ترى غالبية اتجاهات الرأي العام والطبقة السياسية التونسية ان حكومة يوسف باتت في مهب حسابات الأحزاب السياسية على خلفية نزيف انسحابات عدد من الأحزاب الغاضبة في ظل أزمة هيكلية يبدو أن حلولها مستعصية نتيجة تراكم مخلفات حكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة الإسلامية وتردي الأوضاع بصفة عامة.
وأعلن حزب مشروع تونس الذي يقوده محسن مرزوق "سحب ثقته من حكومة يوسف الشاهد والانسحاب من وثيقة قرطاج" على خلفية "عدم التزام الحكومة ببنود الوثيقة" وطالب الشاهد بـ"فك ارتباطه" بنداء تونس وتركيز تركيبة حكومية غير متحزبة تتكون من كفاءات التكنقراط.
وقالت خولة بن عائشة عضو المكتب التنفيذي المكلفة بالعلاقات الخارجية بحزب مشروع تونس "إن قرار سحب الثقة من الحكومة والانسحاب من وثيقة قرطاج اتخذه المكتب السياسي للحزب خلال اجتماع له انتظم يوم السبت 14 يناير الحالي.
وأكدت بن عائشةفي تصريحات لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية" أن "بيان قرار سحب الثقة من الحكومة والانسحاب من وثيقة قرطاج جاهز".
وإجابة عن سؤال بشأن الدوافع التي تقف وراءتأخير نشر البيان قالت بن عائشة "خيرنا عقد مؤتمر صحفي غدا الخميس 18 يناير لا فقط للإعلان رسميا عن قرار سحب الثقة والانسحاب وإنما أيضا لتقديم تقييم دقيق ونزيه لمدى التزام الحكومة بوثيقة قرطاج".
ومع انسحاب مشروع تونس من الوثيقة ارتفع عدد الأحزاب المنسحبة إلى 4 وهي حزب آفاق تونس والحزب الجمهوري وحركة الشعب إضافة طبعا إلى حزب مشروع تونس وذلك من أصل 9 أحزاب وقعت عليها.
وكانت تركيبة حكومة الشاهد تركزت بناء على ما تضمنته الوثيقة من أولويات منها توفير التنمية والشغل بما يكفل حق المواطنة إضافة إلى محاربة الفساد والإرهاب.
وتعد الوثيقة التي تم إعدادها في يوليو العام 2016 "المرجعية السياسية والبرامجية للحكومة التي راهنت على مفهوم الوحدة الوطنية في مسعى يهدف إلى توفير الاستقرار الحكومي والسياسي والاجتماعي.
وكشفت بن عائشة أن حركة مشروع تونس "ركزت لجنة تكفلت بتقييم بنود وثيقة قرطاج بندا بنداوأيضا بمدى مدى التزام الحكومة بتنفيذها" مشيرة إلى أن "اللجنة توصلت إلى أن الحكومة لم تتقدم في إنجاز تلك البنود ولم تلتزم بها".
وأكدت أن"الحزب سيقدم خلال المؤتمر الصحفي تقييما دقيقا وموضوعيا توصل بالاعتماد على المؤشرات والأرقام إلى أن حكومة الشاهد لم تلتزم ببنود وثيقة قرطاج لنؤكد مشروعية سحب ثقتنا من الحكومة والانسحاب من الوثيقة".
وطابت بن عائشة الشاهد بالاستقالة من حزب نداء تونس وتركيز حكومة كفاءات وطنية من التكنوقراط غير المتحزبين بعد أن تم تحزيب مراكز القرار السياسي والإداري.
وشددت تقول لـ"بوابة إفريقيا" على أن ّ"مراكز القرار بما فيها الولاة (محافظي الجهات) والكوادر العليا بالإدارة وغالبية مواقع القرار استحوذ عليها النداء" لافتة إلى إن مثل هذا الاستحواذ "غير مقبول لأنه يهدف إلى تحزيب مؤسسات الدولة".
وتنسجم انتقادات بن عائشة مع غالبية اتجاهات الرأي العام والطبقة السياسية التي تطالب بـ"تحييد مؤسسات الدولة ومراكز القرار الحكومي عن الأحزاب السياسي لتقف الدولة على نفس المسافة من جميع التونسيين مهما كانت توجهاتهم السياسية".
ويقول أخصائيون في العلوم السياسية إن "قرار مشوع تونس زاد في تجريد الحكومة من هويتها كحكومة وحدة وطنية" مشددين على أن "مفهوم الوحدة الوطنية بات في مهب عاصفة سياسية لا تقل خطورة عن عاصفة الاحتجاجات التي تشهدها البلاد".
وقال سامي مصمود أستاذ العلوم لسياسية بالجامعة التونسية "إن قرار حزب مشروع تونس جاء ليؤكد على أن الطبقة السياسية اقتنعت بأن الحكومة فشلت في إدارة الشأن العام بناء على ما تضمنته وثيقة قرطاج".
وأضاف مصمود وهو يتحدث إلى "بوابة إفريقيا" يقول "إن القرار يعكس موقف جزء هام من اتجاهات الرأي العام والطبقة السياسية ولا يعكس موقف الحزب فقط" ملاحظا أنه "لا يمكن اليوم بأي حال من الأحوال الحديث عن الوحدة الوطنية".
ويتوقع مراقبون أن يقود قرار مشروع تونس إلى تداعيات سياسية خطيرة قد تدفع باتجاه إسقاط حكومة الشاهد خاصة وأنه من المتوقع أن تعلن أحزب أخرى انسحابها.
وقال مصمود "إن حكومة الشاهد بدأت تتآكل سواء من داخل تركيبتها أو من خلال تمزق حزامها السياسي" مشيرا إلى أنها "تقبع الآن في غرفة إنعاش الموت السريري وهي الآن في طريقها إلى سقوط مشابه لسقوط حكومة الحبيب الصيد".
غير أن مراقبين آخرين يقللون من خطورة قرار حزب مشروع تونس مشددين على أن تونس مرت بعديد الأزمات السياسية ونجحت في احتوائها ولو نسبيا".
وقللت سميرة بن ساسي الأخصائية في العلوم السياسية والأستاذة بالجامعة التونسيةمن "خطورة قرار مشروع تونس" مشددة على أنه "من الإجحاف الحديث عن موت الحكومة سريريا وأضافت تقول "مازالت أمام الشاهد فرصة لإنقاذ حكومته خاصة وأنه يحظى بإسناد قوي من قبل الحزبين الكبيرين المتحالفين، النداء والنهضة".
وتوقعت بن ساسي في حديثها لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية" أن "يتوصل الشاهد المدعوم من قبل الرئيس قائد السبسي ومن تحالف نداء تونس وحركة النهضة إلى نوع من التسوية السياسية خاصة وأن البلاد لا تحتمل حاليا سقوط حكومة كثيرا ما راهن عليها جزء من اتجاهات الرأي العام لحلحلة أزمة البلاد الهيكلية".
وقبل يومين شدد محسن مرزوق الأمين العام لحزب مشروع تونس خلال تصريحات لوسائل الإعلام المحلية على أن "وثيقة قرطاج تجردت من هويتها كوثيقة مرجعية بالنسبة للحكومة التي جوفت محتوى بنودها ما قاد بها إلى الفشل في توفير الحلول لأزمة هيكلية ما انفكت تأخذ نسقا تصاعديا".
ويطالب مرزوق بثورة هادئة من الإصلاحات الكبرى وبعدم الاكتفاء ببعض الإجراءات التي لا تعدو سوى أن تكون نوعا من المهدئات المؤقتة حتى إذا ما انتهتفاعليتهااستفاقت تونس على أزمة أشد زادت في تعميق هشاشة أوضاع البلاد وتعقيدها.
ورأى مراقبون في قرار مشروع تونس مؤشرا قويا على أن الخارطة السياسية التونسية مرشحة لإعادة رسم ملامحها باتجاه فرض الحد المقبول من التوازن والقطع مع الاختلال الحاليالذي ألقى بتداعيات سياسية واجتماعية خطيرة".
غير أنهم، وبالمقابل، يرون أن فرض التوازن يبدو صعبا على المدى القريب سواء لجهة هيمنة التحالف على الحكومة أو لجهة تشرذم الأحزاب الأخرى وتدني أدائها.