تتسارع وتيرة الاحداث في العاصمة الليبية طرابلس مع تواصل سلسلة المواجهات العسكرية التي تدور رحاها على تخوم المدينة منذ الرابع من ابريل/نيسان الماضي بين قوات الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق التي تحالفت مع المليشيات المسلحة بدعم من النظام التركي لمنع دخول الجيش الليبي الى المدينة وانهاء حالة الفوضى الكبيرة التي تشهدها منذ سنوات جراء سطوة المسلحين.
وتشهد المعارك مؤخرا تقدما ميدانيا للجيش الوطني الليبي وسط تأكيدات من القيادات العسكرية على قرب حسم معركة خاصة في ظل تراجع القوات الموالية لحكومة الوفاق رغم الدعم التركي المتواصل،ناهيك عن تصاعد المؤشرات حول وجود خلافات وصراعات من شأنها تفكيك التحالف الذي تعول عليه حكومة السراج للبقاء في العاصمة.
الى ذلك،أكد آمر محور عين زارة التابع للجيش الليبي، اللواء فوزي المنصوري،في تصريح خاص لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية"، أن جميع المحاور تشهد حالة من الهدوء النسبي، في ظل مناوشات متقطعة بالمدفعية مع قوات الوفاق، لافتا إلى أن هذه القوات -وبعد تقدم قوات الجيش الليبي في محور بوسليم- تحاول بين الحين واللاخر شن هجومات على تمركزات الجيش لمحاولة استعادة هذه المواقع فيما يقوم الجيش الليبي بإحباط تلك المحاولات، حيث لا يزال الجيش محتفظ بجميع نقاطه الجديدة حتى الآن.


وفيما يتعلق بمنطقة العجيلات، بين المنصوري، أن فرقاطة قامت باستهداف مواقع في صبراتة تتبع السرية المقاتلة للقوات الخاصة البحرية، ولكن الإصابة جاءت غير دقيقة ولم تسفر عن أي أضرار بشرية أو مادية، قائلا "المليشيات تنهار في طرابلس، وتحاول جذب القتال إلى مناطق أخرى في محاولة لخلق انتصارات من عدم"، بحسب تعبيره.
وأفاد اللواء أحمد المسماري المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي بأن بارجة تركية تتمركز على سواحل غربي ليبيا تقصف منطقة العجيلات بالصواريخ، دون حدوث أي خسائر.وقال المسماري، في بيان مقتضب، "إن تدخل القوات البحرية التركية مستمر حيث كان في السابق ترافق البوارج البحرية سفن شحن تقل أسلحة ومعدات عسكرية ةإرهابيين ومرتزقة سوريين"، بحسب تعبيره.
ويكشف إقحام الرئيس التركي لبوارج حربية المأزق الكبير الذي تعيشه حكومة الوفاق في ظل تراجع قواتها وخسائرها المتواصلة.وتمكنت قوات الجيش الوطني الليبي من تحقيق انتصارات كبيرة في مناطق إستراتيجية على أكثر من جبهة، حيث سيطرت على مناطق على الحدود التونسية غرب البلاد وحققت تقدما ملحوظا في معركة تحرير العاصمة الليبية طرابلس وسط تراجع كبير للمليشيات والمرتزقة الموالين لتركيا.
وعلى وقع إخفاقات النظام التركي في الجبهة الليبية وعدم إيفائه بوعوده،  تسود حالة من التململ في صفوف المقاتلين السوريين الذين تم استقدامهم إلى ليبيا.وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان،أن حالة استياء كبيرة تسود في أوساط المقاتلين السوريين الذين ذهبوا إلى ليبيا بسبب تخلف تركيا عن الإيفاء بوعودها وسط حالة مزرية يعيشيها "المرتزقة" هناك..
وكان المرصد السوري نشر قبل أيام، أن الجانب التركي عمد إلى تخفيض رواتب المقاتلين السوريين الذين جرى تجنيدهم وإرسالهم للقتال في ليبيا.كما تحدث تصاعدت وتيرة الخسائر في صفوف مرتزقة أردوغان مع تواصل سقوط الكثير منهم في محاور القتال وأكد المرصد أن بعضهم جرى نقله إلى الأراضي السورية ودفنه ضمن مناطق نفوذ فصائل "درع الفرات" بالريف الحلبي.
وبالتزامن مع هذه التطورات الميدانية التي تكشف فشل المخططات التركية في ترجيح كفة حكومة الوفاق على حساب الجيش الليبي،تواجه حكومة السراج ضغوطا داخلية شديدة مع تفاقم الخلافات في صفوف قياداتها وتجدد الصراع الحاد بين أجنحتها والتي بدأت في الظهور للعلن في مشهد يعكس بحسب كثيرين قرب انفراط عقد التحالف القائم وانهياره.
  وخرج صلاح بادي آمر ميليشيا "لواء الصمود"،والمطلوب دولياً،ليتوعد المجلس الرئاسي وحكومته التي اتهمها بـ"الفساد المالي"، وقال إنهما "استغلا وضع البلاد"، وانهماك من وصفهم بـ(الثوار) في صد (العدو) "فاتخذ السراج قرارات مصيرية لم يرجع فيها لرأي الشعب".وأكد تأييده لما صدر عن عمداء 23 بلدية بشأن إمهال المجلس الرئاسي مدة زمنية لتنفيذ مطالبهم، أو قطع علاقتهم معه. واعتبر بادي قرار البلديات "خطوة جريئة في الطريق الصحيح، تدل على الشعور بالمسؤولية وصون للأمانة.
وكان السراج قد أعلن أنه رصد نصف مليار دينار (الدولار مقابل 4.95 دينار) لتوزيعها على البلديات بعموم البلاد قصد مواجهة "كورونا"، لكن مع تزايد أعداد المصابين في البلاد إلى ثماني حالات، كشفت عدة بلديات أنها لم تتسلم أي دعم مادي من ميزانية الطوارئ، التي أعلنها المجلس الرئاسي، وهددت بقطع علاقتها معه، بعد إمهاله 48 ساعة فقط.


وأمام تزايد حالة الغضب، قرر فائز السراج في وقت لاحق تخصيص 75 مليون دينار للبلديات، والمجالس المحلية واللجان التسييرية بالمناطق لمواجهة تداعيات مخاطر الفيروس. وجاء قرار السراج تفاديا لعملية انشقاق متوقعة، كان من الممكن أن تسبب شرخاً كبيراً في صفوفه، بحسب متابعين للشأن الليبي.
وتأتي غالبية الانتقادات الموجهة للسراج من مدينة مصراتة (غرب)، بصفتها المتحكم الأكبر في مجريات الحرب الدائرة على حدود العاصمة، بالإضافة إلى قيادات من المجلس الأعلى للدولة.ووجه عبد الرحمن السويحلي، عضو المجلس الأعلى للدولة عن مدينة مصراتة،انتقادات للسراج متسائلا عن "أسباب الضجة والعناد حول الترتيبات المالية.
وقال في بيان نشره عبر صفحته على "فيسبوك"،إن "الإنفاق يجب أن يتركز فقط على بندي المرتبات والدعم، ومصروفات مواجهة العدوان من توفير متطلبات الجبهات، ومساعدة النازحين. بالإضافة إلى تخصيص إنفاق محدد ومنضبط لمواجهة وباء كورونا"، مستكملاً:"‏أما الصرف فيما عدا ذلك فهو استمرار لسياسات نهب المال العام".
وانضم عبد الرحمن الشاطر، عضو المجلس الأعلى للدولة، إلى جبهة منتقدي السراج وحكومته، وقال إن "الأنظار متجهة نحو فائز السراج، انتظاراً لرده على هبة الغضب، التي ارتفعت حدتها ضد سياساته"، وقال:"لا أتوقع تغييراً جوهرياً وجذرياً، لأن فاقد الشيء لا يعطيه".وأضاف الشاطر في تغريدة على "تويتر"، أن "الشرعية التي يحتمي بها السراج لم يعد لها قيمة. فقد تخلت عنه دول عدة، واليوم يفقدها في الشارع الليبي. ولو ذهب فهو غير مأسوف عليه".
وكان الشاطر قد قال في تدوينات مشابهة مساء أول من أمس:"لقد بلغ السيل زباه بسبب سياسات التردد، وسوء اختيار الكوادر، وتفشي الفساد وعدم استجابتك لكل التنبيهات والنصائح"، مضيفاً:"السراج يواجه حالياً غضبة شعبية عارمة بسبب إدارة المعركة"، وما وصفه بـ"إهمال الاستعداد لوباء (كورونا).
ونوّه الشاطر إلى أن 32 بلدية "تمهل الرئاسي 48 ساعة لتصحيح أوضاعه، وطوارئ مصراتة تطالبه بقطع العلاقات مع الدول الداعمة لـ(العدوان). نحن أمام غضب شعبي مشروع، وعلينا تأييده لأنه يهدف إلى تصحيح المسار، الذي تعطل طوال 4 أعوام الماضية، وكانت حصيلتها فساد وضياع للدولة".على حد تعبيره.
ويبدو واضحا أن الصراع بين رئيس حكومة الوفاق فايز السراج وحلفائه سيتجه نحو المزيد من التعقيد في ظل حملة التشكيك والتخوين التي يواجهها السراج ومستشاريه بخصوص طريقة إدارته لمعركة التصدي لدخول الجيش الليبي إلى طرابلس.واعتبر الكاتب الليبي محمد بعيو،في تدوينة له،أن "الحملة الشرسة والممنهجة لطرد بعض المسئولين، ليس هدفها الإصلاح، كما تزعم أبواق الإخوان، بل هي لابتزاز السراج ليسمح بسيطرتهم على حكومة الوفاق..هذه هي الحقيقة"، بحسب تعبيره.


وبحسب تقارير اعلامية،تتهم شخصيات محسوبة على تيار الإسلاميين مستشاري فايز السراج وفي مقدمتهم تاج الدين الرزاقي برفض التعامل مع الدول الداعمة لتيارها على غرار قطر وتركيا وبعرقلة دعم جبهات القتال بالأموال.وترددت أنباء عقب شهر من بدء المعركة في طرابلس عن عزل الإسلاميين للسراج بشكل غير رسمي وتكليف وزير الداخلية فتحي باشاغا بمهمة إدارة المعركة.
وفي سبتمبر الماضي، بدأ الإسلاميون بالتفكير في إعلان تشكيل "حكومة ثوار" بعد أن أعلن القيادي في حزب العدالة والبناء الإخواني خالد المشري البدء في مشاورات مع أعضاء من مجلس النواب الموازي في طرابلس، من أجل اتخاذ الخطوات لتقليص عدد أعضاء المجلس الرئاسي إلى رئيس ونائبين، ورئيس حكومة مستقل يترأس حكومة مصغرة مهمتها التمهيد للانتخابات.
ويرى مراقبون، أن مأزق حكومة الوفاق سوف يتفاقم مع تصاعد حالة من الغضب التي تسيطر على السكان والعسكريين الليبيين فى المنطقة الغربية بسبب رضوخ السراج لتيار الاسلام السياسي وعلى راسه جماعة "الإخوان"، التي تعمل ضمن أجندات خارجية تسعى لتعزيز نفوذ دول على غرار تركيا وقطر فى ليبيا ودعم مصالحها أولا حتى لو تعارض ذلك مع مصالح الشعب الليبى الذي يعيش منذ العام 2011 في أتون أزمة أرهقته.
وبالرغم من اجماع الكثير من المتابعين للشأن الليبي على ضرورة انهاء الصراع المسلح بين الليبيين وحقن الدماء والذهاب الى طاولة الحوار أملا في الوصول الى تسوية تنهى الأزمة الشائكة،خاصة في ظل أزمة وباء فيروس "كورونا" التي تهدد العالم،فانهم يشيرون من جهة أخرى الى ضرورة انهاء وجود المليشيات المسلحة وسيطرتها على مؤسسات الدولة،ويؤكد هؤلاء أن دخول الجيش الى طرابلس واستعادة سلطة الدولة من شأنه وضع ليبيا في الطريق الصحيح نحو بداية البناء.