تتسارع الاحداث في العاصمة الليبية طرابلس مع تجدد الاشتباكات التي تدور رحاها على تخومها منذ الرابع من ابريل/نيسان الماضي بين الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والقوات الموالية لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج التي تواصل توريط نفسها في اتهامات جديدة على وقع خسائرها الميدانية مع استمرار تقدم الجيش الليبي.
وعلى وقع خسائرها وحلفائها الأتراك،تزداد أزمات حكومة الوفاق مع تواصل الاتهامات الموجه لها وآخرها ما جاء على لسان المتحدث الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الليبي، أحمد المسماري،الذي أكد في بيان نشره على صفحته في "فيسبوك"، أن حكومة الوفاق الوطني بتجنيد السجناء للقتال في صفوف قواتها، ومساومتهم على حريتهم.
وقال المسماري، في بيانه، إنه "في إطار متابعة تحركات العصابات الإرهابية غرب طرابلس، تم رصد قيام الإرهابي مهرب الوقود أسامة جويلي، وهو آمر المنطقة العسكرية الغربية بقوات ميليشيا الوفاق بتجنيد السجناء والمحكومين في قضايا جنائية منها القتل والسرقة، للقتال ضد قوات الجيش الليبي، مع تقديمه وعوداً بالإعفاء عنهم وتخفيف عقوباتهم، وذلك بعد خسائره الكبيرة في الأيام الماضية".


ونجح الجيش الليبي في تحقيق تقدم في محاور القتال خلال اليومين الماضيين بعد تجدد الاشتباكات،وأكد المحلل العسكري محمد الترهوني، في تصريح لـ "بوابة إفريقيا الإخبارية"، أن قوات الجيش الليبي أحرزت الأحد تقدمات كبيرة في محيط منطقة العزيزية ووصلت إلى محيط معسكر اللواء الرابع، كما تمكنت السبت من فرض سيطرتها على منطقة الهيرة، قائلا "منطقة الهيرة تعد مدخل رئيسي وموقع استراتيجي هام وبفرض السيطرة عليه تكون قوات الجيش الليبي قد قطعت الطريق على المليشيات في محاولة الالتفاف على الجيش خلف تمركزاته في مختلف المحاور جنوب طرابلس"، بحسب تعبيره.
وكانت القيادة العامة بالجيش الوطني الليبي،أعلنت بعد ظهر السبت ،سيطرة قوات الجيش بالكامل على الطريق الساحلي الرابط ما بين العاصمة طرابلس و مدينة غريان ،كما تمكنت من احراز تقدّم في منطقة العزيزية و الهيرة ،فضلا عن السيطرة على معسكر العكرمي في منطقة الهيرة ،جنوب العاصمة طرابلس.
وبالتزامن مع ذلك أعلن الجيش الليبي الأحد أن وسائل الدفاع الجوي استطاعت إسقاط 6 طائرات تركية مسيرة خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية، ليرتفع عدد الطائرات التي تم إسقاطها في الأيام الثلاثة الماضية إلى 10 طائرات فيما تزايدت خسائر القوات التركية ومرتزقتها ويأتي ذلك بعد إعلان القيادة العامة للجيش الليبي مقتل عدد من الجنود الأتراك، في قصف شنته قوات الجيش على "قاعدة معيتيقة"، مساء الأربعاء الماضي.


وانخرطت تركيا في الصراع الدائر في ليبيا عبر بوابة حكومة الوفاق التي فتحت الباب لأنقرة لارسال قواتها والمرتزقة الموالين لها لقتال الجييش الليبي.واتهم رئيس مجلس النواب الليبي، المستشار عقيلة صالح، اليوم الاثنين،حكومة السراج باغراق البلاد بالمرتزقة.وقال عقيلة صالح، في مقابلة مع وكالة "سبوتنيك" الروسية:"وزير الداخلية في حكومة الوفاق غير الشرعية وغير الدستورية، هو من وافق على دخول قوات مرتزقة وجنود أتراك مدججين بكل أنواع الأسلحة إلى أرض البلاد، وفي صفوفهم جماعات إرهابية وقادة إرهاب مطلوبون دوليا".
وحول موافقة الحكومة في طرابلس على إنشاء قاعدة أمريكية في ليبيا، قال عقيلة:"الولايات المتحدة الأمريكية ليست بحاجة إلى قواعد في ليبيا ثابتة، حيث لديها قواعد متحركة في البحار والمحيطات، وكذلك مثل هذه الاتفاقيات تتطلب موافقة السلطات التشريعية وهي المعنية بذلك".وكان وزير داخلية السراج، فتحي باشاغا، قال في وقت سابق:"إن حكومته لا تمانع في إقامة قاعدة عسكرية أمريكية، حال طلبت الولايات المتحدة ذلك".
وتأتي هذه التطورات على وقع تصاعد الخلافات في صفوف حكومة الوفاق والمليشيات الموالية لها،والتي ظهرت جلية مع توجيه فتحي باشاغا وزير الداخلية بحكومة الوفاق، انتقادات علنية للميليشيات واتهمها بالفساد وباستغلال النفوذ والابتزاز والتآمر ضد وزارة الداخلية واختراق جهاز المخابرات واستخدامه ضد مؤسسات الدولة، كما هدد بملاحقتهم قضائياً. وخص باشاغا بالذكر "ميليشيا النواصي
تصريحات باشاغا لم تمر مرور الكرام، حيث خرج القيادي في "ميليشيا النواصي" علي الرملي ليتهم الوزير بالتحريض على الميليشيا، ومحاولة إزاحتها بعدما بات يعتمد على المرتزقة السوريين والمقاتلين الأجانب. وتوعد الرملي بالقضاء على المرتزقة الذين وصفهم بـ"الدواعش"، قائلاً "يا باشا لا تعتقد أن المرتزقة السوريين الذين أتى بهم الأتراك سوف يحمونك من (قائد الجيش الوطني الليبي خليفة) حفتر. بمجرد أن نصدر نحن النواصي إعلاناً واحداً، سوف ترى هؤلاء المرتزقة جثثا مرمية في شوارع طرابلس".


ودخلت كتيبة "ثوار طرابلس" على الخط، وأعلنت دعمها لـ"ميليشيا النواصي" ضد وزير الداخلية فتحي باشاغا.وقالت الكتيبة التي يتزعمها القيادي أيوب أبو راس،في بيان،إنها هي التي تصدت "لجحافل الغزاة في الرابع من أبريل (نيسان) الماضي، عندما ظن البعض أن العاصمة ستسقط في أيدي (القائد العام للجيش الوطني المشير خليفة) حفتر، في غضون ساعات".
وعاد باشاغا،للخروج مدافعا عن المرتزقة السوريين رافضا توصيفهم بالإرهابيين، زاعما إنهم دخلوا إلى طرابلس بصفة شرعية من خلال اتفاقية وقعت بين حكومة السراج ونظيرتها التركية، في أنقرة أواخر العام الماضي.وقال في لقاء متلفز مع فضائية "فرانس 24": "إن طرابلس لا توجد بها مرتزقة، بل دخلوا إلى البلاد بعد عقد اتفاقية مع تركيا في وضح النهار، من حكومة معترف بها دوليًا، ومن حقها أن تبرم الاتفاقيات الأمنية، ومذكرات التفاهم"، على حد قوله.
وكشفت الاتهامات المتبادلة عن صراع كبير بين المليشيات القادمة من مصراتة ومليشيات طرابلس على النفوذ في المدينة.وأثار هذا التلاسن مخاوف من صدام وشيك بين الطرفين وهو ما دفع  الصادق الغرياني، المفتي المعزول، إلى التحذير من الصدام بين باشاغا والميليشيات، وقال: هذا "سيسمح (للعدو) باختراق وشق الجبهة الداخلية وانقسام الصف، (...) في حال انشقت الجبهة الداخلية، فالهزيمة ستكون مُحققة".
من جهة أخرى،اعتبر البعض أن هذه الملاسنات مجرد لعبة لابعاد تهم تستر حكومة الوفاق على المليشيات أمام المجتمع الدولي وخاصة بعد تصريحات السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، في العاشر من شهر فبراير (شباط) الماضي،خلال لقائه باشاغا في تونس،حين قال إن "بلاده تدعم الجهود التي تبذلها السلطات الليبية لتفكيك الميليشيات والجماعات المسلحة، ونزع سلاحها"، وترى أنها "تمثل تهديداً خطيراً لبناء دولة قوية وديمقراطية وموحدة في ليبيا".
ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن مسؤول محلي مقرب من حكومة الوفاق،الأحد،قوله إن "سلطات طرابلس تسعى لتقارب أميركي جاد يوفر لها الحماية اللازمة في مواجهة (الجيش الوطني) الذي تسانده دول شقيقة، وأجنبية عديدة"، مبدياً تخوفه من أن هذا الاتجاه "للتضحية ببعض الميليشيات قد ينقلب على حكومة (الوفاق)، إذا ما توحدت تلك المجموعات في مواجهتها".
وتحدث المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، لدواعٍ أمنية، عن "تغييرات سياسية متسارعة يتبعها المجلس الرئاسي لمواجهة احتمالية قيام قوات حفتر بعملية زحف كبيرة خلال أيام"، وذهب إلى أن "ذلك تمثل في طلب باشاغا من أميركا إنشاء قاعدة عسكرية في البلاد، وفتح ملف الميليشيات، بالرغم من خطورته وحساسيته بالنسبة لسلطات طرابلس".
وكان طاهر السني مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة في نيويورك، والتابع لحكومة الوفاق،أكد في تصريحات سابقة، إن ما سماهم "التشكيلات المسلحة تحد كبير في كل ليبيا"، قبل أن ينبّه إلى "عدم وضعهم جميعاً في سلة واحدة". وأضاف:"قمنا بحل ودمج العديد منهم، لكن الموضوع يحتاج وقتاً والطريق طويل، وهناك تحديات وخروقات تحدث في كل ليبيا".


وبحسب الناشط المدني ميهوبي عبد الغني،الأحد،فان "الرئاسي يلعب بورقة الميليشيات أمام المجتمع الدولي، فمرة يدافع عن عناصرها، ويرى أنهم يدافعون عن العاصمة، ومرات يتهمهم بارتكاب المخالفات، ويطالبهم بالامتثال للقانون".وأضاف عبد الغني،"للشرق الأوسط":"مللنا من الميليشيات، بكل فئات، وآيديولوجياتها، وليبيا لم تربح من ورائها إلا الخراب والدمار، في حين أن قيادتها أصبحوا يمتلكون الثروات الضخمة، ومن بينهم من يتباها بسيارته الفارهة. لا بد من حل".
وتواجه الميليشيات في العاصمة، ومناطق أخرى بالبلاد، بتهم ارتكبت جرائم عدة، من بينها خطف المواطنين وابتزازهم مالياً وقتلهم، والتعدي على الأجهزة الشرطية.آخر انتهاكات المليشيات جاء مع اختطاف أحد مدراء المدارس في العاصمة الليبية طرابلس،على خلفية عقابه لأحد الطلاب، بسبب مخالفة الطالب للوائح والقوانين.
ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن محمد الهادي الموظف بإدارة التفتيش بتعليم طرابلس،قوله إن مدير مدرسة علي أوريث الثانوية، عاقب طالبا بمنعه من الدراسة حتى إحضار ولي أمره على خلفية شجار وضرب أحد زملائه،مشيرا الى أن الطالب غادر المدرسة، وبدلا من أن يُبلغ ولي أمره، ذهب إلى مجموعة مسلحة يقودها ميليشياوي قريب له يدعى حميد المضغوطة، طالبا منه الانتقام له من المدير الذي طرده.
وأضاف المصدر أن المضغوطة أرسل مجموعة مسلحة يوم 23 فبراير/ شباط الماضي، قامت بجلب المدير محمد الحداد ونائبه عصام بن عبد الله، ونقلتهما من المدرسة إلى أحد مقرات ميليشيا "الغنيوات".وأوضح الهادي بأن الطالب يتواجد بمكان اعتقال المدير ونائبه، ويوجه لهم يوميا الإهانة حتى أنه يقوم بصفع المدير على وجهه بصورة مستمرة دون أن تتدخل أي جهة سواء في وزارة الداخلية أو وزارة التعليم، رغم التوجه لهما رسميا من قبل عائلتي المخطوفين.
ويرى مراقبون، إن حكومة الوفاق رهينة للميليشيات ولتركيا التي دخلت الصراع في محاولة لعرقلة تحرير العاصمة طرابلس وابقاء حالة الفوضى فيها بما يضمن لها مد نفوذها في البلاد وتمرير أجندات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القائمة على غزو ليبيا ونهب ثرواتها وتحويلها الى بوابة لمد أذرعه في المنطقة ككل وهو ما أثار غضبا اقليميا ودوليا واسعا.
 وبالرغم من اجماع الكثير من المتابعين للشأن الليبي على ضرورة انهاء الصراع المسلح بين الليبيين وحقن الدماء والذهاب الى طاولة الحوار أملا في الوصول الى تسوية تنهى الأزمة الشائكة،فانهم يشيرون من جهة أخرى الى أن أي استحقاق قادم في ليبيا لا يمكن تحقيقه في ظل وجود المليشيات المسلحة وسيطرتها على مؤسسات الدولة،ويؤكد هؤلاء أن دخول الجيش الى طرابلس واستعادة سلطة الدولة من شأنه وضع ليبيا في الطريق الصحيح نحو بداية البناء.