يواجه الحوار الذي أطلقته الأمم المتحدة في جنيف بين أطراف الأزمة الليبية، صعوبات عدة، فعلى الرغم من أن بعثة الأمم المتحدة في ليبيا أعلنت التزام المشاركين في الحوار الوصول إلى أرضية مشتركة لإنهاء الصراع الدائر، إلا أن غياب المؤتمر الوطني العام عن جولة الحوار الأولى، ورغبة البعض باستمرار المعارك العسكرية، مؤشرات على أن الحوار قد لا يصل إلى النتائج المرجوّة منه، فيما تم الاتفاق على استكمال الحوار الأسبوع المقبل مع الأمل بمشاركة كافة المدعوين.

وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أعلنت بعد ثلاثة أيام من انطلاق الحوار في مقر الأمم المتحدة في جنيف، التزام الأطراف الحاضرة القاطع بليبيا موحّدة وديمقراطية تحكمها سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.

وعكست أجواء المباحثات، بحسب بيان البعثة على موقعها، التزام المشاركين في الحوار للوصول إلى أرضية مشتركة لإنهاء الصراع الدائر، واصفةً أجواء الحوار بـ"الإيجابية".

واتفق المشاركون على جدول أعمال يتضمن الوصول إلى اتفاق سياسي ينتهي بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإنهاء العمليات العسكرية لتوفير بيئة مواتية للحوار، وتأمين الانسحاب للمجموعات المسلّحة من كافة المدن الليبية، حتى تبسط الدولة سيطرتها على كافة المرافق الحيوية.

وناقشت أطراف الحوار ما سماه بيان البعثة بـ"تدابير بناء الثقة"، من خلال احترام الإجراءات القضائية المتعلقة بأوضاع المحتجزين خارج سلطة القانون، والعمل على إطلاق سراحهم، والعمل على إطلاق سراح المخطوفين، وتقديم معلومات عن المفقودين لذويهم.

وأكدت تدابير الثقة معالجة أوضاع المهجرين والنازحين، خصوصاً المتضررين من النزاع الأخير، والتعاون مع المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة، بما في ذلك الخدمات الطبية والتعليمية والحياتية العامة.

وأشار بيان البعثة الأممية، إلى وقف الحملات الإعلامية التحريضية، وتوظيف الخطاب السياسي والإعلامي والديني لبث روح التسامح والوحدة الوطنية.

ودعا إلى فتح المطارات وتأمين كافة أنواع الملاحة والنقل، وفتح المجال الجوي، وعدم التعرض للمنشآت الحيوية، إضافة إلى تأمين حرية تنقل المواطنين، وتأمين مرتبات المواطنين من دون أي نوع من التمييز، مؤكداً على المؤسسات الحكومية تأمين استيراد المواد الغذائية والتموينية الضرورية.

وأعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن الاسترشاد بمجموعة من المبادئ في إدارة الحوار، كالالتزام بأسس ثورة 17 فبراير، واحترام شرعية مؤسسات الدولة، وفصل السلطات، والانتقال السلمي للسلطة، ونبذ العنف والإرهاب.

وأشارت إلى مسارات أخرى ستطرح في الأسابيع المقبلة إضافة إلى المسار السياسي، ستشمل ممثلي المجالس البلدية، والقادة العسكريين، وزعماء القبائل.

وذكرت أن المشاركين في الحوار اتفقوا على العودة إلى جنيف الأسبوع المقبل بعد إجراء المشاورات اللازمة، معبرة عن أملها في أن يشارك كافة الممثلين المدعوين، بما في ذلك من لم يحضر هذه الجولة.

وجاءت تدابير الثقة في ظل غياب لجنة حوار المؤتمر الوطني العام عن جولة جنيف الأولى، إذ يرى المؤتمر أن حضوره لن يغيّر كثيراً في مجريات الحوار، معتبراً أن أغلب الأطراف الليبية في جنيف ضد توجّهاته السياسية، كما أن المؤتمر سيخسر قواعده الثورية المؤيدة له في حال حضوره لحوار جنيف.

وكانت لجنة الحوار برئاسة النائب الثاني لرئيس المؤتمر الوطني، أبدت اعتراضاً على حضور العضوين المستقلين، الشريف الوافي، وتوفيق الشهيبي، مشيرة إلى أن المبعوث الأممي إلى ليبيا برناردينو ليون لم يأخذ بوجهة نظرهما بعين الاعتبار، إذ إن الشهيبي عضو المؤتمر الوطني المستقيل حضر كأحد أطراف الحوار، والوافي أناطت به البعثة مهمة الدور الاستشاري التسييري. ورأت لجنة الحوار أن سلبيات عدم حضورها للمباحثات الجارية في جنيف أقل ضرراً من مشاركتها.

وعلى الرغم من الدعوات المتكررة من بعثة الأمم المتحدة، للجنة حوار المؤتمر للالتحاق بجنيف، إلا أن شكوكاً بدأت تحوم حول مشاركتها، خصوصاً بعد الاعتراضات التي أبداها رئيس المؤتمر الوطني نوري بو سهمين مساء الخميس حول حوار جنيف، إذ توقّع في كلمة مصورة له فشل هذا الحوار، وعدم تحقيق نتائج قابلة للتطبيق على أرض الواقع. كما وجّه اتهاماً للبعثة الأممية في ليبيا بعدم التقيّد بآلية الحوار المتفق عليها، وذلك بعودة فريق الحوار قبل الرد النهائي، مشيراً إلى أن البعثة تسرّعت في الاتصال بالأطراف، وطرح الأسماء ومكان انعقاد الجلسة.

ويبدو أن وقف إطلاق النار، وهو أهم التدابير التي تسعى لجنة الحوار للتوصل إليها، ما يزال صعب التطبيق، وهو ما ظهر في كلام الشهيبي، أحد المشاركين في حوار جنيف، الذي قال على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إن "لا حوار مع المتطرفين والإرهابيين، ولا يمكن إيقاف الحرب عليهم".

هذا الكلام يعكس رغبة قوات "عملية الكرامة" بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر ومجلس النواب المنحل في طبرق، في استمرار المعارك العسكرية، خصوصاً أن إيقافها بالنسبة لهما تعني تراجع دورهما التفاوضي في ظل عدم تحقيق نتائج على أرض الواقع في بنغازي وطرابلس، بحسب وجهة نظر مراقبين.

كما أكد الشهيبي "أن شرعية مجلس النواب أمر لا جدال فيه"، وهو ما يشير إلى عدم إمكانية حل الإشكالات المتعلقة بتنازع الشرعيات بين المؤتمر الوطني العام، ومجلس النواب الليبي المنحل.

ولهذا لا يمكن اعتبار إعلان تدابير بناء الثقة من قِبل بعثة الأمم المتحدة مؤشراً إيجابياً، وخصوصاً أن المؤتمر الوطني لم يشارك حتى الآن باعتباره ممثلاً لقوى ثورية وعسكرية ومؤسسات مجتمع مدني لا تعتبر الحوار الحالي مخرجاً حقيقياً للأزمة، أكثر منه محاولة ترتيب التزامات على عاتقه.