أقرّ البرلمان التونسي المعلقة اختصاصاته في جلسة عامة افتراضية، الأربعاء، قانونًا يلغي الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها رئيس البلاد، قيس سعيد العام الماضي، فيما أعلن الرئيس التونسيّ حلّ البرلمان، بعد ثمانية أشهر من تعليق أعماله، ردًّا على الخطوة التي اتخذها البرلمان.
وجاء إعلان سعيد خلال ترؤسه اجتماعا لـ"مجلس الأمن القومي" الاربعاء الماضي بعد ساعات من تحدي نواب قرار تعليق أعمال المجلس وعقدهم الجلسة عبر تقنية الفيديو.
وقال سعيّد إنه يعلن اليوم عن "حل البرلمان حفاظا عن الدولة ومؤسساتها"، وفق التلفزيون الرّسمي. وتابع: "اجتمع هذا المجلس (البرلمان) ولا يعرف أحد كيف تمت دعوته للانعقاد لأنه مجمد". ومستنكرا، تساءل: "ألهذا الحد يتلاعبون بمؤسسات الدولة ويستهينون بالشعب بعد أن جوعوه ونكّلوا به".
وأضاف سعيّد: "أقول للشعب التونسي لتأمنوا جميعا بأن هناك مؤسسات للدولة قائمة وهناك شعب سيحميها من هؤلاء الذّين لهم فكرة الجماعة لا فكرة الدوْلة". وشدد سعيّد على أنه "سيتم اتخاذ كل التدابير التي تقتضيها المسؤولية التاريخية للحفاظ على الوطن وسنحترم القوانين والحريات". واعتبر أن "ما حصل (في إشارة لقرار البرلمان) هو محاولة فاشلة للانقلاب وتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي وستتم ملاحقة هؤلاء جزائيا".
وأشار سعيد إلى أن وزيرة العدل، ليلى جفال "بصفتها رئيسة النيابة العمومية بادرت بفتح تحقيق أمام النيابة العمومية". وأضاف: "أتوجه إلى الشّعب أن يكون في هذه اللحظات الدقيقة التي تعيشها تونس ثابتا متماسكا وأن لا يترك أيا من هؤلاء يتسللون إلى صفوفهم وسيعبر عن إرادته ولكن في اطار السلم واحترام قوانين الدولة". وحذّر سعيد "من أن أي لجوء للعنف سيواجه بالقانون"، معتبرا أن "الدولة لن تكون أبدا لعبة بين أيدي هؤلاء الذين حاولوا الانقلاب".
وأثار قرار الرئيس التونسي قيس سعيد حل البرلمان، انقساما على المستويين الداخلي و الخارجي.
من جانبها، عبّرت رئيسة الحزب الدستوري الحر في تونس عبير موسي، عن سعادتها بالقرار، ودعت التونسيين إلى الفرح والاحتفال بالخروج المذّل للإخوان، مشيرة إلى أن هذا التنظيم تسبب في إفلاس البلاد، داعية إلى ضرورة محاسبته.
كما طالبت بضرورة الإعلان عن تنظيم انتخابات برلمانية مبكرة في غضون 90 يوما من تاريخ حل البرلمان، مثلما ينص على ذلك الدستور، والبدء في تنقية المناخ الانتخابي، عبر وقف التمويلات الأجنبية لحركة النهضة وغلق الجمعيات الداعمة له.
في حين رأى أمين عام "حركة الشعب" زهير المغزاوي أن حل البرلمان جاء متأخرا، مضيفا أنه قرار سليم في اتجاه الذهاب إلى انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة.
واعتبر أن ما قام به راشد الغنوشي وبقية النواب الذين شاركوا في الجلسة العامة لإلغاء العمل بالتدابير الاستثنائية هي "محاولة لتقسيم الدولة بعد أن أنهكها طيلة سنوات، وهي محاولة تقتضي قرار حل البرلمان"، داعيا سعيد إلى الخروج للشعب وتقديم خارطة طريق مدققة يوضح من خلالها تاريخ إجراء الانتخابات البرلمانية.
بدوره، عبّر حزب "التحالف من أجل تونس" في بيان، عن دعمه لقرار حل البرلمان، مطالبا رئيس الجمهورية بالإبقاء على رزنامة التصحيح المعلن عنها لإنهاء الحالة الاستثنائية، والتي تنص على إجراء انتخابات برلمانية في 17 ديسمبر بعد تنظيم استفتاء على النظام السياسي وتعديل القانون الانتخابي.
في المقابل، اختلف موقف حزب "التيار الديمقراطي" المعارض للرئيس قيس سعيّد، وأعلن رفضه لقرار حل البرلمان، وقال إن هذه الخطوة تعدّ "خرقا آخر للدستور" وتمثّل ''تأكيدا لنزعته نحو الاستبداد"، وأبدى دعمه لقرار البرلمان المجمّد إنهاء العمل بالإجراءات الاستثنائية.
وجدّد دعمه لحوار وطني "هادئ وعقلاني" حول خارطة طريق تحترم الشرعية الدستورية وتفضي إلى انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة وفق قانون انتخابي يضمن أخلقية المشهد السياسي وعقلنته.
وقال الحزب الجمهوري في بيان الخميس، إن قرار حل البرلمان "أتى ضمن سلسلة القرارات اللادستورية التي اتخذها (سعيد) منذ إعلانه التدابير الاستثنائية".
وأعرب الحزب عن رفضه للقرار خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي، داعيا إلى "عدم إقحام المؤسستين الأمنية والعسكرية في الصراع السياسي".
فيما اعتبر الرئيس التونسي الأسبق محمد المنصف المرزوقي ، في بيان الخميس، أنه "لا شيء سيتغير بحل البرلمان باستثناء سقوط آخر ورقة توت عن الانقلاب". ودعا المرزوقي البرلمان إلى مواصلة أعماله و"السعي لجمع النصاب لعزل" الرئيس سعيد، فيما شدد على ضرورة "عودة السيادة للشعب عبر انتخابات رئاسية وتشريعية سريعة".
فيما حذر حزب العمال التونسي، في بيان مساء الأربعاء، من أن حل سعيد للبرلمان "خطوة ستغرق البلاد في طور جديد من النزاع على السلطة".
واعتبر أن "سعيد أغرق البلاد في المجهول وعمّق تبعيتها ودفع بها بخطى أسرع نحو الإفلاس، كما دفع بالشعب نحو مزيد البؤس منذ إعلانه الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو (تموز) الماضي".
وفي الوقت نفسه، انتقد الحزب عقد البرلمان جلسة عامة افتراضية الأربعاء، معتبرا ذلك بمثابة "دخول في طور جديد من النزاع مع قيس سعيد".
بينما اعتبر الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري، أن "قرار حل البرلمان جاء متأخرا، لكنه كان ضروريا". وأضاف الطاهري، في تصريح إذاعي الخميس، أن "البرلمان كان مجمدا وهو في عداد الأموات وإكرام الميت دفنه"، وفق تعبيره.
دوليا، أعربت الأمم المتحدة، الخميس، عن قلقها إزاء قرار الرئيس التونسي قيس سعيد حل البرلمان، مطالبة جميع الأطراف بالإحجام عن أي أفعال تؤدي لمزيد من التوتر السياسي.
جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بالمقر الدائم للمنظمة الدولية في نيويورك.
ودعت فرنسا الثلاثاء القوى السياسية في تونس إلى الانخراط في حوار شامل والحفاظ على المكاسب الديمقراطية، في حين أكد الرئيس التونسي قيس سعيّد رفضه التدخل في الشؤون الداخلية لبلاده "بأي شكل من الأشكال".
وقالت المتحدثة باسم وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية آن كلير لوجندر إن "فرنسا تعرب عن قلقها إزاء التطورات الأخيرة في تونس، وعن أملها أن تعود مؤسسات الدولة إلى سالف نشاطها في أقرب الآجال حتى تكون قادرة على إيجاد حلول للوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي تمر به البلاد".
وخلال مؤتمر صحفي لها في باريس، نقلت فحواه السفارة الفرنسية لدى تونس عبر موقعها الإلكتروني، أعربت الوزيرة الفرنسية عن احترام باريس الكامل للسيادة التونسية.
من ناحيتها،
عبّرت وزارة الخارجية الأمريكية عن قلق واشنطن البالغ إزاء قرار الرئيس التونسي قيس سعيد، حل البرلمان التونسي الذي سبق أن علق عمله العام الماضي، بعد أن تحداه النواب بالتصويت على إلغاء المراسيم التي استخدمها لمنحه صلاحيات شبه مطلقة.
المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس، قال للصحفيين الخميس 31 مارس 2022، إن الولايات المتحدة أبلغت المسؤولين التونسيين مراراً، أن أي عملية إصلاح سياسي يجب أن تكون شفافة وتشمل الجميع.
إلى ذلك، يرى مراقبون أن قرارات الرئيس قيس سعيّد الاستثنائية منذ 25 يوليو الماضي، والتي كان آخرها قرار حل البرلمان المجمد، تدفع باتجاه بعض السيناريوهات، ومن هذه السيناريوهات استمرار الوضع كما هو عليه واستمرار الرئيس قيس سعيّد في اتخاذ العديد من التدابير الاستثنائية التي يضمن بها إعادة هيكلة جذرية للنظام السياسي التونسي.