لا شك ان التطورات الاخيرة التي شهدها الملف الليبي تعتبر انفراجة هي الأبرز منذ سنوات في المشهد الذي غلبت عليه الصراعات والحروب والانقسامات، حيث مثل انتخاب حكومة موحدة جديدة بوابة امل لليبيين لطي صفحة سنوات من المعاناة، لكن هذه الآمال لا زالت تواجه تحديات كبيرة لعل أبرزها المخططات التركية التي تنذر باجهاض التوافقات وعرقلة السلام في البلاد.

وانتخب عبدالحميد دبيبة،الجمعة، رئيسا للحكومة الليبية الجديدة، إثر فوز القائمة التي تضم محمد المنفي لرئاسة المجلس الرئاسي،وعبد الله اللافي وموسى الكوني عضوي مجلس رئاسي.وأعلنت ستيفاني ويليامز، نائب رئيس البعثة الأممية في ليبيا نتائج التصويت، الذي شارك فيه 73 عضوًا من أعضاء الملتقى.

ولقي انتخاب الحكومة الجديدة ترحيبا في الأوساط الليبية حيث أعرب المجلس الرئاسي الحالي عن ترحيبه بالسلطة الجديدة، راجيًا أن تتوفر الظروف الملائمة لعملها ونجاحها في إجراء الانتخابات بموعدها المقرر.فيما رحب المجلس الأعلى للدولة، بالسلطة الجديدة، داعيًا إياها إلى "تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقها والتعلم من أخطاء سابقتها.

من جانبه هنأ الجيش الليبي الشخصيات الفائزة لشغل مناصب الحكومة الجديدة،وقال اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الليبي، إن المجلس الرئاسي الجديد هو القائد الأعلى للجيش الليبي حسب الاتفاق السياسي.وقبل ذلك أكدت المبعوثة الأممية إلى ليبيا بالإنابة، ستيفاني ويليامز، إن المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي كان مُمثلا بملتقى الحوار السياسي وداعما له.

كما لقي انتخاب الحكومة الجديدة ترحيبا دوليا كبيرا حيث تتالت بيانات التهنئة من عدة دول عربية وغربية وسط دعوات لدعم الحكومة الجديدة والعمل على نجاحها لتمهيد الطريق نحو الانتخابات القادمة والتي ينتظر منها أن تكون بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار للبلاد التي عانت طيلة سنوات ويلات الحروب والصراعات.

 لكن وفي كل هذه المؤشرات الايجابية تظهر معظلة التدخلات التركية التي مازالت تخيم على الشمهد الليبي وتنذر بتأزيمه.فبالرغم من ان التوافقات الليبية بنيت على اساس انهاء الوجود العسكري الاجنبي في ليبيا وبالرغم من الدعوات الدولية للخروج القوات والمرتزقة الاجانب من البلاد،فان انقرة تصر على مواصلة تعنتها زاعمة ان وجودها خدمة لليبيين.

وبينما ينتظر الليبيون ان تطبق التوافقات بينهم على ارض الواقع في ظل الحكومة الجديدة،يخرج ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان،ليؤكد وقوف بلاده عكس مطالب الأطراف الليبية والدولية بانهاء الوجود الاجنبي،ليؤكد  إن الحكومة الانتقالية الليبية تدعم دور أنقرة في ليبيا ولا تعارض الوجود العسكري التركي في البلاد.

وقال أقطاي، إن "الاتفاقيات التي وقعتها تركيا مع حكومة الوفاق الليبية السابقة، برئاسة فايز السراج، والوجود العسكري التركي في ليبيا لن يتأثرا باختيار الحكومة المؤقتة الجديدة".وأضاف أن الحكومة المؤقتة الجديدة لا تعارض تلك الاتفاقيات ولا الوجود التركي في ليبيا، بل "على العكس تدعم الدور التركي هناك".وأشار إلى أن الاتفاقيات التي أبرمتها تركيا مع حكومة الوفاق الليبية هي اتفاقيات دولية، ولن تتأثر بمواقف الحكومات الأخرى.

وجاءت تصريحات أقطاي، عقب كلمة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، انتقد فيها دعوة نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون لأنقرة لسحب قواتها من ليبيا، قائلا، إن القوات التركية "موجودة تلبية لدعوة من حكومتها الشرعية"،مضيفا أن بلاده عندما ترسل قواتها إلى مكان ما، فهي تفعل ذلك من أجل السلام.على حد زعمه.

تصريحات المسؤولين الاتراك رافقتها تحركات عملية تؤكد اصرار انقرة على البقاء في ليبيا لخدمة اجنداتها وتحقيق اطماعها،حيث أعلنت وزارة الدفاع التركية أنها قدمت تدريبات لعناصر من القوات التابعة لحكومة الوفاق غير المعتمدة في تخصص الضفادع البشرية في ليبيا، مؤكدة أن التدريبات المشتركة مستمرة في إطار اتفاقية التدريب والتعاون والاستشارات العسكرية الموقعة بين الطرفين.

وبالتزامن مع ذلك،اكد المتحدث باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري،استمرار تركيا في إرسال المرتزقة الأجانب إلى ليبيا.وشدد المسماري في تصريحات صحفية، مساء السبت، أن الملف التركي يفرض تحدياً كبيراً على الأطراف المعنية، في البلاد،مؤكدا ان الشعب يريد حكومة تمثل كافة الأطياف الليبية.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أعلنت تركيا توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية في البحر الأبيض المتوسط مع حكومة السراج، بالإضافة إلى اتفاق حول التعاون الأمني والعسكري الموسع. وقضت الدائرة الإدارية بمحكمة الاستئناف في مدينة البيضاء الليبية، أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، بإلغاء  اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، بالإضافة إلى اتفاقية للتعاون الأمني والعسكري.

وفي وقت سابق، أكدت اللجنة العسكرية 5+5 في البيان الختامي، على ضرورة تنفيذ بنود وأحكام ووقف إطلاق النار الموقع في 23 أكتوبر الماضي وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية فوراً. وكررت اللجنة مطالبها لمجلس الأمن والدول المتابعة لمخرجات مؤتمر برلين بإلزام   الدول التابعة لها  بإخراج المقاتلين الأجانب وسحبهم فوراً من الأراضي الليبية، كما حددت اللجنة  تاريخ 10 فبراير لنزع الألغام ومخلفات الحرب بدءًا من 10 فبراير الجاري تمييزاً لفتح الطريق الساحلي.

ودعت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة في ليبيا ستيفاني ويليامز، الى خروج المرتزقة الأجانب من البلاد التي مزقتها الحرب، مؤكدة أن "الليبيين يريدون استعادة صنع القرار". وقالت ويليامز في حديث لها لقناة (سي أن أن) الأمريكية إن "ما يقارب من 20 ألف مقاتل أجنبي يحتلون 10 قواعد داخل ليبيا.

وكان أعضاء مجلس الأمن الدولي جددوا نهاية يناير الماضي تأكيدهم على ضرورة إنهاء وجود المرتزقة في ليبيا وخروج كافة القوات الأجنبية من الأراضي الليبية، وفقا لما نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار بين الفرقاء من أجل المضي قدما في مسار التسوية الأممي الذي حقق تقدما كبيرا إلى غاية الآن.

ولا تزال تركيا تخالف الاتفاقات والقرارات الدولية سعيا وراء اطماعها في نهب الثروات الليبية لترميم اقتصادها المتهالك جراء سياسات اردوغان العدائية التي جعلت بلاده في مرمى العقوبات الدولية والازمات الداخلية والاقليمية.ويشير مراقبون الى أن الأطراف الليبية التي نجحت في تجاوز خلافاتها وانتخاب حكومة جديدة،عليها أن تتوحد ضد الوجود التركي في الاراضي الليبية والعمل على انهائه لاعادة الاستقرار في البلاد والالتفات لعملية البناء.