تتسارع الاحداث في العاصمة الليبية طرابلس مع تواصل حدة المعارك التي تدور رحاها على تخومها منذ الرابع من ابريل/نيسان الماضي بين الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والوات الموالية لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج الذي تحالف مع المليشيات المسلحة بدعم من تركيا وقطر لمنع دخول الجيش الليبي الى المدينة وانهاء حالة الفوضى فيها.

وتشهد المعارك مؤخرا تقدما ميدانيا للجيش الوطني الليبي وسط تأكيدات من القيادات العسكرية على قرب حسم معركة خاصة في ظل تراجع القوات الموالية لحكومة الوفاق وتصاعد الحديث عن وجود انسحابات في صفوف المليشيات من شأنها تفكيك التحالف الذي تعول عليه حكومة السراج للبقاء في العاصمة.

ففي تطور جديد،قال الجيش الوطني الليبي، إن ميليشيات مصراتة التابعة لقوات حكومة الوفاق، بدأت بالانسحاب من مواقعها في محاور القتال بالعاصمة طرابلس والعودة إلى مدينتها، وذلك تحسباً لهجوم قوي من قوات الجيش خلال الأيام القادمة، ضمن المرحلة الأخيرة لتحرير العاصمة من الإرهاب.

وأوضح المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة، في بيان، مساء الثلاثاء، أن "ميليشيات مصراتة سحبت أسلحتها المخزنة بمدرسة السواني الثانوية وانسحبت إلى الكريمية، كما غادر عدد منها إلى خارج محاور القتال في اتجاه طريق العودة إلى مصراتة بعد وصول أنباء على وجود نيّة هجوم كاسح للقوات المسلحة العربية الليبية، مضيفاً أن باقي ميليشيات مصراتة انسحبت من منطقة الرملة بعد استهدافهم من قوات الجيش".

ومنذ انطلاق عملية تحرير العاصمة طرابلس في الرابع من أبريل الماضي، انضمت ميليشيات مدينة مصراتة إلى المعارك وتصدرت عناصرها الصفوف الأولى لمحاور القتال ضمن قوات حكومة الوفاق، من بينها ميليشيا لواء الصمود التي يقودها المطلوب دولياً صلاح بادي، وكتيبة الحلبوص، والقوّة الثالثة، إضافة إلى ميليشيا 166 وكتيبة شريخان، التي قتل قائدها محمد بعيو، خلال مواجهات مع الجيش في طرابلس.

وفي وقت سابق،قال الجيش الوطني الليبي إنه رفض وساطة سرية سعت إليها أطراف وأعيان في مدينة مصراتة لعقد اتفاق مع المشير خليفة حفتر، القائد العام، يتضمن "انسحاب جميع الميليشيات المسلحة المنتمية للمدينة من معارك العاصمة طرابلس وتركها، وتسليم الأسلحة، عدا قوة بقوام لواء تبقى بأسلحتها لحماية المدينة احتياطا بشرط عدم مطاردة أي فرد من مصراتة.

كما تضمن الاتفاق، الذي أعلن عنه المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة في بيان في 09 يوليو الجاري، أن يتم "أخذ ضمانات بذلك عن طريق أعيان وحكماء، يتم الاتفاق عليهم، مع التعهد بعدم دخول الجيش إلى مدينة مصراتة، ولا علاقة لها بباقي المدن والميليشيات، بل ستقوم بالانسحاب بشكل مفاجئ وغير معلن".

وقال المركز الإعلامي إن "الإجابة جاءت سريعة، تشترط تسليم كامل الأسلحة المتوسطة والثقيلة، والذين ارتكبوا جرائم ومطلوبين من المدعي العام والنيابة، وتأمين المدينة من قبل الشرطة والأمن العام من عدة مديريات، بما فيهم أفراد الأمن التابعون للمدينة"، لافتا إلى أن هذه المعلومات كانت ملخص اتصالات وفد مصراتة مع المشير حفتر عبر وسطاء.

ويأتي الحديث عن انسحاب مليشيات مصراتة بالتزامن مع مؤشرات خلاف بين رئيس حكومة الوفاق فائز السراج وتيار الاسلام السياسي الذي يهيمن على حكومته.وبحسب صحيفة "العرب" اللندنية يقود عبدالرحمن الشاطر عضو مجلس الدولة (جسم استشاري مشكل من أعضاء المؤتمر الوطني من تيار الإسلام السياسي) حملة تتهم السراج بالسلبية في طريقة التعامل مع الدول الداعمة للجيش الوطني.

وقال الشاطر في إحدى تغريداته على موقع تويتر عقب اعتراف فرنسا بملكياتها لصواريخ جافلين التي قالت الميليشيات إنها عثرت عليها في مواقع كانت تحت سيطرة الجيش في مدينة غريان،"لا تلوموا حكومتنا الرشيدة لعدم الاحتجاج على الدول المشاركة في العدوان وقتل الليبيين بعد ثبوتها واعترافها بالجرم فهي تراعي العشرة وتعمل بمقولة النبي عيسى عليه السلام: من ضربك على خدك الأيمن ادر له خدك الأيسر".

وقبل ذلك قال الشاطر إنه "لاحظ عدم توازن وتناغم في الأداء بين العمل الحربي والعمل السياسي ففي حين اكتفى القائد الأعلى للجيش الليبي فايز السراج بإعلان النفير العام للقوات المسلحة بقيت الأذرع السياسية والدبلوماسية للدولة شبه معطلة".

وأضافت صحيفة "العرب"،أن عميد بلدية تاجوراء حسين بن عطية،أكد الثلاثاء أنه قام بدعوة عدد من أعيان وحكماء ونشطاء المجتمع المدني بالمنطقة الغربية لاجتماع السبت سيبحث فصل الحكومة عن المجلس الرئاسي وتغيير بعض المناصب الحساسة، إضافة لتغيير لجنة الطوارئ التي شكلها السراج.

وفسر المحلل السياسي الليبي محمد الجارح الهجمة التي يشنها الإسلاميون على السراج بوجود خشية من توصله إلى تسوية مع الجيش تخرجهم من المشهد السياسي. وقال الجارح في تغريدة على صفحته بموقع تويتر "من الواضح أن الفصائل الإسلامية في طرابلس ومصراتة تشعر بالقلق إزاء احتمالات التوصل إلى اتفاق مستقبلي قد يتركها خارجه أو يهملها في أحسن الأحوال". وأضاف أن "الهجوم على السراج وحكومة الوفاق هو بمثابة دعوة إلى تشكيل "حكومة حرب" أو "حكومة ثوار".وفق قوله.

ويعزو كثيرون مؤشرات انفراط عقد المليشيات وانهيار تحالفاتها الى عملية الاستنزاف التي مارسها الجيش الليبي طيلة الأشهر الماضية،حيث فقدت المليشيات العديد من قياداتها وفقدت عجرفتها التي ظهرت بها بدية اندلاع المعارك،وباتت الضربات المتتالية التي تتلقاها بمثابة التمهيد لانهيارها بشكل تام. 

وتصاعدت تأكيدات القيادات العسكرية على اقتراب ساعة الحسم،حيث أعلن المتحدث الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الليبي،أحمد المسماري أن الساعات القادمة ستكون حاسمة وستحمل انتصارات في إطار عملية تحرير طرابلس.وأوضح المسماري في بيان نشره على صفحته الرسمية بموقع "فيسبوك"، مساء الثلاثاء، أنّ قوات الجيش الوطني الليبي، تمّكنت وفي كل المحاور من تطوير عمليات هجومية تعبوية على كل خطوط النار مستفيدة من دروس المعارك السابقة، واستطاعت تحقيق نجاحات كبيرة وتقدم نحو مواقع تمركزات الميليشيات الإرهابية.

وأضاف المسماري في بيانه أنّ "القوات الجوية قدمت الدعم الناري القريب في جميع مراحل الهجوم كما دكت أهدافا إرهابية في العمق الاستراتيجي المعادي"، مشيراً إلى أنّ "مرحلة الحسم التعبوية والاستراتيجية أظهرت كفاءة وقدرة عالية لقواتنا على كل المستويات من القيادة الاستراتيجية والتكتيكية وعلى مستوى الانضباط التنفيذي للخطط العسكرية على الأرض، كما هي على الخريطة".

وفي غضون ذلك،تصاعد الحديث حول الاستعداد لتشكيل حكومة وحدة وطنية،وذلك في أعقاب اجتماعات جمعت نحو 70 نائبا من مجلس النواب الليبي في العاصمة المصرية القاهرة.حيث أكد المجتمعون على جملة من النقاط أبرزها وحدة ليبيا وسيادتها على كامل أراضيها،ومدنية الدولة الليبية والمحافظة على المسار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة،والدعوة لمناقشة تشكيل حكومة وحدة وطنية ووضع خارطة للحل وفق جدول زمني وآليات تنفيذ واضحة.

وبالرغم من اجماع الكثير من المتابعين للشأن الليبي على ضرورة انهاء الصراع المسلح بين الليبيين وحقن الدماء والذهاب الى طاولة الحوار أملا في الوصول الى تسوية تنهى الأزمة الشائكة،فانهم يشيرون من جهة أخرى الى أن أي استحقاق قادم في ليبيا لا يمكن تحقيقه في ظل وجود المليشيات المسلحة وسيطرتها على مؤسسات الدولة،ويؤكد هؤلاء أن دخول الجيش الى طرابلس واستعادة سلطة الدولة من شأنه وضع ليبيا في الطريق الصحيح نحو بداية البناء.