقاضين وتضمن المحاكمة العادلة؟

 **اللجوء إلى المحاكمة عن بعد بالنسبة للمتهمين المعتقلين في سجون المملكة عن طريق وسائل التواصل الحديثة، جاء في ظل جائحة كورونا «كوفيد 19 «كإجراء احترازي لتفادي ما قد ينجم عن عملية نقل السجناء إلى المحاكم من مخاطر حيوية لانتشار الفيروس.

وإذا كان هذا التدبير يبدو في ظل هذه الجائحة، التي تمر منها بلادنا، مناسبا لاستمرار المرفق القضائي بالنسبة للأشخاص المسلوبي الحرية، إلا أن الواقع العملي أبان عن عيوب تنقص وتؤثر على مسار المحاكمة العادلة، في ظل غياب نص قانوني يؤطر حاليا عملية المحاكمة عن بعد، 

علما أن هذا الصنف من التقاضي هو اختياري وليس إجباري، ويجب أن يبقى اختياريا، وفقا لمعايير المحاكمة العادلة، حتى في حالة سن هذا النوع من التقاضي الإلكتروني تشريعيا في المستقبل القريب، وذلك انسجاما أيضا مع عدد من القوانين المقارنة، بما فيها القانون الفرنسي، واجتهاداته القضائية.

 * ماهي ملاحظاتكم على التجربة ، خلال الفترة السابقة وما السبل لتجويدها؟

**ومن خلال تجربتي الشخصية في التعاطي مع بعض القضايا في زمن «كورونا» يمكن تسجيل الملاحظات التالية بكل إيجاز، من قبيل تأخر انعقاد الجلسات عن موعد انعقادها، وعدم وجود شبكة تغطية كافية في الربط بين المحاكم والسجن، مما يؤثر على:

جودتي الصوت والصورة.

انقطاع البث في بعض الحالات أثناء مرافعة الأطراف، الأمر الذي يحول دون سماع مرافعة دفاع المتهم ومحام الخصم، إن لم يؤد الأمر إلى توقف الجلسة.

مرور تقنية هذه المحاكمة بسرعة وإيجاز، الشيء الذي يمكن أن يتنافى مع شروط المحاكمة العادلة.

تمركز شاشة البث التواصلية بين رئيس الهيئة القضائية والمتهم، وذلك في غياب شمولها لباقي أطراف الدعوى على قدم المساواة، بما في ذلك النيابة العامة ودفاع أطراف الخصومة، وكذا عدم نقل أجواء قاعة الجلسة التي يمكن أن يوجد بها أحد أقرباء الظنين، وهي كلها أجواء لا تخلق الطمأنينة للمتهم، خصوصا وأنه لا يتابع ما يجري في قاعة جلسة تتسم بأجواء الرتابة، حيث تصبح تدخلات ومرافعة المحامي صوتية، بخلاف دور الدفاع الذي يشكل أيضا نوعا من الاطمئنان والإحساس بالأمان لموكله، فضلا عن حق المتهم في الاستفادة من المشاعر الإنسانية للقاضي الجنائي في نطاق مبدإ القناعة الوجدانية، علما أن معايير المحاكمة العادلة تستلزم الحضورية 

والتواجهية والشفاهية، وهي من الشروط والإجراءات التي تم إقرارها وسنها لصالح المتهم، ولا يمكن التنازل عنها إلا بموافقته إذا كانت لا تضر مصالحه...إلخ.

وهنا أفتح قوسا للتساؤل عن الغاية من تسريع البت في بعض القضايا عن طريق المحاكمة عن بعد لإصدار عقوبات تفوق مدة الحجر الصحي المتوقعة.

في هذا السياق أعتقد أن المحاكمة الإلكترونية يجب أن تنصب على الملفات التي يظهر من معطيات مسارها ووقائعها أن عقوبتها لا تتجاوز مثلا 6 أشهر، أو أنها تقتضي البراءة، أو الحكم بما 

قضى المتابع، أو الحبس الموقوف، بعيدا عن «ثقافة» الكم على حساب الكيف، مع مراعاة ضمانات المحاكمة العادلة التي لا محيد عنها في جميع الظروف وفي كل الملفات.