تعاني ليبيا من الاضطرابات السياسية منذ الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي في أكتوبرمن عام 2011، وفي ثاني أكبر مدن البلاد تسببت الجماعتان المسلحتان المتصارعتان في انقسام الرأي العام حول مسؤولية أي منهما عن أعمال العنف الأخيرة، تزايدت الحشود حول نعش رمزي وتصاعدت هتافاتهم في ميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس.

وذكر موقع "بي بي سي " باللغة العربية في تقرير مطول له نشره مساء السبت "كان هذا الاحتجاج ضد جماعة أنصار الشريعة، وهي الجماعة المسلحة التي كتب اسمها فوق النعش الخشبي الرمزي، وحمل المحتجون النعش فوق متاريس الميدان الحمراء قبل أن يلقوا به على الأرض. وبعد أن تهشم النعش على الأرض، تعالت صيحات أخرى، لكن هذه المرة تأييدا للواء خليفة حفتر الذي يقود حملة عسكرية ضد جماعة أنصار الشريعة وغيرها من الميلشيات الإسلامية".

وصاح المحتجون: "هيا يا حفتر، عرف أنصار الشريعة ماذا يمكنك أن تفعل"، وكان من بين المحتجين شاب ناشط من بنغازي، وهي المدينة المضطربة التي تقع شرقي ليبيا، حيث أعلن حفتر عن حملته العسكرية وبدأها بهجوم جوي وبري قبل أسابيع.

ويؤيد الناشط حملة حفتر بالرغم من أنه لديه أصدقاء أعضاء في جماعة أنصار الشريعة، ويقول: "هذا هو الحل الوحيد، لقد عانت بنغازي كثيرا".

ويسمع هذا الكلام بشكل متكرر في أنحاء ليبيا، حيث تكتسب حملة حفتر، التي سماها عملية الكرامة، تأييدا من جماعات متباينة تبدأ من الجيش الساخط على الأوضاع والشرطة وضباط القوات الجوية، إلى السياسيين وأفراد الميلشيات القبلية، لقد توحد الجميع ضد ما اعتبروه خصما مشتركا، تجسد في الميلشيات الإسلامية القوية والأجنحة السياسية التي يرونها داعمة لهم. ويتهم حفتر هؤلاء باختطاف المؤسسات الديمقراطية الهشة في البلاد.

وأثارت حملة حفتر أعمال عنف خطيرة، لكنها أثارت كذلك أكبر المظاهرات التي شهدتها ليبيا منذ سقوط القذافي عام 2011. وقتل أكثر من 90 شخصا في بنغازي وحدها، وقال لي طبيب عبر الهاتف من بنغازي: "هذا أسوأ شي شهدناه منذ الثورة"، وكان صوته متأثرا لأنه كان يعد الجثث في المشرحة، ورغم ذلك، تظاهر الآلاف في الشوارع في طرابلس وبنغازي وفي مدن أخرى، تأييدا لحملة حفتر ضد الميلشيات الإسلامية. ويصر بعض المتظاهرين على أنهم يؤيدون الحملة العسكرية وليس شخص اللواء حفتر، ويتضمن تاريخ حفتر المتقلب علاقات مزعومة مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، الأمر الذي يثير قلق العديد من الليبيين.

بطل أم انتهازي؟
ويصمم آخرون على أن اللواء المتقاعد بطل، ولقي شعار عملية الكرامة صدى واسعا، حيث سئمت الجماهير من انعدام القانون وسيطرة الجماعات على الشارع، وخلال العام الآخير، اختطف مسلحون من مليشيات متنوعة الأيدلوجيات رئيس الوزراء لفترة قصيرة، وهاجموا مقر المؤتمر الوطني المنتخب عدة مرات.

كما اختطفوا دبلوماسيين أجانب، وحاصروا موانئ النفط شرقي البلاد، مما تسبب بضعف المصدر الرئيسي لدخل البلاد، وبعد نحو ثلاث سنوات من اشتعال الانتفاضة ضد القذافي هنا، أصبحت بنغازي تتجاذبها عدة اتجاهات، فقد أدى الأمن المتدهور إلى وقوع سلسلة اغتيالات يتهم حفتر الميلشيات الإسلامية بالمسؤولية عنها، ويمكن مشاهدة العلم الأسود المرتبط بجماعة أنصار الشريعة ومجموعات أخرى متطرفة، يرفرف في الشوارع أو مرسوما على الجدران في بعض أفقر ضواحي بنغازي، كذلك أصبح ظهور طائرات التجسس الأمريكية بدون طيار وسماع صوتها شيئا مألوفا لدى سكان المدينة المستنفرة.

اللواء خليفة حفتر
- ساعد العقيد معمر القذافي في الإطاحة بالملك إدريس عام 1969
- كان رئيس أركات القوات الليبية حتى عام 1987، عندما تنصل منه القذافي بعد إلقاء القبض عليه وأسره إبان الحرب مع تشاد.

- انتقل إلى ولاية فيرجينيا بالولايات المتحدة بعد إطلاق سراحه في أوائل عام 1990.
- يتردد أن علاقات قوية تربطه بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
- كرس حفتر العقدين التاليين للإطاحة بنظام معمر القذافي.
- عاد إلى ليبيا خلال الانتفاضة عام 2011 ضد نظام القذافي، وأصبح واحدا من قادة التمرد الرئيسيين في شرق البلاد.

- في فبراير من العام الجاري، دعا حفتر الليبيين إلى الانتفاض ضد البرلمان المنتخب.

وقال أحد المسلحين القبليين، خلال زيارة حديثة لي إلى مدينة بنغازي: "ليبيا تحتاج إلى سيسي"، في إشارة إلى قائد الجيش المصري السابق الذي أطاح بالرئيس الإسلامي المنتخب، محمد مرسي، وقام بحملة قمع واسعة ضد جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي.

وكثيرا ما تحمل خطابات حفتر إشارات إلى السيسي، فهو يمقت مثله جماعة الإخوان المسلمين، التي يحتل حزبها السياسي ثاني أكبر قوة من حيث عدد المقاعد في البرلمان الليبي. لكنه لا يعد نموذجا ليبيا كاملا للرجل الذي انتخب مؤخرا رئيسا جديدا لمصر. ويهمين اسم الجنرال حفتر على أحاديث المنازل والمقاهي في جميع أنحاء ليبيا، لكن هناك العديد أيضا ممن يناصبونه العداء.

ويقول حلفاء سابقون له إن حفتر انتهازي، في حين يتهمه آخرون، بمن فيهم الإسلاميون، بمحاولة الانقلاب على المؤسسات المنتخبة. وتنفذ القوات الموالية لحفتر ضربات جوية عديدة ضد مواقع في بنغازي تقول عنها إنها تُستخدم من قبل الميليشيات المسلحة، على رأسها أنصار الشريعة، التي صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية في وقت سابق من هذا العام.

ويثير بعض السكان المحليين تساؤلات بشأن خطط حفتر في التعامل مع الميليشيات المسلحة التي تمتد جذور أعضائها عميقا في المدينة. وحولت أنصار الشريعة نفسها، من خلال عملها الخيري والدعوي، من جماعة مسلحة صغيرة إلى حركة اجتماعية أوسع تتمتع بقاعدة تأييد واسعة تمتد لآلاف المناصرين.

وقال أحد أعضاء الحركة الشباب، وهو طالب جامعي وبلحية خفيفة: "أنصار الشريعة هي الشعب ومن أجل الشعب." وتنقسم السلطات الليبية منذ فترة طويلة بشأن ما إذا كان من الأفضل التعامل مع تلك الجماعات من خلال الحوار أم القوة. ورجّح الجنرال حفتر ميزان هذا الجدل الدائر حاليا.

ونددت أنصار الشريعة بحملة الجنرال حفتر، ووصفتها بأنها "حرب على الإسلام" ومدعومة من قبل الغرب، وتحذر الحركة الولايات المتحدة الأمريكية من مغبة التدخل في الشؤون الليبية، وهددتها بمواجهة صراعات أسوأ من الصراعات الدائرة في الصومال أو العراق أو أفغانستان بتدفق المقاتلين الأجانب إلى ليبيا، وكان الجنرال حفتر قد نجا من محاولة اغتيال هذا الأسبوع، لكن احتدام حالة الحرب بين الجانبين تمهد الطريق لمعركة طويلة ودامية.