لم يكن من السهل الإلمام بموضوع "الشعوذة في المجتمع الجزائري" الذي تطلّب منّا تقمّص دور زبائن يبحثون عن قراءة الطالع عند مشعوذات يدّعين أن "السّادة" هم من أعطوهم الحكمة، يقرؤون الطالع و"يشوفو" في الحديد، القمح، الكارطة، السّبحة، الصيّار، وحتى في كتاب الله، ولا يكفي سوى ذكرك لاسمك واسم والدتك ليأتيك ما يقولون عنه علم الغيب، الذي لا يعلمه إلاّ الله، على لسان من استغلّوا سذاجة الناس وجهلهم لتحقيق أرباح لا تعدّ ولا تحصى.
خالتي مليكة، مشعوذة فتحت "وكرها" الكائن بالعاصمة لاستقبال النّساء وحتّى الرّجال، لممارسة طقوسها الخاصّة في سلب ما تبقّى من إيمانهم، بعد أن قيل لهم بأنّها "قادرة على عمل كلّ شيء"، افتعلت وأنا أمّ لثلاثة أطفال قصّة معاناتي من العقم رغم مرور عشر سنوات على زواجي، بينما اختلقت مرافقتي العزباء حكاية "خطف" إحداهنّ لزوجها، لتبدأ خطوات المشعوذة في الكذب، النميمة، التّحايل والبحث عن الدّنانير.

وجهتنا الأولى في التقرّب من عالم السّحر كانت منطقة بالعاصمة نتحفّظ عن ذكر اسمها حتّى لا نروّج للمشعوذة وسط ضعاف الإيمان، هي مشعوذة يقصدها النّساء وحتّى الرّجال من كلّ حدب وصوب، سألنا عديد المارّة عن بيتها ولكنّهم امتنعوا بحجّة أو بأخرى عن إرشادنا إليه، كما أنّ بعضهم كان ينظر إلينا باستخفاف وازدراء كبيرين بمجرّد أن ننطق كلمة "خالتي مليكة"، إلى أن وجّهتنا إحدى النّسوة مباشرة إليه، قائلة "بيت خالتي مليكة، العجوز اللي تداوي هناك، ذاك البيت العروبي القديم".
دخلنا البيت القديم وقد وجدنا بابه مفتوحا، وفي بهوه وجّهتنا سيّدة تبدو في عقدها الرّابع، للجلوس بزاوية منه خصّصت لاستقبال زبائن العجوز المشعوذة، أو "اللّي تداوي" كما كانت تردّد النّسوة ممّن وجدناهنّ ينتظرن قبلنا دورهنّ لولوج "وكر"خالتي "المشعوذة"، وفيما أخذت بمعيّة مرافقتي مكانا بينهنّ، شرعنا في الاستماع لأحاديثهنّ، حيث كانت لكلّ واحدة منهنّ قصّة دفعها اليأس وقلّة الإيمان بقضاء الله وقدره إلى البحث عن حلول لها بطرق باب مشعوذة، قيل لهنّ، حسب رواياتهنّ، أنّها "قادرة على عمل كلّ شيء".
حكايات النّسوة ضاعفت من فضولنا في ولوج غرفتها، لنقل طريقتها في »الاستثمار« في مآسي الآخرين،  وبعد انتظار دام ساعة كاملة، جاء دورنا، دخلت غرفتها بمعيّة مرافقتي بعد إصرار منّا على الجلوس إليها معا، لأنّ السيّدة التي كانت تتكفّل باستقبال النّسوة أخبرتنا بأنّ خالتي مليكة تستقبل كلّ زبونة على حدا، بحجّة الحفاظ على أسرار زبائنها، فيما أخبرتنا السيّدة التي كانت تجلس بالقرب منّا بأنّ مردّ ذلك خوفها من دفع ثمن الزيارة مناصفة مع مرافقتي.
غرفة المشعوذة كانت شبه مظلمة وغير مرتّبة، وكانت تجلس على سرير على الأرض، وأمامها طاولة صغيرة، فوقها قطعة من جريدة بها حوالي نصف رطل من حبّات القمح وفوقها "الصيّار" وهو نوع من الأواني يستخدم عادة غربلة الدّقيق وبعض البقول، فيما كانت تضع على يمينها "النافخ" و"كاسرولة" سوداء صغيرة، جلسنا قبالتها فطلبت منّا أن نروي لها مصابنا قائلة "واش جابك يالزّهرية" وهي كلمة شعبية تقال على المرأة التي تملك "الحظ والزهر" بدأت أوّلا في رواية قصّتي التي فبركت فصولها بإحكام.
بعد أن أخبرت المشعوذة باسمي الحقيقي واسم والدتي، حتى أنقل للقرّاء الكرام كذب هؤلاء الدجّالين والسّحرة، ادّعيت، وأنا أمّ لثلاثة أطفال، بأنّني سيّدة متزوّجة لم أرزق بالأطفال رغم مرور عشر سنوات على زواجي، وبأنّ زوجي بدأ ينزعج من هذا الأمر خاصّة وأننا قصدنا عديد الأطبّاء وصرفنا أموالا باهضة دون جدوى..
 أخذت خالتي مليكة تنظر مباشرة في حبّات القمح بعد أن غطّتها بـ"الصيّار"، لتأتيني بما صعقت حقيقة لزيفه وهي تقول بصريح العبارة" هذا اعمال دارتهولك قريبة جدّا منك" لتصمت قليلا ثمّ سألتني " هل حنّيتي قبل عرسك" فقلت لها زيفا "نعم أهل زوجي وضعوا لي الحنّاء ليلة عرسي"، علما أنّني لم أضع الحنّاء بتاتا قبل زواجي، لتتابع " ايه راهي وحدة قريبة منّك أخذت كميّة من الحنّة وسحراتك بيها"، وبعد أن أصرّيت عليها لتدلني على القريبة حتى أتفادى أعمالها، قالت لي "هي أختك، حتبقى تسّحرك حتّى تحّرمك طول عمرك من الذراري"...
تظاهرت بالخوف، فيما وبّختني مرافقتي أمام المشعوذة، حتّى يكتمل السيناريو الذي حكناه معا بإحكام، قائلة "لقد قلت لك احذري منها، شككت في أنّ عدم انجابك للأطفال من أعمال السّحر"، لتواصل المشعوذة تخاريفها قائلة » دوك نحّي لبنتي وتبرا ان شاء الله« لتضيف »سيادي راهم قالولك بلّي حتوّلدي ستّة أطفال، أربعة ذكور وبنتين«، جملة جعلتني، أنا المتزوّجة والأمّ لذكرين وبنت، أتظاهر أمام المشعوذة بالفرح.
"عود العرعار ما يخلّي عار"
"الفرحة جايّة لدارك، وبكاء صبي، هاهو"  تقول المشعوذة، وهي تري بأصبعها في كمشة من حبّات القمح مسكتها بيدها، أمّا عن طريقة إزالتها السّحر الذي ادّعت بأنّ أختي من وضعته لي حتى تحرمني من نعمة الإنجاب، فقد طلبت المشعوذة منّي أن احضر لها قطرات من ماء البحر وماء الشّتاء، عود العرعار وهي تقول "لأنّ عود العرعار ما يخلّي عار"، وكذا عشبة "الفاسوخ"، وهي مادة صمغية لها رائحة كريهة عند الاحتراق، فيما زعمت المشعوذة أنّ لها خاصية في فكّ السحر وإبطاله، وعرضت عليّ اقتناء مقادير الوصفة من عندها لأنّ النوعية التي تباع بالأسواق جدّ رديئة حسبها، قد تهدّد صحّة النتائج، على أن أقوم بالاغتسال بها "الوضوء الأكبر" يوم السّبت بعد أن تقرأ عليها "خزعبلاتها".
ولكي أنجب الأطفال فللعجوز طريقتها في إيهامي بتحقيق ذلك، حيث طلبت منّي إحضار أقمصة داخلية خاصة بي وبزوجي، شريطة أن يكونا "معرقين" أي يحويان عرقنا، حتى يفيد السّحر في مساعدتنا على إنجاب الأطفال، حسب المشعوذة، وهو ما كان لها، رغبة منّا في استكمال فصول السيناريو والوقوف على "تخاريف" خالتي مليكة، حيث قامت بكتابة بعض الكلمات غير المفهومة على القميصين باستخدام حبر أسود، لم نتمكّن من فهم معناها ولا حتّى فكّ حروفها، وطلبت منّا لبسها مباشرة قبل النّوم، على أن لا تغسل في اليوم الموالي.
خالتي مليكة كانت تتجشّأ في كلّ مرّة، قبل أن تأتينا بتخاريفها، وهي تتمتم بكلام غير مفهوم ولا مسموع، كما منحتنا حجابا يحتوي على مربعات بداخلها حروفا وأرقاما، طلبت منّا لفّه في قطعة نحاس أو جلد حتى لا »يفسخ العمال« على حدّ قولها، سألتها قبل أن أغادر وكرها عمّا أفعل إذا لم أرزق بالأطفال، فأخبرتني أنّني سأرزق بهم وإلاّ يجب العودة إليها بحجّة أنّ قريبتي التي سحرتني لن تتركني وستظلّ تسحرني حتى تفرّق بيني وبين زوجي بسبب عدم إنجابي الأطفال.
 منحت للمشعوذة مبلغ 200 دج أو"ملح اليد" كما قالت، غير أنّها سارعت إلى عدّها لتخاطبني قائلة "هذا وتحبّوا تبراو"، مضيفة بأنّ النّساء يدفعن لها " من الـ500 ألف وطلع"، خرجت من بيت خالتي مليكة وأنا أحمد الله على نعمة الإيمان، وكلّي تحسّرا على ما تفعله المشعوذة وأمثالها كثر بضعاف النّفوس، ممّن تناسوا بأن الله هو الواهب والرّازق وأنّ  من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدّقه بما يقول لم تقبل له صلاةٌ أربعين يوماً..